برلين - العرب اليوم
يعمل فنانون مهاجرون يقيمون في ألمانيا على تقديم الدعم والمساعدة للاجئين وللنازحين من مناطق الأزمات التي ينحدرون منها، منهم من يكون دعمه ماديًا، بينما يشير آخرون إلى أنه ليس من الضرورة أن يقتصر الدعم على الناحية المادية.
ومن بين مئات آلاف اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا في السنوات الأخيرة فنانون لا يقتصرون على السعي لبناء موطئ قدم لأنفسهم في هذا المجتمع الجديد فحسب، بل يحاولون مساعدة الناس في مناطق الأزمات التي هربوا منها، بدعم من فنانين آخرين كانوا مثلهم لاجئين يومًا ما.
ومن أولئك الفنانين يوسف بكر، الذي يعيش في ألمانيا منذ حوالي عشرين عامًا، والذي نظّم مع فنانين آخرين، نشاطًا لدعم النازحين من مدينة عفرين السورية التي ينحدر منها.
ففي صالة صغيرة في مدينة بون الألمانية عُلّقت لوحات تشكيلية لأكثر من عشرين فناناً، لكن ليس لعرضها فحسب، بل لبيعها في مزاد علنيّ يذهب ريعه لمساعدة نازحين من عفرين، التي فرّ منها عشرات آلاف المدنيين بعد أن سيطر عليها الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المتحالفة معه في آذار/مارس الماضي.
وقال يوسف بكر، مدير جمعية "رنك آرت"، "أردنا أن نقوم بشيء لمساعدة النازحين من عفرين، فخطرت على بالنا فكرة أن نقوم بتنظيم مزاد علني على بعض اللوحات التي تبرّع بها فنّانون، ليذهب ريعه إلى الناس هناك".
فنانون من دول مختلفة:
وقد شارك في المعرض الذي تمّ تنظيمه من قبل جمعيتيّ "ياسا لدعم الاندماج" و"رنك آرت" الفنية، أربعة وعشرون فناناً بعضهم يقيمون في دول أخرى كبريطانيا وأميركا، كما شارك بعض الفنانين الألمان أيضاً. وقال الفنان طه صالح المشارك في المعرض بلوحتين إنه جلب معه من هانوفر لوحات لفنانين آخرين أيضاً، ويتابع "اللوحات الثمانية التي شاركنا بها هي لفنانين أكراد وألمان وفنان روسي، وهدفنا من المشاركة هو دعم الناس المحتاجين في عفرين".
وقد بيعت جميع اللوحات التسع وعشرون المعروضة، بأكثر من خمسة آلاف يورو، والتي من المقرر أن يتمّ توزيعها على عدد من العوائل المحتاجة التي نزحت من منطقة عفرين.
ولا تقتصر مهمّة يوسف بكر ورفاقه على تنظيم الفعالية فحسب، بل إنهم يتناقشون الآن حول آلية إيصال تلك النقود للناس في عفرين، كما يقول، ويتابع: "سنقوم بإيصال تلك النقود من خلال علاقاتنا الشخصية لأن العديد من شركات التحويل لم تعد ترسل النقود إلى سورية، أو قامت بتعقيد الإجراءات".
وليس بكر وحده من يعاني من تحويل الأموال إلى سورية، فقد قامت أكبر شركة لتحويل النقود في العالم "ويسترن يونيون" بوضع سقف أعلى للأموال المحوّلة من الخارج إلى سورية ليقتصر على 400 دولار، كما صرح حاكم مصرف سورية المركزي، دريد درغام الشهر الماضي.
المساعدة من خلال شراء لوحات فنية:
وقد شهد المعرض حضورًا من أناس قدموا من مدن ألمانية أخرى أيضاً، لاقتناء لوحات تزيّن جدران بيوتهم وتساعد النازحين في نفس الوقت. وقال الدكتورة آرين عيسى، التي اقتنت لوحتين، "أتينا إلى هنا لنقوم بواجبنا في تقديم مساعدة بسيطة لأهلنا".
ويعتقد أنور عبدالقادر، الذي اقتنى لوحتين، أن "هذه النشاطات ضرورية لتسليط الضوء على معاناة الناس"، ويتابع "لاحظت أن العديد من اللوحات المعروضة تركز على القصص الإنسانية وتظهر آلام الناس، ليس فقط في عفرين وإنما في مناطق أخرى أيضاً".
وكما يبدي الدكتور شفان الحسين، رضاه عن اللوحات الثلاث التي اقتناها، ويقول "اللوحات التي اقتنيتها جميلة جداً وواحدة منها للفنان لقمان أحمد الذي يعيش في أميركا".
الدعم لا يقتصر على الجانب المادي :
ويسعى العديد من الفنانين المنحدرين من مناطق الأزمات إلى مساعدة الناس في تلك المناطق، ولكن ذلك يحتاج إلى إجراءات تنظيمية وقانونية قد لا تكون سهلة على العديد منهم، خاصة بالنسبة للذين وصلوا إلى ألمانيا قبل فترة قصيرة، كما يرى الفنان السوري أحمد كرنو، الذي وصل إلى ألمانيا قبل حوالي ثلاث سنوات.
وقال كرنو الذي يقيم في مدينة نورنبيرغ إنه ينوي مع رفاقه تنظيم فعالية لمساعدة النازحين واللاجئين عندما تتوافر الظروف المناسبة، لكنه يؤّكد أنهم يركّزون في الوقت الحالي على "بناء حركة فنية عربية" في ألمانيا، ليكونوا صلة وصل بين مجتمعاتهم وألمانيا، فيعملوا على إيصال أصوات اللاجئين للألمان.
ويتناول أحمد كرنو في لوحاته مواضيع الحنين للوطن والرحيل والضياع والهجرة، وقد أقام عدة معارض وورشات عمل فنية منذ وصوله إلى ألمانيا، منها معرض "لوحات من بلدي" في قلعة بلدة روت التابعة لمدينة نورنبيرغ الألمانية.
ويشير كرنو إلى أهمية أن يبني الفنانون لهم موطئ قدم في ألمانيا لكي يستطيعوا المساهمة في مساعدة اللاجئين والنازحين في مناطق الأزمات، مؤكّداً على أن الدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط.
ويوافق الفنان يوسف بكر على أن دعم الفنانين للاجئين والنازحين لا يقتصر على المال فقط، مشيراً إلى أنهم يخططون للقيام بنشاطات أخرى لدعم اللاجئين والنازحين بالتنسيق مع فنانين من دول أوروبية أخرى أيضاً.