بيروت - لبنان اليوم
صاحب براءة اختراع مُصطَلحِ "جيشك على حق ظالمًا كان أم مظلومًا"، زعل من الجيش لكنه بقيَ متحكّماً بسقفه على إعتبار أنّ الجيش خط أحمر.رئيس مجلس النواب نبيه بري أحكم زعله من الجيش. المعلومات، كانت تشير، إلى أنّ الزعلَ ليس مرده الى قضايا شخصية أو ذات صلة بحسابات خاصة أو تتصل بما يجري تداوله داخل البيئة الشيعية ويطاول قائد الجيش بوصفه "ذراعًا أميركيّة"، كذلك غير متصل بالاجراءات والتدابير التي يتخذها الجيش في ظلّ حالة التظاهر الراهنة. تلك التدابير، هي محلُّ تفهمٍ من قبل عين التينة ولو كانت نافرة أو غير متجانسة في بعضِ المواقعِ. لكن ما أجَّجَ الغضب ونقل العتب الى مصافِ الزعل هي الإجراءات التي اتُخِذَت من قبل الجيش في محيطِ مجلسِ النواب في "ثلاثاء الحشر" الذي أطاحَ الجلستَيْن التشريعية و"الانتخابية"! لم يكن كلام وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل من على درجِ مجلس النواب أو تصريح عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار هما الوحيدان اللذان تضمَّنا انتقادات "قاسية ومضبوطة" بحق الجيش، بل إنّ الرسائل التي وصلت الى اليرزة دلت الى زعلٍ يعتري رئيس المجلس مما جرى، علمًا، أنّ قيادة الجيش، حاولت اعادة تصويب الأمور بعد لصقها إعلاميًا به، عبر التأكيد، أنّ الإجراءات في ذلك النهار لم تكن موكلة إلى الجيش بل لقوى الأمن الداخلي، والجيش حصر دوره بتأمين المؤازرة من الخلفِ. في الواقعِ، إنّ ما حصل يومها، وأدّى إلى ما آلت اليه الأحداث، كان نتيجة سوءِ تنسيقٍ بين قطعات قوى الأمن الداخلي التي كانت منتشرة في محيطِ المجلسِ، إذ يظهر التقرير الأوّلي، أنّ بعض الضباط لم يلتزموا بمضمون الخطة التي وُضِعَت من أجل تأمين مسارب عبور النواب مما ادى إلى عشوائية في التنفيذ حوّلت بعض المسارب إلى أفخاخٍ وقَعَت بها مواكب بعض النواب. طبعًا، الجيش بصفته الذراع الأقوى امنيًا في البلاد، تحمَّلَ تبعات أخطاء غيره، لذلك كان من الضروري عليه اعادة تصويب الموقف تجاه رئيس مجلس النواب الذي ينظر إليه على صعيد قيادة الجيش، على أنّه "حامٍ للمؤسسة العسكرية"، فكانت زيارة الوفد الذي ضمّ قائد الجيش العماد جوزاف عون ومدير المخابرات طوني منصور إلى عين التينة من ضمن جولةٍ شملت ايضًا الرئيس سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. في البداية، سمحَ اللقاء بين وفد الطرفين بإجراء مكاشفةٍ مُعَمَّقةٍ حول مُجملِ القضايا التي طاولت الجيش خلال الأسابيع الماضية، إن لناحية اجراءاته في محيطِ ساحة النجمة وغيرها أو لجهةِ الاتهاماتِ السياسيّة وغير السياسيّة التي تُرمَى على قيادته. وقد سَمِعَ وفد الجيش من الرئيس بري، تأكيدًا على دوره وحرصًا عليه خصوصًا في هذه المرحلة التي تُكال فيها شتى أنواع الاتهامات بحق المؤسسة العسكرية وضباطها، وكان تشديد على وجوب الحفاظ على هيكلية الجيش الادارية وعلى وحدته وتأمين ظروف نجاحه ولاسيّما في ظلِّ الأوضاعِ التي تمرّ فيها البلاد. في المقابل، كان عرضٌ من قبل قيادة الجيش حول خريطة الطريق التي اعتمدتها القوى الأمنيّة للتعامل مع الوضعِ المستجدِّ في الشارعِ، وقد وضَعَت مكامن النجاح والفشل مع عرضٍ لكلٍّ منها والإيجابيات التي تمخَّضَت عنها وسمَحَت حتى اليوم بمنعِ انفلاتِ الوضعِ على الأرضِ. وركَّزَ وفد الجيش على تناول الاتهامات التي وُجِّهَت الى الجيشِ في جوانبها كافة والاضاءة عليها وتقديم تصوّره حيالها، كما جرى عرض أوضاع المؤسسة العسكرية من جوانبها المختلفة بخاصّةٍ الميدانيّة التي تساعد على تأمين المزيد من استنزاف المؤسسة العسكرية التي تعمل اليوم على درجة استنفار بلغت 90% على صعيد مختلف الوحدات مما جعلها أمام حالات ضغطٍ مضاعفة ترتّب على العناصر أحمالًا ثقيلة يفرض على الجهات المعنيّة توفير المستلزمات كافة سواء الغذائية والطبية والمالية. كذلك، عَرَضت قيادة الجيش حاجات المؤسسة العسكرية في ظلِّ هذه الأوضاع الاستثنائية، وكانت دعوة للمساهمة في الحفاظِ على الاستقرار على صعيدَيْ الغذاء والمحروقات وهما العمود الفقري لحركةِ الجيش الذي يحتاج الى مجموعة تدابيرٍ وإجراءاتٍ ماليّة من قبل الوزارات المعنيّة. لكن ما استدعى الانتباه أكثر من أي عنوان آخر، هو أن اللقاء أتى في ذروة عملية التفرقة التي تخاض على مستوى فك الارتباط بين الجيش اللبناني وبيئة المقاومة الشيعية، ما اعطى الجلسة بعداً أكبر. مما لا شك فيه أنّ الحملة على قيادة الجيش داخل البيئة الشيعية، تأخذ أشكالاً متعددة تبدأ بالذم بالقيادة العسكرية والتشكيك فيها. كذلك، فإنّ نسبة الهجوم على القيادة ضمن هذه الرقعة بلغت حديثًا منسوبًا لم يكن ملحوظًا بل استجدَّ، ما أوحى أنّ ثمة من يستثمر في سيناريو يهدف الى الإيقاعِ بين البيئة الشيعية والجيش تحديدًا عبر إثارة الجلبة على مواقع التواصل. طبعًا، إنّ القيادات الشيعية على درايةٍ واضحةٍ بالعلاقة التي تجمعها مع الجيش، إن على صعيدِ المعادلة الذهبية المعروفة أو التجسيد الشعبي لها أو على صعيدِ الحضور البنيوي للفئة الشيعية داخل هرمية المؤسسة العسكرية والتي يجب أن تبقى مميزة. وليس سرًا، أنّ الثنائي الشيعي تحديدًا، يراهن على علاقةٍ منتظمةٍ وثابتةٍ مع الجيشِ، ولم يسجّل في أي واقعة ما، أو وجّهَ أي ممثل عن الثنائي إنتقادات إلى المؤسسة تستمد موقفها من ما يطرح من عناوين واتهامات على السّاحةِ، بل للحقيقة، أنّ الزيارات الدورية التي يجريها ممثلون عن الثنائي إلى اليرزة، تؤكِّد، متانة العلاقة وأنّها بمثابة "سمن على عسل"، والوقائع تبدو مخالفة لما يجري ترداده في الشارعِ. ثم أنّ البيئة الشيعيّة، بشقَّيْها المُتَمَثّلَيْن سياسيًا وشعبيًا بحزب الله وحركة أمل، لا يعتريها أي شكوك حول أدوارٍ سياسيّة يُحكَى عنها وتحتلّ باطن نفوسِ بعضِ الضباط بمن فيهم قائد الجيش، لا بل أنّ الموقفَ الرسمي المُسجَّل يُبرِّئ هذه القيادة من أيّ إتهاماتٍ من هذا النوع، والوقائع تدلّ، على أنّ ثمة فئة قليلة هي المسؤولة عن زرعِ الشكوكِ لأسبابٍ تعود الى خلافاتٍ شخصيّة خالية من أيّ طابعٍ سياسيٍّ.