عمان - لبنان اليوم
يخشى الأردن على أمنه المائي، بينما يسود في لبنان قلق من شح الأمطار؛ حيث لم يبلغ سقوطها هذا الموسم المعدلات السنوية. ففي الأردن يعتبر «الجفاف» المفردة الأخطر في معالجة الاحتياجات المائية حاضراً ومستقبلاً، أو ما يعرف اليوم بـ«الأمن المائي»، أمام اعتماد المزارعين ومربي المواشي على الأمطار مصدراً رئيسياً للري وإدارة مشروعاتهم، فالمياه مدفوعة الثمن تشكل تقليصاً لهامش أرباح تلك الفئة من المزارعين الذين تراجعت مداخيلهم الشهرية، نتيجة ارتفاع أسعار تكاليف إنتاجهم.
وفي الأردن، ثمة دراسة حصلت عليها «الشرق الأوسط» تؤشر على أن الاستراتيجية الوطنية للمياه في الأردن 2016- 2025، وسياسة قطاع المياه لإدارة الجفاف لعام 2018، وضعتا خطة عمل في إطار اتخاذ قرارات مرتبطة بمؤشرات تصنيف الجفاف وبالتدخلات للتخفيف من تأثيرات الجفاف، وذلك حسب أولويات تدهور موارد المياه، وتدهور جودة خدمات مياه الشرب، وخسائر الإنتاج في الزراعة المروية والبعلية، وخسائر الإنتاج في الثروة الحيوانية، وتدهور المراعي، وتدهور الغابات، وزيادة الإصابة بأمراض الإسهال.
أما الدراسة التي أعدتها وزارة المياه والري الأردنية، فقد جاءت بهدف الاستجابة السريعة لمخاطر الجفاف راهناً ومستقبلاً، إذ وضعت من منطلقاتها ما تشهده مناطق في الأردن من تغيرات مناخية، وما سينتج عنها من عجز مائي قد يصل إلى مليار متر مُكعب مع نهاية عام 2100، في وقت تقارب احتياجات المملكة المائية 500 مليون متر مُكعب عام 2050.
مزارع أردني يعرض شتلة طماطم جفَّت من قلة المياه (أ.ف.ب)
ولا تنكر الجهات الرسمية جسامة التحديات القائمة والمتمثلة في سوء إدارة مصادر المياه، ووصول نسبة الفاقد المائي إلـى أكثر من 40 في المائة، وأثر ذلك على انخفاض الإنتاج الزراعي مستقبلاً للأجيال، لما يُقارب 20 في المائة فقط عام 2100. فقد تحولت مناطق ومحافظات في شمال البلاد وجنوبها إلى أراضٍ جافة متصحرة، بعد ما تعرضت له المملكة من «محل» مطري خلال السنوات الثلاثة الماضية والموسم الحالي.
وفي لبنان، أضيفت أزمة جديدة إلى الأزمات التي يعيشها، تتمثل في شح المياه نتيجة تراجع نسبة تساقط الأمطار إلى ما دون المعدلات الموسمية بشكل ملحوظ، وهو ما بدأ يثير قلق اللبنانيين على اختلاف فئاتهم، قبل أيام من انتهاء فصل الشتاء، بحيث إن هذا الأمر سينعكس على حياة المواطنين اليومية في الفصول المقبلة، وعلى مختلف القطاعات التي تعتمد على المياه، وأبرزها الزراعة.
وفق وزارة المياه والري الأردنية، فإنه يتم رصد حدوث الجفاف وشدته لكل موسم مطري بين شهري أكتوبر (تشرين الأول) ومايو (أيار)، مع اعتبار أن الأردن يصنف بلداً «شبه قاحل»، لقلة هطول الأمطار الصيفية، وهطول الأمطار بشكل كبير خلال الفترة من ديسمبر (كانون الأول) إلى مايو. ولذلك، فإن اللجنة الفنية المعنية بالجفاف ترصد ظروف الجفاف طوال هذه الفترة، حسبما تحدث به الناطق الإعلامي باسم الوزارة عمر سلامة لـ«الشرق الأوسط».
وفي هذا الصدد، يشير سلامة إلى أن اللجنة الفنية المعنية بالجفاف في وزارة المياه والري، أقرت عام 2021 برنامج وخطة عمل، لتوفر منبراً لتعزيز أداء مؤسسات وأدوات إدارة مخاطر الجفاف في المستقبل، ما يمكّن الوزارة من إدارة مخاطر الجفاف على نحو فعال، للمساهمة في التخفيف من آثاره السلبية التي ستنسحب على تراجع الأمن الغذائي والمائي، وما يتصل بذلك من آثار على الرعاية الاجتماعية.
ويقول سلامة إن المعهد الدولي لإدارة المياه، بالشراكة مع وحدة إدارة الجفاف في وزارة المياه والري، يقوم اليوم بتطوير نظام للتنبؤ بالأمطار الموسمية، لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، ما من شأنه أن يساعد في التنبؤ بالجفاف في وقت مبكر، بما يكفي لتوقع الآثار المحتملة، والاستجابة بطريقة فعالة في أكثر المناطق ضعفاً.
وتكشف الدراسة أيضاً عن رصد حالة الجفاف الراهنة في محافظة الطفيلة (200 كيلومتر جنوب المملكة) على سبيل المثال، والمناطق المحيطة بها؛ إذ تميز الموسم الزراعي المطري 2020/ 2021 بتفشي الجفاف في أواخر الربيع.
وحقق الجزء الغربي من محافظة الطفيلة والمناطق المحيطة بها، مثل محافظتي الكرك ومعان الجنوبيتين اللتين تعتبران من المناطق الرعوية، معايير مؤشر «الجفاف المركّب»، التي تشير إلى حدوث حالة الجفاف الشديد في كل من شهري أبريل (نيسان) ومايو 2021. وتنطبق معايير الجفاف على موسمي الشتاء والربيع إذا تحقق شهر على الأقل من الاعتدال وشهر من الشدة، أو تحقق شهران شديدان على التوالي.
ويشير توالي شهرين من الجفاف الشديد في أواخر الربيع على هذه المناطق -وهو حدث يتكرر سنة واحدة كل 20 سنة ويلبي معايير خطة عمل الجفاف- إلى ضرورة اتخاذ استجابة طارئة للجفاف، لمعالجة الآثار المحتملة على الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الفقر، والقطاعات الحيوية التي تتأثر بالجفاف.
تبسيط مفهوم الجفاف وتوضيحه
في هذا السياق، يقول الدكتور عاكف الزعبي، وزير الزراعة الأردني الأسبق في أكثر من حكومة، إن تراجع كميات الهطول المطري باتت ملحوظة على مدى عدة مواسم، ولقد انخفضت من 11 مليار متر مكعب إلى 8 مليارات متر مكعب سنوياً تقريباً، مؤكداً أن هذا الانخفاض من شأنه أن ينعكس على حساب الاستخدامات المتنوعة لمياه الأمطار، سواء لجهة تغذية المياه الجوفية أو الاستخدامات في الزراعة ومياه الشرب؛ خصوصاً أن تلك الكميات ليس شرطاً أن تستغل بالشكل الذي يعظم الاستفادة منها خارج مواسم الشتاء.
ويطرح الزعبي -الخبير في مجالي الزراعة والمياه- فكرة أهمية العامل البيئي، في مساعدته على التخفيف من آثار الجفاف، نظراً لانعكاس الأثر البيئي على المراعي، ما يخدم فرص استدامة تلك المراعي بشكل يسمح بتأمين مصادر الثروتين الحيوانية والنباتية، ويشدد على أن هذا العامل يحتاج إلى العمل الجاد والهادف على هذا الصعيد.
في السياق ذاته، يطالب الزعبي بالالتفات لمسألة التحريج، فزيادة الرقعة الخضراء من شأنها التخفيف من تفاقم أزمة الجفاف وتداعياتها المقلقة على المستقبل، وهو ما يحتاج كذلك لجدية في التعامل مع السلطات المعنية، وربط ظواهر التصحر والجفاف والتحريج، كظواهر متصلة تقدم المشكلة والحل في المقام ذاته.
ويذهب الزعبي لتطبيقات مجدية للاستفادة من كميات الهطول المطري، ويطرح فكرة الحصاد المائي للتخفيف من فرص ضياع تلك الأمطار، أو تسربها فقط كمياه جوفية. ويضيف الزعبي أن الحصاد المائي نوعان: حصاد كبير يتمثل في بناء السدود وفق دراسات علمية تراعي جميع الجوانب، والحصاد المائي التكميلي المتمثل في الحفائر أو السدود الترابية أو البرك التجميعية، والتي قد نجدها في المناطق الجافة والبوادي، منوهاً إلى أن ميزة تلك المناطق تتمثل في أمطارها التي تأتي غزيرة في وقت قصير، وعلى عدة مراحل خلال المنخفض المطري الواحد.
لكن الزعبي يرى أيضاً أن مخاطر الجفاف رقمياً وإحصائياً، تنعكس على المساحات الزراعية، وهذا التهديد الحقيقي في ظل ما قامت به دائرة الإحصاءات العامة في الأردن من مسح، يؤكد انحسار الرقعة الزراعية بين عامي 1976 و2017، من 3.6 مليون دونم زراعي إلى 2.1 مليون دونم زراعي.
ويعتبر الزعبي هذا التحدي هو الأخطر على صعيد الأمن الغذائي في الأقاليم والمناطق الجافة، لذلك تكون رحلة البحث عن حلول إبداعية وممكنة التطبيق لأزمة الجفاف، هي حاجة ماسة ويجب عدم التراخي فيها.
ويفرق الزعبي بين تعريفين للجفاف: الأول يرتبط بمفهوم الجفاف الشعبي السائد في ظل مواسم متقلبة بين الماطرة والجافة، والثاني المرتبط بتعريف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في إعلان الجفاف، وهو الذي يرتبط كإعلان بمعايير محددة تقابلها حصص من المساعدات في الدول التي يتسبب فيها الجفاف في أزمة غذاء، مثل دول أفريقية. وطرحت حكومة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة رؤية لقطاع المياه في خطة التحديث الاقتصادي لعام 2033، تهدف بشكل رئيسي إلى العمل على خفض الفاقد المائي إلى 2 في المائة سنوياً، في وقت تصل نسبة الفاقد المائي فيه إلى 47 في المائة وفق تقارير رسمية، وهو ما اعتبر من أولويات هذه المخرجات، وتحدث عنها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال حضور مناقشات رؤية التحديث الحكومية مراراً.
وحسب الأرقام الرسمية الأحدث أيضاً، تعد موارد المياه في الأردن الأضعف على مستوى العالم؛ حيث يبلغ معدل الهطول المطري السنوي 95 ملّيمتراً، وتشكل المياه الجوفية والسطحية ما نسبته 85 في المائة من المصادر المتاحة، ويستهلك قطاع الزراعة 50.17 في المائة من موارد المملكة المائية المتوفرة، بينما يستهلك 45.8 في المائة من الموارد المائية للأغراض المنزلية، أما مساهمة قطاع المياه في الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغت -حسب تقديرات رسمية عام 2021- 0.5 في المائة، بقيمة 200 مليون دينار.
خبير يحذر ويقترح
بالإضافة إلى ذلك، يقول الخبير في الدراسات المائية والزراعية المهندس حاتم رشيد، إن الأزمة المائية في الأردن تتجسد بعدم التناسب بين كميات المياه المتاحة وعدد السكان المتزايد الذي وصل اليوم إلى ما يزيد على 11 مليون نسمة، مرجعاً السبب الجوهري في هذه الأزمة إلى وقوع مساحة الأردن ضمن مناطق شبه جافة، وجافة أحياناً؛ حيث إن معدل الهطول المطري في معظم مساحة المملكة ضئيل، ويصل إلى 50 ملّيمتراً سنوياً، ليبلغ حده الأقصى 700 ملّيمتر في مساحة محدودة. وتؤشر حصة الفرد المائية السنوية (لمختلف الاستعمالات) على مؤشرات العجز المائي عموماً، إذ تصل إلى 90 متراً مكعباً سنوياً، وهي أقل بكثير من المعدل العالمي للفقر المائي، وهو 500 متر مكعب سنوياً.
ومن هنا، يفرّق رشيد بين احتياجات البلاد لمياه الشرب والاستعمالات الحالية للمياه في حقل الزراعة أساساً، واحتياجات المياه لغرض التنمية الاقتصادية الشاملة والأمن الغذائي. فعلى مستوى الاحتياجات الحالية بمعزل عن التنمية الشاملة، فإن كميات المياه المتاحة تعتبر كافية نسبياً مع نقص نسبي محدود، يمكن توفيره باتخاذ تدابير مناسبة.
وفيما يخص العام الحالي 2023، فإن نسبة الهطول المطري تصل إلى 70 في المائة من المعدل السنوي، بينما بلغت كميات المياه المخزنة في السدود نحو 115 مليون متر مكعب، بما يعادل 40 في المائة من سعة التخزين الكلية، مع العلم بأن حاجة الأردن السنوية تقدر بمليار و200 مليون متر مكعب سنوياً.
وعلى الرغم من قول رشيد بأن الاستعانة بالمياه الجوفية قد تنفي التهديدات الجدية بنقص الكميات المطلوبة للاستهلاك التقليدي، ومن محدودية العجز النسبي، فإن عدم معالجة هذا العجز سيتسبب في مصاعب عديدة؛ خصوصاً إذا استمر انحباس الأمطار، وأبرزها نقص مياه الشرب والاستعمالات التقليدية في بعض المحافظات، وتأثر أسعار الأعلاف بما ينعكس سلباً على الثروة الحيوانية.
ويؤكد المهندس رشيد أهمية النظر لمشكلة المياه على أنها مشكلة قابلة للحل، وأنه من الخطورة بمكان البناء على «وهم مضلل بفرضية أنها غير قابلة للحل»، حسب تعبيره. ويضيف: «هو حل إذا أتيح فسيكون عامل إسناد نوعياً لتنمية اقتصادية شاملة، تشمل مختلف القطاعات النوعية، كالزراعة والأمن الغذائي والصناعة والسياحة».
ويقدّم رشيد سلة تدابير مقترحة، يمكن أن تقدم مساهمة فعالة في إثراء وتعزيز موارد المياه، ومنها الإصلاح الجذري على المستويين الإداري والفني في قطاع المياه، ليعطي هذا الإصلاح نتائج إيجابية. ويجب أن ينطلق من قابلية التعامل الإبداعي الخلاق مع مشكلة المياه ببعدها التنموي.
كما يقترح الشروع في دراسة الخطط العملية والإجراءات والتدابير على المديين القصير والبعيد، والتي من أهمها تقليل نسبة الفواقد المائية بحزم، لتصل إلى المعدل العالمي، وهذا سيوفر كميات مهمة جداً تعالج نقص مياه الشرب بشكل خاص، فمن المعروف أن الجهود بهذا المجال لم تحقق نتائج ذات قيمة، على الرغم من تواصل الحديث عنها لعقود من الزمن، وفقاً لرشيد.
ويواجه الأردن صعوبات في تأمين موارد إضافية للمياه، عبر الاتفاقية العربية المشتركة لإدارة مياه حوض اليرموك، بين الأردن وسوريا، المبرمة عام 1953، والتي تم تعديلها لاحقاً، إضافة إلى معاهدة وادي عربة الموقعة مع إسرائيل عام 1994.
وفي هذا السياق، يدعو الخبير رشيد إلى المطالبة الجادة والمستندة إلى القوانين والأعراف الدولية، بالحقوق المائية للأردن مع الأطراف الشريكة في حوض نهر الأردن والأحواض الجوفية، ليستطيع الأردن تعزيز حصيلته المائية؛ خصوصاً في المناطق الأكثر احتياجاً لمياه الري.
ويقترح رشيد توسيع وتعزيز خطط الحصاد المائية التي من الممكن أن ترفع المخزون إلى أكثر من 400 مليون متر مكعب سنوياً؛ خصوصاً أن مشروعات الحصاد غير مكلفة مالياً، وتتوزع على مساحات واسعة في المملكة.
ويدعو رشيد إلى تنظيم استغلال المياه الجوفية، بما يسمح لها بالتجدد، وهذا يتطلب أيضاً التحكم في الاستغلال العابث وغير القانوني للمياه، من طرف أشخاص وجهات تستقوي على الدولة. فالاستغلال غير القانوني للمياه بيعاً أو اللجوء لزراعات تهدر المياه، هو ضرر فادح يُلحق بثروة المياه المحدودة. وعندما تكون المياه المسروقة فعلياً مجانية فإن استغلالها سيكون مجرد هدر لثروة شحيحة.
ويجد رشيد أن التعاون مع الجوار العربي مساهمة نوعية كبرى؛ إذ من المعروف أن الدول العربية المجاورة تضم كميات هائلة من المياه غير المستغلة؛ خصوصاً المياه الجوفية، الأمر الذي يمكن معه التعاون المشترك، ليوفر للأردن عشرات أضعاف ما يوفره مشروع الناقل الوطني المقترح مرتفع الكلفة الرأسمالية والتشغيلية، وبما يجعل قطاع المياه بخدمة تنمية وطنية شاملة، وليس مجرد تلبية لاحتياجات مياه الشرب والاستعمالات المحدودة القائمة حتى الآن.
الحلول السياسية للأزمة المائية
سياسياً، يطرح الأردن مشروع الناقل الوطني عبر تحلية مياه البحر الأحمر، على واجهة المنفذ البحري الوحيد للملكة في مدينة العقبة (400 كيلومتر من عمان) جنوب البلاد، وجرها إلى العاصمة عمان، بمشروع أخذ موقعه على خريطة الحلول الاستراتيجية للمستقبل. والمشروع بعناصره الرئيسية يتكون من محطة الشاطئ الجنوبي لخليج العقبة، ومحطة تحلية وضخ في العقبة، وخط ناقل بطول نحو 450 كيلومتراً، بهدف توفير مصدر مستدام لمياه الشرب بواقع 300 مليون متر مكعب، ويسد العجز الحالي المتحقق بفعل الزيادة الطبيعية للسكان، وزيادة الطلب على المياه بفعل استمرار أزمة اللجوء السوري.
الحكومة الأردنية على لسان الناطق باسمها فيصل الشبول، أكد في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط»، أن بلاده ماضية في تنفيذ مشروع الناقل الوطني، لتأمين مياه الشرب لنحو 11 مليون نسمة، بين مواطن ومقيم على الأراضي الأردنية، وسط استمرار أزمة اللجوء السوري وارتفاع عجز الموازنة المائية. والمشروع الذي تتجاوز كلفته 2.5 مليار دولار، سيتم تمويله من خلال المنح والالتزام بقروض من الجانب الأردني. وعلى الرغم من توفر جانب من تمويل الناقل الوطني فإنه ما زال العمل جارياً على توفير بقية التزامات المشروع الذي يحقق الأمن المائي على المدى البعيد.
وتتوقع الحكومة البدء في تنفيذ المشروع نهاية العام القادم، بعد تسلم أوراق إحالة العطاء خلال الشهور الستة الأولى من عام 2023، بعد تسلم التقارير الفنية من منفذي العطاءات، ما يساعد على إنجاز المشروع في عام 2028؛ حسب التقديرات الرسمية.
ويبلغ الاستهلاك اليومي للمياه في الأردن 3 ملايين متر مكعب للاستخدامات كافة، ليتجاوز إجمالي الاحتياجات المائية ملياراً و200 مليون متر مكعب سنوياً، في وقت يساهم فيه جر مياه حوض الديسة من جنوب البلاد، على الحدود مع المملكة العربية السعودية، بـ110 ملايين متر مكعب من الموازنة. وتشتري عمان من إسرائيل 50 مليون متر مكعب، ضمن اتفاق أُبرم العام الماضي، لتغذي بقية المصادر المحلية متطلبات الاحتياجات من المياه.
والمشروع الذي تضعه الحكومة من أولوياتها، من أجل تأمين مياه الشرب لسكان المملكة المقدر عددهم حالياً بحدود 11 مليون نسمة، يتيح للوزارة تنفيذ خططها الاستراتيجية المتعلقة بتحسين واقع المياه الجوفية، ومشكلات الضخ الجائر من الآبار الجوفية، لاستعادة قدرتها على التخزين المائي عبر السنوات القادمة، وتخفيض فاقد المياه بشقيه الفيزيائي والتجاري، من خلال رفع كفاءة الشبكات وتحسين التزويد المائي، إضافة إلى تحسين انتظام وصول المياه للمواطنين على مدار الساعة في معظم المناطق، من خلال التزويد المستمر على مدار الساعة، وتحقيق التنمية المستدامة لكافة القطاعات الحيوية، مثل القطاع الزراعي والاستثماري والتجاري والصناعي والسياحي، إضافة إلى تحقيق الأهداف الرامية لمواجهة آثار التغير المناخي، وإيجاد حلول لنقص مياه الشرب؛ حيث سيوفر خيارات إضافية حال الحاجة للاستفادة من المياه الجوفية بعد استعادة عافيتها خلال الأعوام القادمة.
ويؤمّن الأردن مياه الشرب لمواطنيه من الآبار الجوفية في شمال ووسط البلاد، ومياه حوض الديسة، وكذلك المياه التي ترد من بحيرة طبريا، فيما يخصص تجميع مياه الأمطار في السدود للاستخدامات الزراعية والصناعية، وتغطية الاحتياجات الأخرى.
استجابة مطلوبة لتخفيف واقع ومستقبل الجفاف
وعن الاستجابة المطلوبة والتداعيات المقلقة لاستمرار حالة الجفاف؛ وفقاً للدراسة الحكومية، فقد أوصت اللجنة الفنية المعنية بالجفاف بخيارات الاستجابة لمعالجة مخاطر آثار الجفاف المحددة في المناطق المتضررة، من محافظة الطفيلة والمناطق المحيطة بها مثل الكرك ومعان. ففي مجال تدهور الموارد المائية، أوصت اللجنة بضرورة تنفيذ التشريعات والأنظمة المتعلقة بكميات ضخ المياه الجوفية في المناطق المتضررة، وإبقاء العملاء والسكان المتصلين بالشبكة العامة على علم بالنقص المتوقع، وفترات انقطاع المياه وعدم وجود خدمة.
أما في مجال خسائر الإنتاج في الزراعة البعلية، فقد أوصت اللجنة بإجراء دراسات استقصائية لآثار الجفاف على الإنتاج البعلي، وتراجع الأمن الغذائي في المناطق المتضررة، وتزويد وزارة الإدارة المحلية ووزارة التنمية الاجتماعية بمعلومات عن مواقع الجفاف والآثار المحتملة، وتنبيه المانحين الدوليين ووكالات الإغاثة إلى ازدياد مخاطر الفقر، وانعدام الأمن الغذائي بين صغار المزارعين، ودعم مدخلات الإنتاج لتعزيز الموسم المقبل.
وفي مجال الأثر على خسائر الإنتاج في تربية الماشية، أوصت اللجنة بإجراء دراسات استقصائية لآثار الجفاف على الإنتاج الحيواني، وتراجع الأمن الغذائي في المناطق المتضررة، وإعطاء الأولوية لدعم الأعلاف للمناطق المتضررة، وزيادة المخصصات الغذائية، والتدخل لتنظيم الأسعار في سوق الأعلاف.
متساقطات لبنان
أما في لبنان، فيلفت رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت، مارك وهيبة، إلى أن معدل المتساقطات في بيروت حتى الآن هو 510 ملّيمترات، بعدما كان في العام الماضي 583، بينما المعدل المطلوب هو 704 ملّيمترات، أي أن نسبة هذا العام لا تزال بعيدة عن المعدل 194 ملّيمتراً. وهذا الرقم وإن تدنى قليلاً في منطقتي: طرابلس (شمال لبنان)، وزحلة (البقاع)، فإنه أيضاً لا يزال دون المعدل، بحيث سجل في طرابلس حتى الآن 580 ملّيمتراً، وكان العام الماضي 746، بينما المعدل هو 708 ملّيمترات. أما في زحلة فوصل فقط إلى 407 بعدما كان العام الماضي 554، بينما المعدل هو 523 ملّيمترات.
من هنا، يعتبر وهيبة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن هناك خطراً جدياً لعدم تعويض هذا النقص قبل نهاية فصل الشتاء، ما يعني أننا سنكون أمام خطر العجز المائي في كل القطاعات التي تحتاج إلى المياه، كما في حياتنا اليومية، بحيث سيضطر اللبنانيون إلى شراء المياه باكراً هذا العام، علماً بأنهم ظلوا يشترونها حتى شهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام، قبل أن تتساقط الأمطار بشكل مقبول. ويوضح أن «المشكلة لا تكمن فقط في الأمطار، إنما الأهم في كمية الثلوج المتساقطة التي تعتبر بدورها دون المعدل العام، بحيث إنه لن يكون هناك مخزون ولا كميات لتغذية المياه الجوفية، للاستفادة منها في الزراعة وغيرها من القطاعات التي تعتمد على الثلوج في الفصول الأخرى».
ويربط وهيبة ما يحصل بالتغير المناخي؛ لكنه يعتبر أن الحديث عن التصحر في لبنان أمر مبالغ فيه؛ مشيراً إلى أن التغيرات لا تسجل حتى الآن أرقاماً قياسية، إن لجهة الفيضانات والعواصف أو لجهة ارتفاع درجات الحرارة، ويعطي مثالاً على ذلك أنه قد تصل درجة الحرارة إلى 38 درجة من دون أن تتعداها إلى الأربعين وما فوقها؛ لكن التغير قد يكون في الفترة التي تمتد إلى أيام وتؤثر سلباً على حياة المواطنين اليومية.
وبينما بدأ المزارعون يقلقون على إنتاجهم في لبنان، ويخشون من خسارة مادية كبيرة، يتحدث رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم ترشيشي، عن مشكلة حقيقية قد تؤثر على الموسم الزراعي بشكل عام. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك في أن لبنان يتعرض للتقلبات المناخية التي تظهر من خلال ارتفاع بدرجات الحرارة في غير وقتها، وتساقط للأمطار بكثافة في وقت قصير، بحيث يسجل كميات كبيرة لا قدرة لقنوات ومجاري المياه على استيعابها، مقابل انحباس للأمطار لفترة طويلة». ويلفت إلى أنه منذ الأسبوع الثاني من شهر فبراير (شباط) حتى اليوم، لم يسجَّل تساقط للأمطار، وهذا ما لم يحصل سابقاً، ما سيؤدي إلى عجز مؤكد في معدلات الأمطار.
ويشرح ترشيشي تأثير هذا الأمر على القطاع الزراعي؛ مؤكداً أن ذلك سينعكس على كلفة الإنتاج، وبالتالي على أسعار المنتوجات. ويقول: «عادة في مثل هذه الفترة من العام، يفترض أن تكون التربة مشبّعة بشكل كافٍ من الأمطار؛ لكن للأسف كل المزروعات اليوم لم ترتوِ من المياه، وباتت الأرض صفراء اللون نتيجة العطش كما لو أنها في شهر يونيو (حزيران)، بينما الأشجار المثمرة تفتّحت في غير وقتها، وبالتالي عندما تعود الحرارة وتنخفض ستتساقط أزهارها، ولن يكون هناك موسم زراعي كما يجب، عبر تراجع جودة الإنتاج وتقلص المساحات المزروعة».
وبينما يأمل ترشيشي أن يحمل النصف الثاني من شهر مارس (آذار) الخير، عبر سقوط الأمطار على غرار ما حصل العام الماضي، يلفت إلى أن هذا الشح أدى إلى بدء المزارعين -في ظاهرة غير طبيعية- في الاستعانة بالآبار الارتوازية التي عادة ما يعتمدون عليها في فصل الصيف، وهو ما سينعكس على كلفة الإنتاج وأسعار المنتوجات التي تصل إلى المواطنين، وعلى الكمية التي يفترض أن يصدرها المزارعون إلى الخارج.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أفضل أنواع الفاونديشن للحماية من الجفاف
الجفاف يهدّد سوريا جراء تراجع مستوى نهر الفرات وسط تحذيرات من كارثة إنسانية