رام الله ـ لبنان اليوم
في بداية شهر آب/ أغسطس وصلت رسالة ورقية قادمة من سجن "ريمون" للصحفية المقدسية داليا النمري، من أسير محكوم بالسجن المؤبد، يطلب يدها للزواج!. صدمت داليا، لكنها في بادئ الأمر أخذت الموضوع على أنه مجرد إعجاب، غير أن جديته غيرت تفكيرها تماما واقتنعت به، وأعلنت رسمياً عن ارتباطها به قبل عدة أيام الأسير تامر راسم الريماوي من بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله يقبع في الأسر منذ الثامن والعشرين من شهر أيار/ مايو 2003، ومحكوم بالسجن المؤبد لثلاث مرات. تقول داليا:" يملك تامر شخصية قل نظيرها، لامست جديته في رسالته التي وصلتني عن طريق محامٍ قبل ثلاثة أشهر، لم يرغب في خوض علاقة عابرة، بل كان جديا ومباشرا بأنه يرغب بالزواج مني".
وقع تامر في حب داليا رغم أنه لم يقابلها قط، بل كانت رفيقة زنزانته التي يستأنس بها من خلال طلتها بتقاريرها الإخبارية عبر شاشة التلفزيون.أخبرها أنه كان يتابعها دائما ويحرص على أن لا يفوته أيٍ من تقاريرها، وهذا ما شجعها على تكثيف إنتاجها الصحفي خلال هذه الفترة تضيف داليا: "هذه ميزة جميلة بالنسبة لنا، أولا لأنه يمكنه أن يشاهدني رغم أنف السجان، ويمنحني دافعا معنويا كبيرا في عملي لأني أعلم بأن تامر سينتظر موعد النشرة الإخبارية حتى يراني على الشاشة" وأعلنت داليا عن ارتباطها بتامر بداية شهر تشرين الثاني الجاري، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعد نجاحها في إقناع ذويها، وتبديد مخاوفهم من الخطوة التي ستقدم عليها. وتؤكد داليا: "خطوتي كانت عن قناعة تامة، فأنا أربط مصيري بتامر المحكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات، لكن لدي إيمان قوي بأنه سيخرج عاجلا أم آجلا، لن يبقى تامر طويلا في الأسر، فحتى وإن لم يخرج بصفقة تبادل قريبة، فإنه سيخرج بمناسبة أخرى، وأنا بانتظاره".
وتستعد داليا خلال الأيام القليلة القادمة لتثبيت ارتباطها بتامر بعقد قرانهما رسميا، وحينها ستتمكن من زيارته ولقائه للمرة الأولى، حتى وإن كانت من خلف جدار زجاجي يحجب الصوت بينهما. خلال هذه الأشهر القليلة الماضية تبادلا عدة رسائل، رغم أن عددا قليلا منها يصل، وغالبيتها تبقى عالقة ومحتجزة، كونها تخضع لمزاج إدارة السجون، فحتى هذه الوسيلة الوحيدة للتواصل بينهما تمر عبر سلسلة من الإجراءات المقيتة الطويلة، وتخضع كل رسالة إلى الفحص الدقيق من قبل السجانين عرفت داليا خطيبها تامر من خلال صوره المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرفت أكثر على شخصيته من خلال بعض مقاطع الفيديو لوالدته الراحلة فتحية الريماوي التي تتحدث فيها عن تامر وحنيته التي يتميز بها، حيث حمل مسؤولية البيت مبكرا بعد وفاة والده عندما كان هو وأخوته ما زالوا أطفالاً.
تتابع داليا:" قالت أمه التي توفيت قبل عامين في لقاء تلفزيوني بأن تامر شب قبل أوانه، أخذ على عاتقه بأن يحل محل والده المتوفي، وأن يكون عمودا للبيت، ولحنيته على والدته كان أحيانا يطعمها بيده، كان رجلاً صلباً رغم صغر سنه". تامر الذي كان يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما عند اعتقاله، حاصرته قوة عسكرية كبيرة في منبى ببلدة بيتونيا ظهر الأربعاء في الثامن والعشرين من أيار/ مايو 2003، وخاض لوحده يومها معركة لساعات طويلة ضد عشرات من جنود الاحتلال الذين استخدموا الرصاص والقذائف، وبعد نفاذ مخزونه اقتحموا المبنى ولكنهم لم يجدوه، واستمروا بالبحث عنه عدة ساعات، حتى عثروا عليه داخل ممر المصعد الكهربائي.
وتضيف داليا:" تامر إنسان جدع وبطل، فالفتيات كنَّ في أوج انتفاضة الأقصى يحلمن بالارتباط بمناضل ومقاوم، فهؤلاء المناضلون هم مثلنا الأعلى ومصدر فخر بالنسبة لنا". كلاهما ولدا في عام 1980، فتامر ولد في الخامس عشر، وداليا في الخامس والعشرين من شهر حزيران "أحياناً تكون العلاقة ناجحة إن كان التواصل فيها روحياً أكثر من أن يكون وجاهياً، فالمشاعر ليست ملموسة، فمن الممكن نجاحها حتى لو كانت المسافات تفصلها، أشعر الآن بأن تامر بجاني، يرفع معنوياتي يشجعني، يمدني بالقوة التي أحتاجها، حقاً رغم البعد القسري بيننا، إلا أننا نتشارك معاً بكافة تفاصيل حياتنا"، تختم داليا.
داليا ليست الوحيدة التي تعلن ارتباطها بأسير محكوم بالسجن المؤبد، فهناك عشرات الفتيات اللواتي أعلن ارتباطهن بأسرى محكومين بأحكام عالية، فقبل عامين أعلنت الفتاة منار خلاوي ارتباطها بالأسير أسامة الأشقر المحكوم بالسجن ثمانية مؤبدات، وفي عام 2016 احتفلت هبة عيّاد بارتباطها بالأسير منذر صنوبر المحكوم بالسجن أربعة مؤبدات، فيما تعد الأسيرة منى قعدان من أوائل الفتيات اللواتي ارتبطن بأسرى محكومين بالسجن المؤبد، حيث أعلنت ارتباطها بالأسير المحكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات إبراهيم اغبارية من أم الفحم منذ عام 2000. وحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن عدد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد يبلغ 544 أسيراً، من مجموع نحو 4650 أسيراً يقبعون في سجون الاحتلال.
قد يهمك أيضا :