بيروت - لبنان اليوم
لم تشأ السوبرانو هبة القواس أن تضرب موعداً لإطلاق أغنيتها الجديدة «لبنان عد أملاً»، بطريقة تقليدية. فهذا العمل يعني لها الكثير، ويحمل في طياته أكثر من بعد واحد، لاحتضانه المحتوى والتغليفة اللذين تنشدهما. وهو وكما سائر أعمالها السابقة سيترك على الساحة الفنية العربية بصمة تحفر في الذاكرة. لذلك قررت أن يكون «المتحف الوطني اللبناني» شاهداً على ذلك غداً 17 مارس (آذار) الجاري. الأغنية هي من كلمات الدبلوماسي السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة ومن ألحانها. تعلق هبة القواس في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنها كلمات كتبها الشاعر منذ سنوات، وقبل أن يقع لبنان فريسة مشاكله الأخيرة، فكأنه عندما كتب هذه القصيدة كان يقرأ المستقبل، وهو ما دفعني إلى تقديمها في أغنية، وفي هذه الفترة بالذات».
اختيار هبة القواس المتحف الوطني مكاناً لإطلاق أغنيتها، إضافة إلى كلمات شعر لأحد رجالات السعودية للتعمق بلبنان الأمل، لم يأت عن عبث. فكل هذه العناصر لها دلالات مختلفة، وكأنها رغبت في ترجمتها بالموسيقى. توضح في سياق حديثها: «إنها دلالات تصل لكل واحد يكنّ للبنان الحب. عندما اخترت المتحف الوطني فذلك لأشير بأن تاريخنا هو شاهد علينا من هذا الموقع بالذات. فلبنان الحقيقي ليس هو الذي نراه اليوم يتراجع بسبب الخوف وتفجّر الغرائز. والمتحف الوطني يمثل حياتنا، إنه بيتنا الذي صنعناه عبر حضارات وحقبات، وهو يسكننا. من هذا الموقع بالذات تنبع صرخة من لبنان باتجاه الأمل الذي نرجوه». وتتابع: «إنها صرخة وجع صادرة عن كل لبناني في هذه اللحظات الشاقة التي يعيشها. أحاسيسنا مختلفة صحيح، ولكن أموراً كثيرة تجمعنا. وسنبقى نعمّر لبنان ونقع وننتصب لأن قوتنا تكمن في قدرتنا على التكيف. تخيلي أن قوة التأقلم هذه التي نتمتع بها استخدمت ضدنا! فتحولت إلى سلاح يحاربوننا به. ولكنني على يقين بأن لبنان سيبقى عصياً على أعدائه، ولا يمكن دحره. ومن خلال كل هذه التغييرات التي نلمسها في المشهدية العامة لبلدنا، أعتقد أننا ذاهبون إلى مكان آخر». وتتساءل: «هل جاء الوقت كي نتخلى عن خوفنا من الاختلاف؟ سيما وأن التعددية هذه، هي ميزة لبنان الذي لا يشبه غيره، فنكون شهود عيان على معجزة؟ لا أعرف الجواب. لكن الأيام المقبلة ستخبرنا بذلك».
«لبنان عد أملاً»، يقول مطلعها: «لبنانُ أرضُ الحِجى هل للحِجى أَجَلٌ؟ كأن لبنانَ لا أرضٌ ولا نَسَبٌ، أين الثَّقافَة هل جفّت مَنَابِعُها؟ جُرْحٌ على الأملِ المكسورِ ينْحَرُني، يا ساسَة البَلَدِ المُستنجدِ اتَّحِدوا، لبنانُ إنّي على عهدي رفيقُ هَوَى...». يستفيض فيها الشاعر خوجة في استذكار لبنان السرمدي، الذي يحفر في ذاكرته.
وفي صور منوعة يحكي الشاعر عن لبنان الضائع والفارغ من أبنائه، ومن افتقاده لاتحاد حكامه. ويختم الدكتور خوجة قصيدته بعبارة تدعو إلى الأمل، إذ يقول: «مهما جنى بُعدُنا فالجمعُ يَشْتَمِلُ».
وتصف القواس رحلتها مع الشاعر خوجة بأنها أكثر من مشوار موسيقى وشعر، بل هناك تناغم بينهما على المستوى الروحي. «فكأنه إنسان موصول بالكون وبالحالة الصوفية التي نعيشها مع شعره. فهو ومن خلال تجربته السياسية في لبنان تعرف إليه عن كثب، وتوقع المصير الذي ينتظره. كما أنه يوجه هجاء لبقاً للسياسيين، عندما يقول لهم وفي صريح العبارة «اتحدوا كي تنقذوا وطنكم».
هبة القواس التي سبق وغنت كلمات شعراء كثر بينهم هدى النعماني وابن الفارض وأنسي الحاج ومحمد بن راشد آل مكتوم والأميرة حصة آل سعود وغيرهم، تعتبر أن جذورها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمملكة العربية السعودية. وتقول: «أشعر بأن جذوري تمتد إلى تلك البقعة. صحيح أن لبنان، كما ندرس عنه في الجغرافيا منذ الصغر، هو همزة الوصل بين الشرق والغرب، إلا أن هناك جذوراً ورابطاً يأخذانا إلى الجزيرة العربية. فعندما تبحثين في العمق، وهي عملياً أكبر مساحة عربية، أشعر بأني أمتّ لها بكل جوارحي، وحتى بموسيقاي الشرقية العربية. لقد اختزنت من مدينتي الأم صيدا طريقها الطويل، وكل ذبذبات المتوسط وصولاً إلى الجزيرة العربية. فلا يمكننا أن نلغي بجرّة قلم هذه البقعة المتوهجة، فهي تتداخل مع تاريخنا وهويتنا».
تؤكد القواس أنها تكن حباً كبيراً للمملكة، إذ تعتبرها قارة بحد ذاتها: «أندهش عندما أزورها. فهي جغرافيا متنوعة بجبالها وبالصحارى فيها، وبأشجارها وثلجها ودفئها. فيها من المناظر الساحرة ما يبهج القلب. وفي اللاوعي عندي، أحس وكأن كل هذا التاريخ ولدت منه بالأمس، وأني أعيش وأتنفس فيه».
تغتبط السوبرانو هبة القواس وهي تتحدث عن المملكة السعودية، فتصبح كلماتها نغماً تعزفه في خيالها. وتتابع: «عدا أنها تسحرني بتاريخها وجغرافيتها، فإن الموروث الشفهي الموسيقي عندها، هو من الأجمل في العالم، وعلى هذه الأرض. فأنا أحلم بتوثيقه والكتابة فيه وعنه، لأن علاقتي مميزة بأرضها وجغرافيتها وأهلها. أعرف تماماً كمية الحب التي يكنونها للبنان. ثمة رابط عاطفي متين بيننا، يسري في دمنا وفي الـ(دي أن آي) خاصتنا، لذلك يهمهم كثيراً، أن يبقى لبنان متنفساً لهم».
وبالقدر الذي تحكي فيه المغنية الأوبرالية العربية عن حبها للسعودية، يقابله حب آخر لوطنها لبنان». لم أفكر يوماً بمغادرة بلدي أو هجره. ففي كل مرة كنت أبتعد عنه بحثاً عن موقع آخر أستقر فيه، كنت أشعر بالاختناق، فأعود إليه هارعة كي أستعيد أنفاسي».
تأخذنا أغنية «لبنان عد أملاً» في رحلة ما بين التاريخ والموسيقى وإلى مساحة ضوء نحتاجها في العتمة التي نعيشها. ومع الأبعاد التي تحملها من وطنية وموسيقية وتاريخية، نشعر وكأنها بمثابة مناسبة تستعيد بلاد الأرز معها مكانتها الثقافية على الخارطة العالمية.
توصل السوبرانو والمغنية الأوبرالية هبة القواس من خلال هذا العمل المتقن، رسالة إلى اللبنانيين، بأنهم يجب ألا يفقدوا الأمل. «إننا كبشر يبقى الأمل رفيقنا، وإلا أصبنا باليأس. ولا يعتقدن البعض أن عنوان الأغنية يعني أنه ليس هناك من بصيص ٍعلى أرض الواقع. فقوة إرادتنا تدفعنا إلى أن ننشد الأمل والرجاء، وهما يشكلان الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى شاطئ الأمان».
وعن الفيديو المصور الذي نفذته خصيصاً، ليرافق احتفالية إطلاق الأغنية في المتحف الوطني تقول: «سنشاهد لبنان بحقباته الناجحة القليلة والفاشلة الكثيرة. لقد مزجتها مع بعضها البعض كي أؤكد أننا لن نستطيع إكمال طريقنا كما الـ100 سنة السابقة. فهذه هي الفوبيا التي يعيشها اللبناني، وخوفه من الآخر هو الذي يقف وراء هواجسه السلبية، بدل أن يفتخر بميزة التعددية، وينميها كمعجزة الزمن».
من ناحية ثانية، تصدر هبة القواس قريباً أغنية جديدة بعنوان «وتحبني» من ألحانها ومن كلمات الراحلة هدى النعماني. وتختم: «رغبت من خلالها أن أكرمها وأستذكر العلاقة الوطيدة التي كانت تربطني بها مهنياً وإنسانياً».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :