باريس ـ لبنان اليوم
أعلنت فرنسا على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون عن الحصول على تعهدات بمنح لبنان مساعدات تبلغ قيمتها 252.7 مليون يورو، خلال المؤتمر الطارئ للمانحين عبر دائرة تلفزيونية تحت رعاية الأمم المتحدة. وقال ماكرون بأن المساعدات التي ستقدم ستكون مستقلة وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، وبأن الشركاء مستعدون لدعم نهوض الاقتصاد اللبناني، ما يستدعي التزام السلطات اللبنانية القيام بالإجراءات والإصلاحات التي يتوقعها الشعب اللبناني.
إمكانية المساعدة
وحول هذه المساعدات وإمكانية وصولها إلى لبنان وخصوصا بأنها تأتي في إطار التعهدات من قبل هذه الدول، تواصلت وكالة "سبوتنيك" مع الدكتور علي زبيب الخبير في القانون الدولي في الشؤون الاقتصادية، والذي يرى بأن لبنان قد عانى الأمرين من ناحية المساعدات الدولية في السنوات العشر الأخيرة، وخاصة في مؤتمرات باريس 1و2 و3 والمنحة السعودية التي قدرت بمليار دولار والتي لحقتها منحة ثانية بقيمة 3 مليارات دولار وهي لم تصرف، لأسباب متعددة منها سياسي والبعض اقتصادي يتعلق بالدول المانحة.
ويتابع زبيب: "المشهد الآن يزداد صعوبة وتعقيدا مع استقالة الحكومة اللبنانية التي برزت في الدقائق الأخيرة، والسؤال الذي يبرز هنا من الذي سينسق هذه المساعدات، وكيف سيتم توزيعها في ظل عم الجدية وعدم الثقة بالحكومات المتعاقبة، وما كان فيها من الوضوج الشديد بعدم توجه المساعدات إلى مكانها الصحيح، بل دخل فيها عنصر الفساد السياسي والإداري وتوزيع المساعدات بناء على معايير المحسوبية والطائفية".
فيما يرى الخبير في الاقتصاد السياسي أحمد ياسين في حواره مع "سبوتنيك" بأن المشكلة الأكبر بأن هذه المساعدات غير كافية لسد احتياجات لبنان، ويوضح: بالتأكيد مثل هذه المساعدة والرقم الذي وصل إليه المؤتمر بـ300 مليون دولار لا تكفي أبدا، بل يمكن أن تغطي فقط الاحتياجات الإنسانية الفورية لمعاناة الشعب اللبناني، وخاصة في القطاع الصحي، وكذلك أيضا القطاع التعليمي وتأمين السلع الأساسية في لبنان.
ويكمل ياسين: "انطلاقا من كون لبنان يستورد أكثر من 80% من الاحتياجات الغذائية، وأكثر من 90% من الاحتياجات الدوائية، وطالما أن مرفأ بيروت تعرض لهذا الدمار الكبير فقدرة لبنان باتت محدودة جدا، بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية الخطيرة لانفجار مرفأ بيروت".
ويضيف: "قبل ذلك كانت هناك خسارة لليرة اللبنانية بأكثر من 75% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وهذا يوضح هول المشكلة أو الأزمة التي يعاني منها لبنان حاليا، فالقدرة الشرائية للحكومة اللبنانية باتت جدا ضعيفة، ولا يمكنها أن تستورد مثل هذه المواد الأساسية للشعب اللبناني".
ويكمل الخبير اللبناني حديثه: "يجب أن نستذكر مؤتمرات شبيهة مثل باريس 1 و2 و3، حيث تمكن لبنان من الحصول على مساعدات بأكثر من 7 مليار يورو، ولكن مثل تلك المساعدات كانت دائما مرفوقة بشروط إصلاحية كان على الحكومات اللبنانية أن تطبقها، وقد تعهدت الحكومات قبل الحصول عليها بتطبيق اصلاحات طالب بها المجتمع الدولي، ولكن مع كل الأسف كل هذه الخطوات لم تطبق، وهذا ما يفسر خطورة الوضع، وأن أي خطوة من قبل المجتمع الدولي لمساعدة لبنان هي بالتأكيد بعيدة المنال".
ويتابع: "لذلك هذه المساعدة التي توصل إليها مؤتمر باريس يوم أمس يمكن لها أن تغطي فقط الحاجات الأساسية والآنية للشعب اللبناني، ولكن بالتأكيد هي بعيدة كل البعد عن إيجاد الحل الشامل واللازم لتجاوز لبنان محنته الإقتصادية".
الشروط
وحول الشروط التي قد تفرضها الدول المانحة على الحكومة اللبنانية لإيصال هذه المساعدات لها، وعن الوجهة التي سترسل لها المساعدات، يقول الدكتور علي زبيب: "من الملفت أن الرئيس الفرنسي ذكر بأن هذه المساعدات ستذهب إلى الشعب، والسؤال هنا هل سيتم التواصل مع هيئات أو جمعيات تابعة للمجتمع المدني، أم سيتم الاستعانة مع الهئية العليا للإغاثة، وهي الإدارة الحكومية الرسمية في موضوع تقديم المساعدات".
ويكمل: الحقيقة لا يمكن الإجابة عن هذا الموضوع لأنه يتعلق فقط بالمانحين، وبالتالي هناك صعوبة في التكهن فيما إذا كانت ستأتي هذه المساعدات وكيفية توزيعها، مع العلم بأن الأحزاب اللبنانية قد تم سحب البساط من تحتها ولن تكون قادرة على المشاركة في عملية توزيع هذه المساعدات، لحرص الحكومة الفرنسية عن إبعاد شبهة الرسمية عن هذه المساعدات وإعطائها صفة الرسمية.مرفأ بيروت، لبنان 6 أغسطس/
ويشير إلى الشروط التي تكون قد فرضت على السلطلة في لبنان، ويقول: بناء على الاجتماع الأخير بين الرئيس الفرنسي ومكونات السلطة اللبنانية، والخلوة الملفتة للانتباه التي عقدت مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، أبرزت وبشكل واضح التغير في منهجية التعاطي الفرنسي مع حزب الله، وبالتالي قد تكون الشروط السياسية أقل وطأة على فريق الممانعة في لبنان، وقد يكون تأثيرها أقوى على فريق 14 آذار.
ويردف: من هذا المنطلق نعتقد أن الشرط الأساسي كان في المحاسبة وفي استقالة الحكومة، وهذا الأمر الذي بدأ مع توقيف مدير عام الجمارك بدري ضاهر، واستقالة الحكومة اليوم. أما الخبير الاقتصادي أحمد ياسين فيرى أن المساعدات ستصل مباشرة إلى الشعب اللبناني، ويفسر: وعد ماكرون بأن المساعدات ستقدم مباشرة للشعب اللبناني، ومن الواضح أن ما تم الاتفاق عليه يوم الأحد سيكون تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا يعني بأن المساعدات واقعيا ستذهب بشكل مباشر إلى الشعب اللبناني المتضرر، من خلال المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، وأيضا المؤسسات اللبنانية المرتبطة بها.
ويكمل: لذلك يمكن القول بأن هذه المساعدات ستتجه إلى الوجهة الصحيحة أو السليمة، وبالتأكيد الرئيس الفرنسي يدرك بأن هذه المساعدات في حال قدمت إلى الحكومة في وضعها الحالي، فهي لن تصل إلى الشعب اللبناني.
نهب المساعدات
وعن التخوف من نهب المساعدات بعد الاتهامات التي يوجهها الشعب اللبناني إلى مسؤوليه بنهب المال العام، يقول الدكتور علي زبيب: سأجيب هنا بصفتي مواطن لبناني وليس كخبير في القوانين الاقتصادية، نحن لا نعتقد وليس لدينا أي ثقة بناء على التجربة وكل ما مررنا به، فكل مساعدة تأتي من الخارج يتم نهبها، ونتمنى ونصلي أن يكون هذا الانفجار الكبير قيامة للبنان، ونتمنى أن تذهب هذه المساعدات إلى المكان الصحيح.
ويواصل: هناك دائما وجود وإمكانية لحصول الخلل، ولكن يبقى الآمل في أن يكون المجتمع اللبناني على درجة مرتفعة من الوعي، لأن كل قرش يأتي إلى لبنان هو بأمس حاجة له في هذه الظروف الغير مسبوقة. فيما يستبعد الخبير أحمد ياسين إمكانية ذلك ويقول: "طالما أن هذه المساعدات وهي ليست كبيرة، وطالما سيتم التعامل معها من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها النشطة في لبنان، هناك أمل بأنها ستصل إلى أصحابها الحقيقين المحتاجين، وهم الشعب اللبناني المتضرر".
ويضيف: "سيحصل على جزء منها بعض أصحاب المحال الذين تدمرت محالهم ولا يمكن لهم الاستمرار بأعمالهم، وستذهب أيضا إلى إعادة بناء أو ترميم المستشفيات التي تضررت، وكذلك المدارس في الجزء المدمر من بيروت".
تهدئة الأوضاع؟
وعن إمكانية تهدئة الرأي العام اللبناني بعد وصول المساعدات الدولية، يرى زبيب: هناك شيء مؤكد هو أن كمية تدفقات الدولارات إلى لبنان ستكون أحد الأسباب الرئيسية في انخفاض سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وهو أمر إيجابي إذا اقترن برقابة حكومية من وزارة الاقتصاد على التجار وبدعم الاستيراد.
ويضيف: "هذا الأمر أصبح صعبا الآن في ظل استقالة الحكومة وممارستها مهام تصريف الأعمال، ولا بد من أن نقوم باستغلال ظرف المساعدة لمحاولة إعادة الاستقرار الاقتصادي إلى حد ما لمحاولة إعادة إعمار البلد، كما على المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة بالتخفيف من العقوبات الواقعة على لبنان بأمكنة معينة، وخاصة فيما يتعلق بقانون قيصر".
بدوره لا يرى أحمد ياسين أي ربط بين هذه المساعدات وبين تهدئة الأوضاع في لبنان، ويكمل: "المواطن اللبناني العادي بات مقتنعا قناعة مطلقة بأن هذا النظام السياسي الذي أربك لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية واتفاق الطائف، هو نظام سياسي فاشل طالما أنه قائم على الطائفية".
ويستطرد: "الدستور اللبناني هو الدستور الوحيد في العالم بالإضافة إلى الدستور العراقي يكرس الطائفية قانونيا ودستوريا، وطالما أنها مكرسة فمثل هذا الوضع سيزيد من مستوى الفساد، وهذا ما يفسر الانفجارات العديدة التي شهدها لبنان قبل انفجار بيروت، والفارق الوحيد هو أن انفجار بيروت رافقه دخان وقتلى ودمار في الشوارع".
ويختم ياسين حديثه: "مثال على هذه الانفجارات عدم قدرة لبنان على سداد ديونه، والتي نقلت لبنان إلى وضع خطير جدا في تعامله مع الأسواق العالمية، فهو خسر ثقة المستثمرين العالميين، وهو ما ينعكس بعدم تلبية المستثمرين لحاجيات لبنان لتجاوز أزمته الاقتصادية".
قد يهمك أيضا
ماكرون يكشف قيمة الدعم الدولي للبنان "على المدى القريب"
الفساد و"حزب الله" عقبتان بين لبنان ومانحيه بعد أزمة انفجار مرفأ بيروت