واشنطن - لبنان اليوم
سلطت أبحاث عدة الضوء على الآثار التي يمكن أن يحدثها التنشيط المناعي عند النساء الحوامل على نمو الأجنة، بينها زيادة خطر إصابة الطفل باضطرابات نفسية في وقت لاحق من الحياة.
ومع ذلك، ما تزال الآليات العصبية التي تقوم عليها هذه التأثيرات، غير واضحة إلى حد كبير، ولذلك أجرى الباحثون في كلية نيويورك الطبية مؤخرا دراسة تبحث في التأثير الذي يمكن أن يحدثه تنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة (مجموعة خلايا متخصصة تزيل الخلايا العصبية التالفة أو العدوى) وعلى تطوير الجنين لفئة معينة من الخلايا العصبية التي تنظم معالجة المعلومات، والمعروفة باسم العصبونات البنية.
وتشير النتائج التي توصلوا إليها، والتي نُشرت في مجلة Nature Neuroscience، إلى أن الخلايا الدبقية الصغيرة النشطة يمكن أن تسبب اضطرابات أيضية تؤثر سلبا على تطور العصبونات البنية، ومن المثير للاهتمام، أن هذه الاضطرابات يمكن أن تستمر عند الأفراد الذين تم تشخيص إصابتهم بالفصام عندما تتوقف الخلايا الدبقية الصغيرة عن العمل.
وصرحت سانغمي تشونغ، المشاركة في الدراسة، لموقع Medical Xpress قائلا: "بينما نعلم الآن أن العصبونات البنية تتأثر بالتنشيط المناعي للأم، فإن الآلية التي تتأثر من خلالها ما تزال غير مفهومة جيدا. ونظرا لأن الجنين البشري لا يمكن الوصول إليه للدراسة، فقد استخدمنا عصبونات بنية بشرية مشتقة من الخلايا الجذعية متعددة القدرات لاستكشاف كيفية تأثير الالتهاب أثناء التطور على هذه المجموعة الضعيفة من الخلايا العصبية".
وقامت تشونغ وزملاؤها بتوليد العصبونات البنية باستخدام الخلايا الجذعية متعددة القدرات (iPSCs)، وهي أداة تكنولوجية تسمح لعلماء الأعصاب بإعادة برمجة الخلايا المستخرجة من عينات الأنسجة البشرية.
ووجدت الدراسات السابقة أن المصابين بالفصام لديهم أنماط غير طبيعية في عمل العصبونات البنية.
وكان الباحثون يأملون في أن تعزز دراستهم الفهم الحالي للآليات العصبية التي قد تؤدي إلى تطور الفصام أو الاضطرابات العصبية والنفسية الأخرى. وهكذا تم إنشاء العصبونات البنية المستخدمة في تجاربهم من الأشخاص الذين لا يعانون من اضطرابات نفسية ومن المرضى الذين تم تشخيص إصاباتهم بالفصام.
وبعد إنشاء هذه الخلايا، التي شاركت تشونغ وزملاؤها في زراعتها إما باستخدام الخلايا الدبقية النشطة أو من دونها، راقبوا آثار هذين الإجراءين على العصبونات البنية الناتجة عن أنسجة الأشخاص الأصحاء وعلى تلك المشتقة من مرضى الفصام.
واستخدم الباحثون على وجه التحديد طريقة تسمى إدراج زراعة الأنسجة، والتي سمحت للإشارات المنبعثة من الخلايا الدبقية الصغيرة بالوصول إلى العصبونات البنية التي أنشأوها من خلال غشاء تم إدخاله بينهم، وهو غشاء نافذ ولكنه لا يسمح للخلايا بالمرور.
وقالت تشونغ: "وجدنا أن استقلاب العصبونات البنية يتعرض للخطر في ظل ظروف التهابية أثناء التطور، ما أظهر تأثيرا طويل الأمد في الخلايا الجذعية متعددة القدرات المشتقة من مرضى الفصام ولكن ليس خلايا الأصحاء. والنتائج التي توصلنا إليها تسلط الضوء على وجود تفاعلات بين الخلفيات الجينية لمرض انفصام الشخصية وعوامل الخطر البيئية".
والنتائج التي جمعتها تشونغ وزملاؤها يمكن أن تفيد الدراسات المستقبلية التي تبحث في الآليات العصبية التي تربط التنشيط المناعي قبل الولادة بخطر الإصابة بالفصام أو الاضطرابات العصبية والنفسية الأخرى.
والأهم من ذلك، أنها تشير إلى أن تنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة، وهي الخلايا التي تحمي الجهاز العصبي من الأمراض وتنفذ الاستجابات المناعية، يمكن أن تسبب اضطرابات التمثيل الغذائي في العصبونات البنية.
وعلاوة على ذلك، وجد الباحثون أنه في العصبونات البنية الناتجة عن أنسجة الأفراد الذين لا يعانون من اضطرابات نفسية عصبية، لم تعد هذه النواقص الأيضية موجودة بعد إزالة الخلايا الدبقية الصغيرة المنشطة، بينما استمرت في المرضى المصابين بالفصام.
وبالتالي يمكن أن تساعد النتائج التي توصلوا إليها في تحديد العمليات العصبية قبل الولادة التي قد تتفاعل مع الميل الوراثي للشخص للإصابة بالفصام، ما يزيد من خطر الإصابة بالاضطراب في وقت لاحق من الحياة.
وقالت تشونغ: "نخطط الآن لمتابعة المزيد من الدراسات التي تبحث في الآليات والمسارات التفصيلية التي تتأثر بالبيئات الالتهابية المحيطة بالعصبونات البنية".