بيروت - لبنان اليوم
في الزمن التعليمي الصعب، حوّلت أستاذة في التعليم الرسمي منزلها إلى مدرسة. فعلتها المدرّسة سوسن دياب. قدّمت مبادرة تعليمية فريدة. قرّرت التعويض على الطلاب ومنحهم دروساً مجّانية. لم تُفكّر بالربح المادي بقدر تفكيرها بحقّ الطلاب. هي واحدة من أساتذة التعليم الرسمي الذين يخوضون حرب الحقوق مع وزير التربية. لم تتخلّ عن واجباتها تجاه طلابها. أبقت على تواصلها معهم طيلة فترة الإضراب عبر «واتس آب»، إلى أن ضمّتهم إلى منزلها. لم تكن الفكرة صعبة التحقيق. فالأهالي تجاوبوا معها سريعاً. سرعان ما تحوّل المنزل إلى ورشة تعليم مجاني، تتولّى إدارتها المعلّمة سوسن كما يحلو للطلاب تسميتها. كيف نجحت سوسن وما الهدف من مبادرتها؟ وهل تُشكّل نموذجاً يُقتدى به؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ فكرة سوسن لم تخطر في بال أحد، ولم يفكّر أحد بمصلحة الطلاب من دون مقابل. عادة يُشكّل التعليم الخاص منفعة مالية للإستاذ، غير أن غاية سوسن مختلفة. منفعتها «تعليم الطلاب لتعويض الخسارة». تبدي ارتياحها لتجاوب الطلاب، لافتة إلى أنّها مستعدّة لتعليم الحلقة الثالثة أيضاً. ما يهمها هو استعادة الطالب دروسه، فالعام الدراسي أشرف على نهايته والتلامذة في بيوتهم. من هنا قررت ألا يُحرم هؤلاء فرص التعليم.
داخل منزلها في بلدة زوطر الشرقية، يتحلّق الطلاب حول الطاولة التي أعدّتها لهم. كل يضع كتابه ودفتره أمامه، اشتاقوا إلى مقاعدهم الدراسية، طالت فترة مكوثهم المنزلي. تتولى شرح الدروس كافة. تتقن أسلوباً تفاعلياً يُمكّن الطلاب من فهم الشرح بطريقة سهلة. ترتسم علامات الإرتياح على وجوههم. وجدوا أخيراً من يفكّر بهم وبتعويضهم الخسارة. إذ يعتبر أحد طلابها ويدعى أحمد أن «الدرس والتعليم من حقّه، فهو محروم منه. يخاف أن يطير عامه في مهب الإضراب».
بابتسامة، تشرح سوسن. تجول على كلّ الطلاب. تزوّدهم بأكبر قدر من المعلومات تعويضاً عمّا فاتهم. تحاول أن تكون قرب الطلاب في هذا الظرف الصعب، قائلةً: «حرام أن تذهب سنة جديدة عليهم. أمامهم استحقاق الإمتحان الرسمي، ويحتاجون للدعم، وخسارتهم الدروس تضيع عليهم الترفيه». إذا بات منزل سوسن مدرسة موقّتة، بانتظار فتح المدارس الرسمية أبوابها، وهي جزء منها، ولديها أيضاً حقوقها المشروعة. قليلة هي المبادرة التعليمية في هذه الزمن البائس. إذ يّشكّل مشروعها تحدّياً في هذه الأيام العصيبة. ولكنه يصبّ في خدمة جيل المستقبل على ما تقول.
يُثمّن رئيس لجنة الأهل في زوطر الشرقية جعفر نعمة، خطوة سوسن، يضعها في مدماك الإنسانية أوّلاً، ثمّ يراها دفعاً وحافزاً لمبادرات مماثلة، كي لا يخسر الطلبة عامهم.لا يتردّد نعمة بالقول إن «طلّاب التعليم الرسمي هم الحلقة الأضعف اليوم. يدفعون ثمن الصراع الدائر بين الأساتذة ووزير التربية الذي يراه نعمة أنه «يصمّ اذنيه عن مطالب الأساتذة ويتعامل معها عالقطعة».
حتّى الساعة، لا مؤشّرات جدية لعودة قريبة للمدارس الرسمية إلى التعليم في ظل تعنّت الأساتذة والتشديد على مطالبهم ورفضهم لحلّ 5 ليترات بنزين يومياً. بعض المدارس كسر الإضراب، وفتح أبوابه من جديد أمام الطلّاب، على أمل أن يحظى بدعم من المجتمع المحلّي. وحدهم الطلاب «طالعة براسن»، يتفرّجون على عامهم الدراسي يطير، وتضيع معه سنة دراسية أخرى.
قد يهمك ايضاً