أبوظبي ـ وكالات
زواج الأقارب في الدول العربية بشكل عام والامارات بشكل خاص ارتبط منذ القدم بمعتقدات اجتماعية وتاريخية وجغرافية ومادية وغيرها، ومن تلك المعتقدات التي ما زالت سائدة لدى بعض العائلات عدم التفريط بثروة العائلة، ولكن ما لم يخطر ببال هذه الاسر النتائج الكارثية التي باتت يوماً بعد يوم دليلا دامغاً على عدم صوابية هذا المعتقد الخاطئ، فالأمراض الوراثية سجلت حضوراً كبيراً في الوطن العربي والاطفال دائماً هم من يدفعون الضريبة. وهذه ليست المشكلة ولكن المشكلة الأعظم تفوق تلك المسألة بكثير مقابل ما تتركه هذه الأمراض من آثار مدمرة على الأطفال الذين يولدون باعتلالات قد تصل إلى الإعاقات الدائمة والتشوهات الخلقية أو حتى الموت، لا بل ان التأثيرات السلبية لهذه المشكلة تفاقم معها نتائج تدميرية على المستوى الاجتماعي "عقدة الذنب" وغالبا ما يكون سببه شعور الأبوين بأنهما أساس المشكلة الأمر الذي يؤدي إلى كثير من حالات الطلاق، بسبب عدم قدرة الوالدين على المضي قدما في مشوار الحياة بكل مشاكله وصعابه. أعداد المصابين بالأمراض الوراثية في الدولة تبقى في علم الغيب، بسبب غياب الاحصائيات الرسمية بسبب تعدد المرجعيات او بسبب اخفاء الاهل للطفل المصاب خوفا من وصمة العار ولكن ما يؤكد حجم المشكلة ان جميع المراكز المتخصصة في الدولة ضاقت بروادها وبعضها وصلت قوائم الانتظار فيها لسنتين وثلاث سنوات، وهناك بيوت بها مريضان او ثلاثة ابناء مصابين بنفس المرض كما هو الحال مع أم احمد التي تزوجت في العام 2004 أي قبل تطبيق قانون الفحص الطبي قبل الزواج وأنجبت ثلاثة اطفال مصابين بالثلاسيميا. لم تعد أم أحمد اليوم كما عرفها الجيران بقوتها وعنفوانها وكبريائها فقد خف نظرها رغم أنها مازالت في عقدها الرابع، ونحل جسمها ولم تعد تملك سوى الدعاء والابتهال إلى الله للتخفيف من مصابها الجلل ، فعلاج الطفل الواحد يكلف مبلغاً مالياً كبيراً. حالة أم راشد أشد وطأة من أم احمد فلديهم في العائلة مرض وراثي ينهش في جسد العائلة، 60 شخصا يعانون من ضمور عظمي في الأطراف السفلية، والسبب كما يخبرهم الأطباء الوراثة. حالتا أم احمد وأم راشد ليستا هما الحالتان الوحيدتان في الدولة، وإنما هناك مئات آلاف من الأطفال ولدوا بإعاقات جسدية وعقلية، لا يمكن أن نعلقها على شماعة القدر، خاصة مع التطورات السريعة والمتلاحقة في عالم الطب. الجوانب الاقتصادية الباهظة ليست هي المشكلة، ولكن المشكلة الأعظم تفوق تلك المسألة بكثير مقابل ما تتركه هذه الأمراض من آثار مدمرة على الأطفال الذين يولدون باعتلالات قد تصل إلى الإعاقات الدائمة والتشوهات الخلقية أو حتى الموت، لا بل أن التأثيرات السلبية لهذه المشكلة تفاقم معها نتائج تدميرية على المستوى الاجتماعي" عقدة الذنب" وغالبا ما يكون سببها شعور الأبوين بأنهما أساس المشكلة الأمر الذي يؤدي إلى كثير من حالات الطلاق ، بسبب عدم قدرة الوالدين على المضي قدما في مشوار الحياة بكل مشاكله وصعابه. وأشار الدكتور محمود طالب مدير المركز العربي للدراسات الجينية التابع لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية إلى أن هذا النوع من الزيجات لا يؤدي إلى ارتفاع معدلات جميع الأمراض الوراثية بقدر ما يزيد من فرص التزاوج بين أفراد يحملون سمات لأمراض وراثية. ويستدرك قائلا بأنه لا يمكن الربط ما بين حدوث الأمراض الوراثية والزواج من الأقارب قبل الأخذ بالعوامل المرتبطة بالمرض. ألا ومن أهمها تاريخ العائلة وما إذا كانت هناك حالات مرضية متكررة الحدوث فيها. ويشير كذلك قبل توجيه أصابع الاتهام إلى ضرورة البتّ في نمط انتقال المرض من الآباء إلى الأبناء عن طريق دراسة صفات المرض، وهذا ما يقوم به المختصون في الوراثة الإكلينيكية. ويفضل الدكتور محمود فضل أن يترك الدراسات تتحدث بنفسها عن حجم هذه التأثيرات فالأرقام هي الأصدق والدراسة التي أجريت في مستشفى الكورنيش في أبوظبي هي دراسة علمية موثوقة بدرجة عالية، فقد شملت 24 ألف ولادة وهذا الرقم يمثل جميع الولادات في المستشفى من عام 1992 إلى العام 1995، وتبين من خلالها أن 400 ولادة كانت تحمل أمراضا وراثية أو تشوهات خلقية وتكفي عملية حسابية بسيطة لنستنتج أن 17 ولادة من كل ألف تمت في أبوظبي كانت تحمل تشوهات خلقية أو أمراضا وراثية خاصة الأمراض التي تحمل الصفات المتنحية الناتجة عن زواج الاقارب. التشوهات والأمراض ليست هي فقط ما أثبتته الدراسات، فهذه دراسة أخرى اجرتها الدكتورة لحاظ الغزالي من قسم طب الأطفال في كلية الطب والعلوم الصحية في جامعة الإمارات وشملت أطفالا من دبي والشارقة وخورفكان والعين بينت أن 92% من الأطفال الذين يعانون من الطرش كانوا نتيجة زيجات بين الأقارب، وتؤيدها في ذلك أيضا دراسة عالمية كشفت عن أن 75% من الأطفال الذين فقدوا السمع آباؤهم أقارب من الدرجة الأولى. كما اكتشفت الدكتورة لحاظ من خلال دراستها أن بعض العائلات لديها أكثر من طفل يعاني من الطرش ولكن الآباء لم يكن لديهم أدنى فكرة تربط بين زواج الأقارب والأمراض الوراثية. دراسة أخرى قام بها احد أطباء جامعة العين وشملت 1100 تلميذ من المواطنين والعرب المقيمين في الإمارات لمعرفة مدى ارتباط الأمراض النفسية بزواج الأقارب. وتستطيع الدكتورة لحاظ الغزالي أن تعتمد بثقة على هذه الاحصاءات لتشدد قائلة "لا شك، هناك أدلّة دامغة تؤكد أن الأمراض الوراثية هي السبب وراء عدد كبير من الوفيات والإعاقات والتشوهات الخلقية. الأستاذ الدكتور يوسف عبدالرزاق أيضا من كلية الطب في جامعة الإمارات أجرى دراسة أخرى شملت 2200 سيدة من مدينتي دبي والعين تبين من خلالها أن 37 % من حالات الإجهاض المتكرر أو الوفيات المتكررة بعد الولادة هي لزيجات من الأقارب مقارنة بنحو 29% لزيجات من غير الأقارب واستطاع بذلك أن يستنتج أن زواج الأقارب يؤدي إلى زيادة نسبة المخاطر بحدوث أمراض سرطانية وتشوهات خلقية وأمراض سلوكية أو عيوب جسدية في أطفال تلك الزيجات. هذه التحذيرات لا تبعد التهمة عن زواج الأقارب إذ إن هناك آلاف الدراسات المنشورة عالمياً تؤكد ذلك، كما يشير الدكتور طالب، ومنها ما تناول انتقال الأمراض الوراثية في عائلات من أصول عربية مختلفة، إلا أن الدليل القاطع غالباً ما يأتي حين تطبيق التقنيات الوراثية المعتمدة على دراسة الجينات لتحديد كيفية انتقال المرض، بل الإشارة إلى الشريك الذي انتقل من خلاله المرض أي الأب أو الأم وصولاً إلى الأجداد من كلا الطرفين. كما عاد الدكتور طالب ليؤكد أن العديد من الدراسات تشير إلى ارتباط عادة زواج الأقارب بازدياد معدل الإصابة بالاضطرابات الوراثية كأمراض الدم الوراثية والاستسقاء الدماغي وأمراض الكلى والتشوهات الخلقية في القلب وفقدان السمع وأمراض الحساسية الصدرية والأكزيما والإعاقات الذهنية والصرع وأمراض السكري وغيرها. الدكتور نجيب الخاجة أشار بدوره إلى أن ما لوحظ من وجود للأمراض الوراثية في دول الخليج بشكل عام والامارات بشكل خاص بنسب عالية تفوق النسب العالمية، سببه ارتفاع نسبة زواج الأقارب وبعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي قد تسيطر على شريحة معينة من المجتمع من خلال عدم الإفصاح بصورة ملحوظة عما قد حدث من حالات مشابهة في الأسرة والتي قد تعضد وتقوي الجانب الوراثي والنزعة القوية لكثرة الإنجاب. وتعتبر الوراثة واحدة من أسباب كثيرة تقف وراء الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، فالإنسان حسب وصف الدكتور الخاجة، يرث جينات معينة تجعله عرضة لهذه الأمراض لكنه كما يقول "لا يصاب بها إلا عندما يغير من نمط حياته، فعامل الوراثة لضغط الدم والسكري وحده لا يتسبب في المرض، بل يكون حافزاً قوياً للمرض إذا صاحبه عامل التغيير في نمط الحياة كالتوقف عن العمل اليدوي أو ممارسة الرياضة، والإكثار من تناول الوجبات الدسمة مما ينتج عنه زيادة في الوزن".