بيروت - لبنان اليوم
الم يحن الوقت لكي يعترف السياسيون في لبنان بأن "الثورة" الموجودة في العقول والقلوب والضمائر، قبل أن تكون في الشارع، أنتجت فئة عمرية لا تتجاوز الثامنة عشرة، أثبتت بالبراهين الحسية أنها أكثر وعيًا من الاجيال السابقة، وأنها تختزن ثقافة سياسية لم تكن متوافرة لمن سبقوهم من الأعمار ذاتها، وقد يفوق وعيهم بعض الطارئين على الحياة السياسية.
ولأنه من حق هذه الفئة التي تتمتع بحيوية فائقة وبحس وطني مميز، كان إقتراح الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة "الوسط المستقل" بتعديل دستوري، والذي سيطرح في العقد العادي لمجلس النواب، بحيث يصبح في إمكان من بلغوا سن الثامنة عشرة المشاركة في الإنتخابات النيابية، وهم بالتالي قادرون على إحداث فرق في النتائج، فلا تعود الأحزاب والتيارات السياسة في مقدورها إستنساخ نفسها بنفسها، وذلك يعود إلى إمكانية التغيير التي سيحدثها هؤلاء الشباب نتيجة وعيهم العام ونتيجة الإخفاقات التي أدى إليها أداء الطبقة السياسية، التي توالت على الحكم منذ ثلاثين سنة حتى اليوم.
فالشاب الذي وقف بالأمس في وجه الحزب الذي ينتمي إليه وطالبه بأن يقدّم له كشفًا بحسابات رئيسه ونوابه ووزرائه، لأنه لا يقبل بأن يسير "على العميانة"، وأن يبصم لهم على بياض، وأن يمارس لعبة "الغميضة" من دون أن يسأل عن الأسباب التي دفعت الوطن إلى حافة الهاوية، وهو يرفع الصوت عاليًا في وجه الجميع سائلًا عن مستقبله في وطن مجهول المصير. يريد أن يعيش في وطنه مرفوع الرأس وغير خاضع لوصاية هذا السياسي وذاك الزعيم. يريد أن يصل بكفايته ومؤهلاته. لا يريد أن يمننه أحد بوظيفة هي من حقه الطبيعي. يرفض أن يقف مذلولًا أمام ابواب السفارات يستجدي "فيزا" تفتح له آفاق المستقبل في بلاد الله الواسعة. هو يعتبر أن من حقه الطبيعي أن يعيش في وطنه كريمًا وغير مرهون لأحد. يريد دولة يتساوى فيها الجميع في ظل قانون واحد وشرعية واحدة.
مثل هذا الشاب كثيرون يقفون في الشوارع رافضين الواقع على رؤوسهم والمفروض عليهم فرضًا من دون أن يكون لهم رأي ومشورة. كثيرون نزلوا إلى الشارع، وهم من خيرة الطلاب، ليصنعوا تاريخهم بأيديهم وليبنوا مستقبلًا يشبه طموحاتهم، وقد إستطاعوا في مئة يوم ونيّف أن يحققوا ما عجز عنه السياسيون على مدى سنوات طويلة، فألغوا الحواجز المصطنعة بين اللبنانيين، ووحدوا الساحات والمطالب والحقوق، وكسروا سلاسل الطائفية البغيضة وأطلقوا العنان لطموحاتهم في الساحات التي تجمع ولا تفرّق.
فإبن الثامنة عشرة لم يعد ولدًا وأستطاع أن يفرض رؤيته على الكبار، وهذا ما سعى إليه الرئيس ميقاتي، الذي يرى أن المستقبل لهؤلاء الشباب الطامحين والساعين إلى بناء وطن خارج القيد الطائفي وخارج الإصطفافات التقليدية، التي لم تؤمّن لهم مستقبلًا في بلد يريدونه متحرّرًا من كل القيود، التي تشدّ به نحو القعر والتخلف.
لقد قرأ الرئيس ميقاتي جيدًا في كتاب الشباب المتحرّر، فكان صوتهم الذي لا يعلو عليه صوت، وطالب بحقهم في إختيار ممثليهم في الندوة البرلمانية من أجل غدٍ أفضل.
قد يهمد ايضا:ميقاتي يؤكد أن الحكومة ليست على قدر التحديات