جاء رجل إلى "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عُمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه حقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟، قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟، قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب - أي القرآن -، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها حبشية مجوسية، فكانت لا دين ولا جمال، وقد سماني جُعلاً أي خنفساء، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. تذكر الإحصائيات أنّ الأبناء يتلقون خلال (18) عامًا الأولى من عمرهم حوالي (150.000) رسالة سلبية مقابل (600) رسالة إيجابية فقط!، وهي أرقام -إن صحت- تدل على توجه تربوي شديد الخطورة من شأنه أن يسلب الطفل حريته، وبالتالي ثقته بنفسه، وقدرته على الإبداع، والابتكار، والمشاركة الفاعلة في مجتمعه.. ويبقى مفهوم الحرية فضفاضاً يبدأ من مجرد تحقيق الرغبات "الفسيولوجية" في مرحلة الرضاع، عبر استمالة الأهل واستدعائهم بالصراخ والبكاء، حتى تصور أنّ الدنيا خُلقت لهم، وأنّهم أحراراً يفعلون كل ما يخطر ببالهم بمعرفة أو بدون معرفة الأهل في مرحلة المراهقة، مروراً بكل التطورات الحسية والمعنوية للوليد منذ أن يبدأ خطواته الأولى، ويتعلم معنى الإصرار على ما يريد، ويفهم مبدأ الملكية ونمو نزعة ال"أنا". وأوضحت "نور الهدى عبدالعزيز التركستاني" - مدربة ومستشارة في التنمية البشرية -: أن حرية الطفل تبدأ باحترام حقوقه، وحصوله على تلك الحقوق التي تبدأ من لحظة اختيار شريك الحياة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، أي أنّ اختيار شريك الحياة يحدد مستقبل الابن وكيف سيكون حاله، ودينه، وأخلاقه، كما قال الإمام الغزالي: (الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له)، فلا بُدَّ أن يشعر كِلا الأبوين أنهما مسؤولان عن أطفالهما، وهما محاسبان على التقصير في تربيتهما، فمن حق الطفل أن يجد الرعاية الكاملة، وأن تحفظ له حقوقه، وتشبع احتياجاته النفسية والجسدية، والاجتماعية، وقد قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منَّا على ما كان عوَّده أبوه وما دان الفتى بحج ولكن يعوده التدين أقربوه وقالت:"لقد حفظ الإسلام للطفل حقوقه التي بها يحيا حياة كريمة حرة، وتنتهي حريته حيث تبدأ حرية الطرف الآخر، فلابد من تعليم الطفل حقوق الآخرين، واحترامها وعدم التعدي والتجاوز عليها، تماماً كما أنّ الآخرين عليهم أن يحترموا حقوقه وحريته أيضاً هو عليه أن يحترم حقوق الآخرين، وهذه المفاهيم تبدأ من شعور الطفل بالملكية، فنبدأ في احترام ممتلكاته والاستئذان منه عند استعمال ما يملك، وإعطائه حق الحفاظ عليها ومن هنا يتعلم احترام ملكية الغير، ويتعلم على الاستئذان، كل هذه الأمور وتلك المفاهيم تكبر معه ومن خلالها يعرف متى تكون الحرية له ومتى تكون لغيره". وأضافت أنه عند معرفة الوالدين أنّ الطفل كائناً مستقلاً له شخصيته المستقلة، وأنّ التعامل معه لا يكون بالإكراه وأيضاً لا يكون بتلبية أوامره، ولكن لابد من التوازن الذي يحقق احترام ذات الطفل وشخصيته، فيتعلم تلك الضوابط التي يجب مراعاتها وفي الوقت ذاته لابد من مراعاة حريته الشخصية، وذلك بإعطائه خيارات وبدائل كي يتعلم تحمل المسؤولية، وفتح باب الحوار معه وإعطائه فرصة التعبير عن رأيه، وطرح اقتراحاته والأخذ برأيه، مثلاً لو أردنا منه أن ينام الساعة التاسعة نعطيه خيارات، إمّا أن تنام الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف أو الساعة التاسعة، فيختار أحدها، وبذلك يتعلم معنى أن يكون مسؤولاً وبقرار منه، ولغرس مفهوم الحرية لابد من احترام ذات الطفل والابتعاد عن الاساءة إليها، فحينما يكذب الطفل مثلاً لا نصفه بأنّه كاذب، بل نوجه تركيزنا على السلوك فقط، أما ذاته نحترمها ونبتعد عن الإساءة إليها، فذات الإنسان فطرت على الخير، فحينما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحد الصحابة وقد شرب الخمر، فأقام عليه الحد، ثم تفرقوا، ثم عاود الشرب، فعاود إيقاع الحد عليه، ثم عاود الشرب فعاود إيقاع الحد عليه، لكن حصل هنا في المرة الثالثة موقف باهر وهو أنّ أحد الصحابة؛ ونظراً لتكرار الخطأ من المخطئ قال: (أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم، والله إني لأعلم أنّه يحب الله ورسوله)، هنا نجد أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر إيجابية الصحابي وهو حبه لله ورسوله ولم يمس ذاته. وأشارت إلى أهمية أن نفريق دوماً في تعاملنا مع الطفل بين السلوك وذاته بالحب غير المشروط، فنحن نحب أبناءنا في كل الأحوال، وما تتلفظ به بعض الأمهات بقولها "إذا فعلت كذا أحبك" و"إذا لم تفعل كذا ولم تسمع كلامي لا أحبك"، هنا تقع في خطأ، فهناك فرق بين عبارة "أنا لا أحبك لأنك فعلت ذلك الخطأ" وبين "أنا أحبك ولكني تضايقت من ذلك السلوك الخطأ"، فيفترض أنّ العلاقة بين الطفل والمربي تكون علاقة حب في كل الأحوال كي يقبل التوجيه والثواب والعقاب، كما يمكننا عن طريق اللعب مع الطفل ومشاركته هواياته غرس تلك المفاهيم، وإيجاد القدوة الواضحة عن طريق سرد القصص، والسيرة النبوية، ويكون المربي قدوة للطفل فيما يريد غرسه من مفاهيم.