تشهد مدارس الدولة بالتعاون مع الجهات الصحية المتخصصة، نشاطاً إيجابياً في اتجاه توعية وتفعيل وتكثيف توعية المجتمع وتسليط الضوء على مرض «الثلاسيميا»، في إطار الشراكة المجتمعية من أجل إيجاد الطرق المناسبة للحد من انتشاره، والوقوف على الإنجازات والتطلعات المستقبلية في علاجه، وبيان ما يترتب على هذا المرض من انعكاسات نفسية على المريض وعائلته، ونشر ثقافة صحية إيجابية حول كيفية الحد من العوامل الوراثية المسببة له، وحث المجتمع على تقديم وتطوير سبل الدعم الاجتماعي والنفسي للمرضى وذويهم، وتخفيف معاناتهم، وتشجيع تشغيلهم ودمجهم في المجتمع. فما هي حقيقة مرض «الثلاسيميا»؟ وما مدى انتشاره؟ وما هي خطورته؟ ولماذا تتركز الجهود نحو أطر وأساليب الوقاية؟ وماذا عن الآفاق المستقبلية للعلاج والحد من انتشاره ؟ خورشيد حرفوش (أبوظبي) - أصل كلمة «ثلاسيميا» يرجع إلى الكلمة اليونانية «تالاسا» التي تعني البحر، و«هايما»، والتي تعني الدم، وتم التعرف علي «الثلاسيميا» للمرة الأولى عام 1925 بواسطة الطبيب اليوناني كولي، عندما تم تشخيص وملاحظة حالات لمرضى يعانون من فقر دم شديد، ومجموعة أعراض لتشوهات العظام، وموت المريض المصاب في نهاية المطاف. وبعد سلسلة طويلة من الجهود والأبحاث الطبية لفك شيفرة المرض، تبين أن «الثلاسيميا» مرض وراثي في الدم، أصله من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وينتج عن خلل الجينات الوراثية التي تسبب فقر الدم المزمن، ويسبب الوفاة عند المصابين في بعض الأحيان. تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الإصابة بـ «الثلاسيميا» في بلدان منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط تتراوح ما بين 5% و 8% من مجموع السكان بسبب العوامل الوراثية. عوامل جينية أخصائي الأطفال في مستشفى النور في أبوظبي، الدكتور باسل شعبان، يوضح عدداً من الحقائق حول المرض، ويقول: «توصلت الدراسات الطبية إلى أن هناك «جين» واحد يتم وراثته من الأب، وآخر يتم وراثته من الأم، وهما يحددان كل صفة من صفات جسم الإنسان، وهكذا يوجد جينان مسؤولان عن تحديد إنتاج «الهيموجلوبين» في الدم «خضاب الدم»، الذي ينقل الأوكسجين ويعطي للدم لونه الأحمر، وحيث يتركب الهيموجلوبين من أربع سلاسل من البروتينات اثنتان من «الألفا جلوبين»، وسلسلتان من «البيتا جلوبين»، وفي كل من الأربعة توجد جزيئه هيم في وسطها، وعند عطب هذين الجينين يحدث ما يعرف بمرض «الثلاسيميا» أو «خضاب الدم»، «أنيميا البحر المتوسط. هناك جهود عالمية متواصلة لاستيعاب انتشار «الثلاسيميا» والحد منها، والتوعية بمسبباتها الوراثية المعقدة لأنها خلل وراثي في تركيبة الهيموجلوبين، وتختلف شدتها من الناحية الإكلينيكية بشكل كبير إذ تتراوح بين الأشكال البسيطة الغير مصحوبة بأعراض إلى الأنواع المتوسطة والشديدة أوالمميتة.ويعتبر المرض ذو وراثة صبغية جسدية متنحية، لذلك يولد المصاب بمرض «الثلاسيميا» نتيجة الزواج بين اثنين كلاهما حاملين للمرض، وفي كثير من الأحيان، لا تظهر أية أعراض ظاهرة على حامل المرض، لكن يمكن تشخيصه بالتحاليل الطبية.«فالثلاسيميا» مرض وراثي يؤثر في صنع الدم، فتكون مادة الهيموجلوبين في كريات الدم الحمراء غير قادرة على القيام بوظيفتها وهو ما يعرف بـ «تكسر أو انحلال الدم»، ما يسبب فقر الدم وراثي ومزمن يصيب الأطفال في مراحل أعمارهم المبكرة، نتيجة لتلقيهم مورثين معتلين، أحدهما من الأب والآخر من الأم». أنواع وأشكال يكمل الدكتور شعبان: «هناك أنواع أو أشكال من «الثلاسيميا» أهمها، «ثلاسيميا ألفا»، و«ثلاسيميا بيتا»، و«ثلاسيميا» مثل نوع دلتا حسب الخلل، فإن كان في المورث المسؤول عن تصنيع السلسلة البروتينية ألفا في خضاب الدم «الهموجلوبين» أو بيتا على التوالي، ومن المعروف أن هنالك عدة مئات من الطفرات الوراثية المتسببة بالمرض. والتقاء المورثين المعتلين من نوع بيتا يؤدي إلى ظهور المرض، أما في حالة وجود أربع مورثات مسؤولة عن تصنيع سلسلة ألفا، فان الحاجة تكون لوجود اعتلال في ثلاث من هذه المورثات، أو اعتلال المورثات الأربع، وكلها تؤدي إلى ظهور الأعراض.فمرض «الثلاسيميا» ينتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء، فإذا كان أحد الوالدين حاملا للمرض أو مصابا به، فمن الممكن أن ينتقل إلى بعض الأبناء بصورته البسيطة «أي يصبحون حاملين للمرض»، أما إذا صادف وأن كان كلا الوالدين يحملان المرض، فإن هناك احتمالا بنسبة 25% أن يولد أطفال مصابين بالمرض بصورته الشديدة، و50% سيكونون حاملين للمرض. ونتيجة لذلك يقسم الأشخاص المصابين إلى قسمين: الأول يكون الشخص فيه حاملا للمرض ولا تظهر عليه الأعراض، أو قد تظهر عليه أعراض فقر دم بشكل بسيط، ويكون قادراً على نقل المرض لأبنائه، والنوع الثاني يكون فيه الشخص مصاباً بالمرض، وتظهر عليه أعراض واضحة للمرض منذ الصغر، فالمشكلة في حالة المرض تكمن في عدم قدرة الجسم على تكوين كريات الدم الحمراء السليمة التي تنقل الغذاء والأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم، وذلك نتيجة لخلل في تكوين الهيموجلوبين، مما يؤدي إلى تكسرها وتحللها بعد فتره قصيرة من إنتاجها، مؤدية إلى فقر دم شديد، بالإضافة إلى أعراض أخرى ومشاكل كثيرة أهمها: زيادة نسبة الحديد في الجسم، وهشاشة في العظام، وضعف عام في الجسم، وتأخر البلوغ، وتغير في شكل عظام الوجه والفكين، واليرقان، وعادة ما يعاني المريض من الشحوب والاصفرار، وفقدان الشهية للطعام، والتوتر وقلة النوم، والميل إلى القيء، والإسهال، والتعرض المتكرر للالتهابات، وتضخم واضح في الطحال والبطن». الأعراض المرضية يوضح الدكتور شعبان الأعراض المرضية لحامل «الثلاسيميا»، ويقول: «عادة ما يتم اكتشاف الحالة البسيطة بالمصادفة عند أجراء تحليل الدم، أو خلال فترة الحمل من خلال إجراء بعض التحاليل، ومن ثم معرفة التاريخ المرضي للعائلة».فالثلاسيميا الصغرى عادة تكون عند الشخص حامل المرض أو حامل للصفة بيتا ثلاسيميا، ولا يعاني من أي مشكله صحية ماعدا من فقر دم طفيف ولا يحتاج إلى نقل دم، ولا تظهر الأعراض إلا في حالات نادرة.وفي «الثلاسيما» المتوسطة حيث تشكل 2 - 10% من مرضى «البيتا ثلاسيميا»، نجد أن كلا المورثين من الأب والأم معطوبين، لكن العطب ليس كاملاً، وينتج عنه نقص متوسط في إنتاج خضاب الدم «الهيموجلوبين»، وتظهر أعراضها خلال السنة الثانية إلى الرابعة من عمر المريض، وتظهر بعض المشاكل الصحية كضعف البنية وتضخم الكبد والطحال والإصابة باليرقان، وعادة لا يحتاج المريض لنقل دوري للدم، أما في الحالة المرضية نجد أن فقر الدم يؤدي إلى شحوب واصفرار البشرة والشفتين نتيجة لفقر الدم، والخمول و الشعور بالتعب والإرهاق لأقل جهد، مع فقدان الشهية، وسرعة ضربات القلب، والتأخر في النمو كالطول والوزن، كما يمكن اكتشاف الحالة خلال فترة الحمل من خلال إجراء بعض التحاليل، ومعرفة التاريخ المرضي للعائلة.أما «الثلاسيميا» الشديدة فنراها عند وجود عطب في كلا مورثي ألبيتا جلو بين، حيث ينقص الهيموجلوبين بنسبة كبيرة نتيجة لتكسر خلايا الدم الحمراء الغير طبيعية قبل انتهاء عمرها الافتراضي، ويحتاج المريض في هذه الحالة إلى نقل دوري للدم كل 3 إلى 4 أسابيع للمحافظة على نسبه عاليه من الهيموجلوبين لكل ينمو الجسم بشكل صحي وطبيعي، ويمكننا اكتشاف المرض خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، حيث تبدأ أول أعراض المرض وهو الشحوب في اللون وقد يتأخر إلى عمر السنتين. ومن أهم الأعراض المرضية المصاحبة: تضخم شديد في الطحال يؤدي إلى أعراض جانبيه من أهمها عسر في الهضم وألم في المعدة، وتضخم في الكبد، وتغيرات خلقيه في عظام الوجنتين واتساع مسافات نسيج نخاع العظام الطويلة، وفشل النمو، وضعف في القلب. الخلايا الجذعية وآفاق العلاج يقول الدكتور شعبان: «إن العلاج الناجح حتى الآن يتمثل في نقل الدم بشكل شهري للحفاظ على هيموجلوبين الدم بمستوياته طبيعية، وتناول الدواء بانتظام، وقد يضطر المريض إلى استئصال الطحال عند تضخمه الشديد، مع إعطاء المريض جرعات من فيتامين الفوليك أسيد لإنتاج كريات الدم الحمراء، وهنا نحذر من إهمال العلاج، لأنه يسبب فقر دم شديد ومزمن، وتشوهات مستقبلية في عظام الرأس خاصة وسائر عظام جسمه عموما وترقق في العظام، وتأخر النمو الجسدي والعقلي وتأخر في البلوغ، ووجود مشاكل في الأسنان، مع ضعف في المناع.، وهناك نجاحات، لكن لا تزال محدودة على مستوى العلاج الجيني، وهي قيد الدراسة والبحث الطبي في مراكز طبية عالمية، وقد تمت زراعة نخاع العظام، تمت أول زراعة ناجحة لنخاع عظام طفل عمره سنة ونصف عام 1981 بعد التطابق التام للأنسجة للمريض والمتبرع، لأن المشكلة تكمن في تطابق أنسجة المتبرع بالخلايا الجذعية والمريض نفسه، إن آفاق العلاج الناجح تتمثل بشكل رئيسي في ضرورة الفحص الطبي قبل الزواج، لتقليل تأثير العامل الوراثي يقد الإمكان، والتوعية المجتمعية في هذا الاتجاه، فمن الأهمية التأكد من خلو الطرفين من صفة المرض، فسلامة أحد الطرفين تكفي لإنجاب أطفال أصحاء».