بيروت ـ وكالات
تلوث مزمن زراعي اسمه المبيدات الزراعية وعلاقتها بصحة و سلامة مائدتنا .فلا رقيب و لاحسيب على المناطق الزراعية حتى لو تمّ تعديلات على المعايير العلمية لتحسين جودة المبيدات المستعملة فعلى سبيل المثال منطقة البقاع مازالت غير محسومة، نظرا" لنسبة عالية من النيترات إضافة إلى ملوثات لا تقل خطورة عنها استفحلت في سهل البقاع وتربته الزراعية ومياهه الجوفية، علماً أنّ الشرارة الأولى تعود إلى فترة سابقة حين أعلن وزير البيئة آنذاك أنطوان كرم عن خطر يهدد السلامة الزراعية بفعل عشوائية استعمال المبيدات قبل أن تتراكم الازمة من عهد الى عهد بشكل اشبه بكرة ثلج و بدأت الناس تتجه الى المنتوجات العضوية كونها الاسلم، خصوصا" وأنّ هذه الازمة مزمنة بدأت في أواسط الخمسينات وترسّخت هذه الممارسات بالتدرّج في ظل غياب الارشاد الزراعي والمختبرات الزراعية، الأمر الذي أدّى الى استخدام هذه الأدوية، وفي الوقت ذاته الى فقدان الاعتمادات التي كان يلجأ اليها المزارعون في السابق لمكافحة الأمراض والآفات الزراعية دون ان ننسى ازدهار تجارة الادوية الزراعية وانتشار ممثلي شركات الأدوية في كل المناطق، ما شكل عنصراً اضافياً ساهم في إحلال المبيدات كوسيلة وحيدة معتمدة من المزارعين في لبنان لمحاربة الأمراض الزراعية. الا ان الضجة التي أثيرت في السنوات السابقة لم تترك أثرها فقط على المواطنين بوصفهم مستهلكين وأهالي يقلقون على صحة أبنائهم، بل هي طالت المزارعين أنفسهم ووفقاً للمعايير الأوروبية والأميركية يُرفض أي منتج زراعي يحتوي على ترسبات كيميائية. وبذلك، اصبح التصدير الزراعي إلى بلدانها من ضروب المستحيل، بل يحصر فقط بالمزارعين الحائزين شهادة تعرف بـ غلوبال كاب، وهي شهادة لا تمنح إلا لمزارعين تتوافر في إنتاجهم شروط السلامة الغذائية كما وازدادت وتيرة الازمة إلى البلدان العربية علما أن التصدير الزراعي اللبناني يساهم في تصريف أكثر من خمسين بالمئة من الإنتاج. فاذ بالمشكلة ازدادت حدتها في بداية التسعينيات، حيث لم تكلف كل الأجهزة الرقابية في وزارات الصحة والبيئة والزراعة والاقتصاد، وحتى القضائية، نفسها يوما الى فتح تحقيق في الكثير مما تضمنته دراسات وفحوصات مخبرية نشرت في الإعلام والجامعات ومراكز الأبحاث ومعطيات سبق أن دقت عبرها العديد من الجهات ناقوس الخطر الذي لم يصل إلى آذان ومسامع من يفترض بهم أن يكونوا حريصين على صحة وسلامة الإنتاج الزراعي وجسم الإنسان في آن معا. وبقيت التحذيرات في الأدراج وعلى رفوف المختبرات من دون أن يحرك أحد ساكنا. امام هذا الواقع، يبقى من الواجب البحث عن الاثار السلبية على التربة بفعل الاستعمال العشوائي للمبيدات، خصوصا" وان نتائج الفحوصات المخبرية منذ العام 2000 جزمت بوجود ترابط قوي ما بين ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض السرطانية والأراضي الزراعية وقربها إلى نهر الليطاني. ودلت إحدى الدراسات على احتواء جسم الإنسان على كميات كبيرة من النيترات الذي يتفاعل بسهولة في الجسم نتيجة تفاعلات داخلية، ويتحول إلى ما يعرف بالنتريت التي تتحول بدورها إلى نيتروزامين، وهي مادة مسرطنة تؤثر على الدم وعلى الجهاز الهضمي. وربما قد تسهم هذه المعطيات في تبرير أسباب ارتفاع الإصابات بالأمراض السرطانية التي تتفاقم، واحتمال ان تزداد يوما بعد يوم خصوصا في البقاع. كل هذه المخاطر والوقائع المميتة التي وصلت أوجها في العام 2004، تثبتها نتائج مخبرية في ذلك العام عندما اشارت إلى وجود كمية من النيترات في بول الإنسان تتجاوز ثمانية آلاف ملغرام في الليتر الواحد، في مقابل ان الحد الأقصى الذي يجب ألا يتجاوز 250 ملغراماً، وفق دراسة سابقة لكلية الصحة الفرع الرابع في البقاع. وفي المقابل، أجريت في العام 2006 دراسة اخرى قام بها قسم العلوم الطبيعية في الجامعة اللبنانية – الدولية – الخيارة، تحت عنوان دراسة أولية لتركيز النيترات في الخضار المزروعة في المناطق البقاعية، تبين أن الخس والسبانخ هما الأكثر تلوثاً بالنيترات حيث يصل التركيز فيهما إلى غرامين اثنين في كل كيلوغرام و1.8 غرام في الكيلوغرام على التوالي، ثم يليها البقدونس 850 ملليغراما في الكيلوغرام، ثم النعناع والبصل، بينما تحتوي البطاطا على حوالي نصف غرام في الكيلوغرام. هذه النسب عالية من كمية النيترات في جسم الإنسان البقاعي وصلت إلى الحدود القصوى المسموح بها عالميا. واستناداَ إلى نتائج المسح الغذائي وكمية النيترات في الخضار المستهلكة، تقدر كمية النيترات التي يتعرض لها الأفراد عن طريق تناول الخضار بـ3.32 ملغ / كلغ من وزن الجسم، علما بأن الحد الأقصى المسموح لوجود كمية من النيترات داخل جسم الإنسان يتراوح ما بين 0-3.7 ملغرام في الكيلوغرام من وزن الجسم استنادا إلى منظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء العالمية الفاو. لقد تبين بان هذه المسألة مزمنة جداً لان الآلاف من المزارعين اللبنانيين لا يحسِّنون الممارسات الزراعية مما يعرّض المستهلكين إلى مخاطر صحية، خصوصاً أن النمط الغذائي للبنانيين يعتمد كثيرا على تناول الخضار في ظل دراسة سابقة قامت بها مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية حول النيترات في المياه الجوفية، شملت أكثر من مئتي موقع، تبين أن أقل من 10 في المئة من الآبار تحتوي على معدل من النيترات أقل من المستوى الطبيعي (3 ملغرام نترات في الليتر الواحد) وحوالى ستين في المئة تحتوي على ما بين ثلاثة و45 ملغراما في الليتر، والباقي يحتوي على كميات تفوق الحد الأعلى المسموح به للشرب (45 ملغراما في الليتر) أو البعض منها للاستخدام الزراعي. آبار ارتوازية غير صالحة وعن أهم الآثار السلبية الناتجة، تظهر الدراسة أن أكثر من أربعين في المئة من الآبار الارتوازية غير صالحة للاستهلاك البشري، وان معظم المياه السطحية غير صالحة للاستخدام الزراعي، وان بعض الأراضي الزراعية تفقد قوتها الإنتاجية والنشاط البيولوجي بسبب رواسب المبيدات التي تؤدي إلى خفض نسبة الإنبات لحد السبعين في المئة لمعظم بذور النباتات، كما أن بعض أنواع الخضار تعرضت لتلوث الكيميائي بفعل المبيدات والأسمدة، فضلا عن قرار رسمي صدر عن احدى المؤسسات العسكرية اللبنانية يقضي بمنع استيراد النيترات بسبب قيام بعض المجموعات باستعماله في صنع المتفجرات، وليس نتيجة مخاطره الناتجة من عشوائية استعماله في النظم الزراعية، مما ساهم في المعالجة والحد من مخاطر التلوث. تحسن ملحوظ عل الرغم من كلّ ما سبق، فقد شهد السوق المحلي تراجعا" في كمية السموم في المزروعات مع نشاط لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية التي ركزت على تفعيل النشرات الإرشادية وزيادة الأيام الحقلية وورش العمل الزراعية التي شددت على أهمية الابتعاد عن المبيدات – الملوثات، خصوصا" بعدما أصبحت الأدوية العامل الأساسي في إقفال باب التصدير، وفق ما قاله رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال افرام، وذلك بعد أن تصدرت مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية الحملة لمواجهة التلوث. ورأى افرام أن التلوث بالمبيدات والأدوية بدأ بالتراجع، وهو ما يثبته ارتفاع نسب التصدير اللبناني إلى الدول الأوروبية والأميركية، مما يؤكد سلامة الإنتاج الزراعي اللبناني.وأعلن افرام أنّ الإفراط في اللجوء إلى الأدوية والمبيدات الزراعية بدأ بالانحسار منذ أكثر من ثلاث سنوات، وان الفحوصات المخبرية دلت على تراجع المواقع الزراعية وانخفاض نسبة التلوث بنسبة تتجاوز أكثر من عشرين في المئة الى سبعين في المئة مع تراجع المساحات الزراعية الملوثة بالنيترات بشكل كبير وانه عالجنا المسألة من خلال مختبر زراعي يراقب بصورة متواصلة جودة و نوعية المنتجات الزراعية كما أنّ وضعية التربة والمياه نحو التحسن انما يتطلب الامر وقتا لمعالجتها من الترسبات التي مازالت قابعة في داخلها. مختبر زراعي و حماية المستهلك من جهة أخرى، فأنّ المختبرالزراعي في كفرشيما بات مجهزا" لفحص العينات الزراعية والتدقيق بصحة المبيدات التي هي الى تحسن وافضل بعدما فرضت الشروط الصارمة وجعلت من السوق اكثر آمنا.ويبقى الجانب الأول لمعالجة ملف المبيدات هو التشريعات، لان القانون يعود إلى الثمانينات، حيث تمّ اقتراح قانون في العام 2002 ولم يخرج من المجلس النيابي، وما زال يناقش في اللجان النيابية، بدلا من متابعة اقتراح القانون المتعلق بمستلزمات الإنتاج الزراعي من ضمنها المبيدات الأسمدة. وفي هذا الاطار، اعتبرت الزراعة أنّ مسألة المبيدات الزراعية قد حسمت و تحسنت بفارق كبير بعد ما اتخذت الاجراءات الصارمة لحماية المستهلك والمزارع والانتاج الزراعي معا. حيث يتمّ على النتائج الملموسة على ارض الواقع بفعل الفحوصات المخبرية التي نقوم بها شهريا في المختبر الزراعي في كفرشيما عدا الاجراءات المتخذة ايضا على مستوى شروط تسجيل المبيدات الزراعية من دول لها مرجعيتها واعادة التسجيل لتلك التي فيها من الشوائب مع المحافظة على المصدر شرط ان تكون بمواصفات علمية ومطابقة للشروط العالمية خصوصا بعدما تبين ان عددا كبيرا من المبيدات غير صالحة في السوق المحلي ولهذا طالبنا بالتزام المواصفات العالمية وتوعية اللبناني كونها جواز سفر للمنتج عدا الفحص الدوري للمبيدات في مختبر الزراعة والالتزام قبلا بالـ scream و شروط التسجيل قبل دخول المبيدات الى لبنان عدا المراقبة و الالتزام بالقوانين والتوجه الى مبيدات صديقة للبيئة.