بيروت - لبنان اليوم
منح رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون "وسام الإستحقاق اللبناني الفضّي ذو السعف" للمرحوم المحامي رشيد ميشال الجلخ في يوم وداعه في كنيسة مار يوسف- الحكمة في الأشرفيّة، ووضعه على نعشه الوزير السابق النائب نقولا صحناوي الذي قال: أيها الفقيد الغالي، تقديرًا لعطاءاتك في الحقلين القانوني والإجتماعي خدمة للبنان وقضاياه المحقّة وللعدالة من خلال رسالة المحاماة التي حملتها بكلّ جدارة وتفانٍ . وعربونًا للشكر على كلّ ما قدّمته في الشأنين الإنساني والإجتماعي، قرّر فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، منحك وسام "الإستحقاق اللبناني الفضّي ذو السعف" وكلّفني فشّرفني أن أضعه على نعشك في يوم وداعك.
وكان قد أُقيم مأتم مهيب رسمي وشعبي للفقيد في كنيسة مار يوسف- الحكمة. وترأس الصلاة لراحة نفسه رئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر وشارك فيها راعي أبرشيّة جبيل المارونيّة المطران ميشال عون والمطران بولس مطر ولفيف من الكهنة. كما شارك في الصلاة النائب صحناوي ممثلًا رئيس الجمهوريّة وعدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين القنصل العام للسفارة الفرنسيّة في لبنان على رأس وفد من السفارة ونقيب المحامين ملحم خلف وممثلين لهيئات قضائيّة وقانونيّة ونقابيّة وإجتماعيّة وفكريّة وثقافيّة.
وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر كلمة رثى فيها، فقال: (...) إذا إختصرنا حياة رشيد الجلخ بكلمة واحدة أو بكلمتين، قلنا إنه رجل العطاء والوفاء. العطاء نعمة بها نُشرك الله. تعلّمنا ونحن صغار أننا على صورة الله خُلقنا، لأننا نفكّر ولأننا أحرار، فهذا صحيح. إنما الشبه الأكبر الذي يُكّرمنا به الله، أن نكون أهل عطاء. هو العاطي الأول الذي أعطانا كلّ شيء، بدءًا من ذاتنا وعقلنا وقلبنا. وأعطانا الله قدرة على أن نعطي مثله، فنشبهه بقدرة هذا العطاء. طوبى لرشيد الجلخ الذي أدرك نعمة العطاء، فلبّاها، فكانت له الجولات والصولات بالمحبّة التي جسّدها في حياته حتى آخر لحظة عاشها في هذه الدنيا، صريع قلبه الذي تحمّل الكثير لأنه أعطى الكثير.
رشيد الجلخ، إبن عائلة معروفة في الأوساط القانونيّة والحقوقيّة. وقبل ذلك أخذ من أبيه وأمّه محبّة الله والتقوى التي زينت محاسنه كلّها. موجود دائمًا في الكنيسة أمينًا لربّه ولمسؤولياته كلّها. نعم رشيد الجلخ إبن كنيسة كان. أخذ عن أمه وأبيه هذه الصفات الحميدة ودرس الحقوق ليتابع تراث آل الجلخ الأعزاء، الذين لمعوا في هذا الإختصاص. فكان ذلك المحامي المدافع عن حقوق الناس والذي يُعطي من دون حساب. وفي المناسبة نهنىء نقيب المحامين ملحم خلف على المنحى الذي إتخذه عندما طلب من زملائه الذهاب إلى كلّ لبنان وراء المستضغف والفقير في السجون. فهذه إنسانيّة تنبع من قلوب مؤمنة نهنئه ونفاخر بها.
رشيد الجلخ ترّبى في مدرسة الحكمة، بيته الثاني ولم يُغادره أبدًا. لا نغادر الحكمة، بل هي تسكن في القلب. نكون فيها فتصير فينا. هكذا عاش في الحكمة تلميذًا وخريجًا ونائب رئيس لجامعة قدامى الحكمة ورئيسًا لمؤسّسة المونسنيور إغناطيوس مارون، أحد رؤساء مدرسة الحكمة الكبار الذين طبعوا بشخصيتهم لبنان والوطن.
ما كنّا يومًا نقيم إحتفالًا في الحكمة إلا وكان فيه رشيد الجلخ عرّيفًا، متحدّثًا لبقًا، تخرج الكلمات من قلبه قبل عقله، لأن عقله وقلبه كانا متصالحين. كان إنسانًا مسالمًا في ذاته، يعرف ماذا يريد. يريد أن يعطي وأعطى مدرسته وردّ لها الجميل الكثير الكثير. ردّ للحكمة ما عليه بكل ما للكلمة من معنى. فنحن نذكره منها ونذكره فيها ما عشنا وما عاشت الحكمة. رشيد الجلخ كان إنسانًا لامعًا بمحبته وعطاءاته. وفي مجتمعه كان ذلك المعطي من دون حساب، أيضًا، يهتم بالفقير ضمن المجلس العام الماروني والرابطة المارونيّة. إهتمّ بالإنسان والحضارة الإنسانيّة وحضارة العطاء والخير والصلح والسلام خلال رئاسته لأنديّة الليونز، قبلها وبعدها. رشيد كان يجد نفسه في هذه الأوساط، وكأنه في ذاته وبيته، يُعطي فرحًا ويضع الفرح في قلبه وقلوب الآخرين.
رشيد الجلخ كان وفيًّا لبيروت العاصمة التي أحبّها وخدم فيها عضوًا في مجلس بلديتها، وكان من الذين فرضوا إحترامهم على أقرانهم. فكان في ذلك الإنسان المميز في المسؤوليات التي كان يحملها في لبنان والمحافل الدوليّة، لا سيما الفرنكوفونيّة، فكان رئيسًا لجمعيّة أوسمة الإستحقاق الوطني الفرنسي في لبنان. نذكره بالخير على كل عطاءاته. ما طلبنا شيئًا منه بالنسبة للعاصمة إلا ولبّى الطلب. هكذا رشيد إنطلق من الحكمة مدرسته إلى لبنان وطنه. كان ذلك الإنسان المُعطي بفرح. إهتم بالأمور الوطنيّة العامة فترأس جمعية "معًا نعيد البناء" وإهتم بمسيحيي المشرق وقرى الأطفال وكاريتاس ونادي الحكمة الرياضي. أينما إتجهتم كنتم تجدونه حاضرًا للخدمة. هذا الإنسان الطيّب، المعطاء، الخيّر.
لم يؤسّس عائلة ذاتيّة له، لأن عائلته كانت كلّ لبنان. أحبّ الجميع وأحبّ وطنه حتى العشق. أحبّ هذا الشرق ليكون شرقًا جميلًا ، شرقًا متصالحًا. ومعه نصلّي اليوم، حيث وصل إلى بيت الآب، حتى يعود هذا الشرق شرقًا مسالمًا، يجدّ كلّ إنسانٍ وشعبٍ فيه حقّه. الله يريد لكل الشعوب أن يكونوا إخوة متضامنين. رشيد الجلخ كان من الذين ناضلوا ويناضلون في سبيل المساواة بين الناس وبين الشعوب. رشيد كان يهتم بمصير شعوب الشرق بقلبه وعقله وصلاته وعمله، لكي تعود إلى المصالحة والسلام والخير العام لجميع الناس على أساس الحقّ. لبنان كان دولة الحقّ ودولة القانون. نحن نتحرّك اليوم ليعود لبنان دولة الحقّ والقانون. دولة الإنسان المصان بحقوقه وكرامته، لا الإنسان المُستغل والمُستضعف، حتى من أقرب الناس إليه.
رشيد الجلخ أصبح بالنسبة إلينا رسالة، أيها الأحباء، رسالة العطاء والوفاء. فلنذكره ولنسر على خطى كلّ إنسان يُعلّمنا الخير، يُعلمنا الإنحناءة نحو الفقير والضعيف، يُعلّمنا كيف يكون الإنسان إنسانًا. الربّ يسوع، الذي قال، إذا ما إرتفعت عن الأرض جذبت إليّ كلّ أحد، ألهم رشيد ويلهمنا جميعًا، ليكون فينا الإنسان إنسانًا حقيقيًّا، إنسانًا كاملًا. رحمة الله عليك وسنفتقدك يا رشيد ، إنما الله أحقّ بك وأنت اليوم صرت صحبة الملائكة والأبرار والصديقين في السماء الذين يصلّون من أجل أهل الأرض حتى يسيروا المسار الصحيح وبالإتجاه السليم للوصول إلى ربنا في مدينة تجمعنا كلّنا في أُخوّة لا حدود لها ولا نهايّة.
كلمات لممثلي هيئات ينتمي إليها الفقيد
وفي وداع رشيد الجلخ ألقى المحامي فريد الخوري كلمة نقابة المحامين وقدامى الحكمة، جاء فيها: "فأنت نِعمَ الزميل في المحاماة والصديق في قدامى الحكمة. غيابك سيترك فراغًا بيننا، لكن سيرتك الحافلة بالمناقب خير عزاء يُخفّف من لوعة الفراق".
وألقى الأمير ألبير شهاب كلمة أندية الليونز وفيها:" سوف تفتقدك منابر الكرامة والعنفوان وجمعيّة أنديّة الليونز الدوليّة التي أعطيتها من دون مقابل وكنت رمز التمرّد على الذّل والتزلف والإرتهان.
وألقى المحامي سليم الخوري كلمة نادي بيروت يونايتد الذي أسّسه الفقيد، فقال:" قم وأنظر إلى هذه الجموع تحتضنك بدموعها السخيّة وبمحبتها التي لا تنضب وبصلاتها التي تستجير بركات الخالق وحنانه. فأنت قامة علميّة وفكريّة وثقافيّة وإنسانيّة كبيرة".
وألقت السيدة كريستيان سركيس كلمتي جمعيّة حملة أوسمة الإستحقاق الفرنسيّة وجمعيّة النهضة الفرنسيّة، جاء فيها:" رشيد الجلخ كان رجل المحبّة واللياقة والذكاء والمصالحة. كان رجلًا إستثنائيًا العالم بحاجة إلى أمثاله اليوم. سعادة كبيرة العمل مع رجلٍ رؤيوي مثله. خسارته كبيرة لوطنه ولكل مَن أمن بالصداقة الفرنسيّة اللبنانيّة" .
وألقت السيدة زينة زيربيه كلمة العائلة تحدثت فيها عن العاطفة التي كانت تغمر قلبه، وعن حرصه الدائم لتكون العائلة مجتمعة على المحبّة والإحترام.
قد يهمك ايضا:أزمة جديدة في لبنان بسبب مواصلة ميشال عون الدفاع عن حزب الله