بيروت - لبنان اليوم
كل الحراك الرئاسي جُمّد بانتظار القمة العربية وما سيصدر في متن مقرراتها. يعوّل لبنان على القمة وعلى وجه الخصوص في موضوع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم. العالم بأسره عينه على قمة جدة. يُسجل للمملكة السعودية إعادة لمّ الشمل العربي مجدداً. يُسجل لها أيضاً إستعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية تمهيداً لإعادة دورها في رسم معالم المنطقة ومستقبلها. أمس كما اليوم تحتل المملكة حيز الإهتمام العربي والدولي لتشكل حاضنة العرب والراسم معالم مستقبلهم.
عادت القمم العربية إلى الإنعقاد بعد انقطاع طويل بسبب ظروف كورونا سابقاً، ثم عودة لم تستطع أن تشكل اسماً على مسمى عام 2022 حين انعقدت في الجزائر تحت شعار «لمّ الشمل»، بسبب غياب سوريا والصدامات المتعددة التي تشهدها المنطقة من اليمن إلى سوريا والعراق. مخاض عسير شهدته الدول العربية لم تنجح المحاولات للجمها. مصر التي كانت «أم الدنيا» سعت من ناحيتها فلم تسعفها ظروفها، كما الأردن الحاضر للعب دوره والحريص على التلاقي العربي، أمّا قطر فهي الساعية دوماً للعب دور يفوق حجمها.
تغيّرت المملكة السعودية وتبدّلت أحوالها وهي ترسم معالم موقعها المستقبلي الذي باشرته من اليوم حيث تستضيف في جدة القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين بحضور سوريا، التي غابت عن العرب وقممهم لـ12 عاماً. يشكل ترؤس الرئيس السوري بشار الأسد وفد بلاده في اجتماعات جدة علامة فارقة في القمة التي يمكن إعتبارها قمة سوريا بامتياز.
تغيرت الظروف وتبدلت. القمة التي انعقدت عام 2019 لبحث التدخل الإيراني في المنطقة، وسَعَت ولم تنجح في الإتفاق على إستعادة موقع سوريا عام 2022، تنعقد بدورتها الحالية في أعقاب الإتفاق الإيراني – السعودي برعاية صينية، وإعادة التواصل السوري السعودي. حدثان سيلقيان بتأثيرهما على بيان القمة الختامي واجتماعات قادتها. الأهم من القمة هي تلك اللقاءات الجانبية التي عقدت بين وزراء الخارجية، وعلى وجه الخصوص، اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السعودي مع نظيره السوري.
وإذا كان المتعارف عليه أنّ القمم العربية تنعقد من أجل صورة بلا مضمون في السابق إلا في ما ندر، فإنّ قمة اليوم مختلفة لأن الصورة فيها هي الأساس ومنها تتفرع الرسائل. من مدينة جدة التي تستقبل بحفاوة رؤساء الدول والوفود المشاركة في القمة، إلى الحضور الرئاسي للدول المشاركة باستثناء لبنان المتمثل بوفد يرأسه رئيس حكومة تصريف أعمال نجيب ميقاتي.
من هنا من قمة جدة ينطلق ولي العهد محمد بن سلمان نحو تحقيق تصوره لمستقبل بلاده الإقتصادي والإجتماعي بنتيجة «صفر مشاكل» مع دول الجوار. صفّر عداد مشاكله مع إيران ليضمن الأمن والأمان في اليمن والبحرين والعراق، ومع سوريا إستعاد الحضور العربي في المنطقة ليطغى على أي حضور آخر.
هي القمة الأولى التي تشهد تناغماً عربياً منذ سنوات طويلة طغت خلالها الخلافات بين الدول العربية وبلغت خلالها المواجهة مع إيران أوجّها. في هذه القمة لن توصف إيران بالعدو الذي سيتم شجب تدخلاته لأنّ إيران ذاتها قد التزمت باتفاقها مع السعودية وأعادت تموضعها في الدول التي لها دور على أراضيها، ولن يكون «حزب الله» إرهابياً والمحاولات قائمة لمد جسور تواصله مع السعودية وقد فرمل خطابه الهجومي بحق الرؤساء العرب.
وعلى هامش الحراك المستجد الذي ترعاه المملكة بوليّ عهدها، يحضر لبنان ولو على الهامش. وهذا بحد ذاته تطور مطلوب. فالبلد الذي غاب عن إهتمامات العرب بعد أن شكلوا ضمانته المالية والسياسية لعقود خلت، من المفيد أن يعود إلى خريطة إهتماماتهم ولو من باب بحث المواضيع ذات الإهتمام المشترك، ومن بينها قضية النازحين السوريين أو تلك القنبلة الموقوتة التي تهدد لبنان وتصيب بشظاياها الدول المجاورة.
سوريا التي تستعد لورشة إعمارها تنفتح على استعادة النازحين بتوافق مع السعودية، التي باتت سنداً للنظام السوري الذي يسعى الغرب إلى النيل منه بحجة أنه حكم بلا شعب وأن شعبه موجود في الخارج. مسألة ثانية تهم المملكة هي الحرص على النسيج الإجتماعي المتنوع طائفياً في سوريا خاصة وأنّ غالبية النازحين هم من السنة.
كما سيحضر في الإجتماعات الثنائية اللبنانية مع المسؤولين السعوديين ملف تهريب الكبتاغون وهو الهمّ الذي توليه المملكة إهتماماً واسعاً لخطورته مستقبلاً. وتشكل هذه القضية القاسم المشترك بين لبنان وسوريا والمملكة السعودية.
بمشهدية اليوم تستعيد السعودية دورها كمايسترو العرب، وتعود سوريا بوابة للتلاقي العربي ومن خلالها الحل والربط في مجمل القضايا. أما لبنان فيكفي إخفاقه في إنتخاب رئيس ليكون صورة عن واقعه. بلد بلا رأس يمثله، وبلا تصور لمستقبله ولا خطة يمكن أن يواجه بها العالم لإعادة النازحين. العالم يدور من حوله ويغرق لبنان في تفاصيله التافهة وخلافات رؤساء أحزابه.
يومٌ من التاريخ يسجّل من خلال صورة وفي الصورة يتمثّل لبنان على خلاف غيره بشغور يستجدي العرب التدخل لإنهائه. يعوّل لبنان على ما بعد القمة وما سيشهده من حراك عربي إيراني مرتقب بمعالم ديبلوماسية لعلّه يشكل باباً لإنتخاب الرئيس.
قد يهمك ايضاً