أنقرة ـ لبنان اليوم
شهدت أنقرة، توترا كبيرا عقب شجار بين لاجئين سوريين وأتراك، نتج عنه مقتل شاب تركي وإصابة آخر على يد شاب سوري أول أمس الثلاثاء.
لكن التوتر شهد تصاعدا كبيرا ميدانيا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات عنصرية بترحيل السوريين، وهجمات طالت ممتلكات ومحلات سورية في حي "ألتنداغ" الذي وقع فيه الشجار ليلة أول أمس.
وأعلنت الشرطة التركية، أنها قامت باعتقال 76 شخصا بتهمة التورط في الأحداث الجارية، وتبين أن 38 منهم لديهم سوابق جنائية.
وذكرت وسائل إعلام تركية، أن مواطنين أتراكا قاموا بمهاجمة المنازل وشركات ومركبات خاصة بالرعايا الأجانب، بالحجارة والعصي في المنطقة، فيما قام عدد منهم بمهاجمة سيارات الشرطة بالحجارة.
وبالتزامن مع التوتر الميداني، غرد نشطاء أتراك محسوبون على المعارضة التركية، على هاشتاقات تطالب بترحيل السوريين، واعتبارهم تهديدا وجوديا لهم.
وقال مكتب محافظ أنقرة ليل الأربعاء إن "التظاهرات والأحداث التي وقعت في حي ألتنداغ انتهت نتيجة سعة صدر مواطنينا والعمل الشاق لقواتنا الأمنية". وأضاف أن "شعبنا مطالب بعدم إضفاء صدقية على الأخبار الاستفزازية والتعليقات" في إشارة إلى الخلاف الذي أدى إلى الاضطرابات.
وتأتي هذه الأحداث، بالتزامن مع حملة تحريض كبيرة ضد اللاجئين بشكل عام، ولا سيما مع تفاقم الأزمة الأفغانية وتوافد المئات من الأفغان إلى تركيا على شكل هجرة غير نظامية.
وتعد مسألة اللاجئين السوريين في تركيا، من ضمن القضايا الشائكة في الساحة الداخلية بالبلاد، وتأتي في إطار العنصرية المتزايدة التي يعاني منها السوريون، الذين فروا من سوريا بسبب الحرب المتواصلة منذ عشر سنوات.
وأثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحريضية ضد اللاجئين السوريين، بدأت مع قضاء بعض السوريين اللاجئين في تركيا إجازة العيد في شمال سوريا، ومع تغريدات لزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو الذي تحدث أنه في حال وصوله للسلطة سيقوم بترحيلهم بمدة عامين.
وأعلن مكتب المدعي العام في أنقرة، أنه سيجري تحقيقا بشأن الأخبار المضللة والتي ساهمت بتسبب القلق والذعر بين جمهور الشعب التركي على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أحداث أنقرة.
رئيس جمعية الهلال الأحمر التركي، كرم كنيك تساءل في تغريدة على حسابه في "تويتر": "منذ متى أصبح رشق منزل بالحجارة ليلا جزءا من عاداتنا؟.. تواصل معي عدد من اللاجئين وأعربوا عن قلقهم وخوفهم على حياة أطفالهم".
وتابع مرفقا صورة طفل سوري أصيب بسبب اعتداءات الأتراك في الحي: "انظروا لهذا الطفل البريء، إنه ضيف علينا وروحه مؤتمنة، أصيب بحجر أصابه بعد إلقائه من النافذة، وننقله الآن بسيارة الإسعاف، أرجوكم لا تفعلوا ذلك".
وصباح الخميس، أطلق نشطاء أتراك هاشتاق "#KardeşimeDokunma" (لا تلمسوا أخي) في دعوة للتوقف عن حملات التحريض ومهاجمة اللاجئين السوريين، فيما غرد آخرون بتغريدات ضد العنصرية.
وأمام هذا الزخم، قام كلتيشدار أوغلو بالتغريد مجددا، قائلا: "من الواضح أنه تتم عمليات استفزاز في الأيام الأخيرة عبر اللاجئين الأفغان والسوريين، رفع العلم الأفغاني، والرسائل التي وجهها صحفي محرض، ودعوة لاجئ سوري للتضامن ضد حزب الشعب الجمهوري، الاعتداءات ومقتل مواطنين على أثرها من بين هذه الاستفزازات".
وأضاف في تغريدة أخرى: "أدرك أن الجميع حساسون للغاية، لكن علينا أولا أن نبقى هادئين، سنحاسب أولئك الذين هم مسؤولون عما حدث، وليس الضحايا، لا تدعهم يستفزونك اليوم في قضية سنعالجها غدا، وسنرسل ضيوفنا بسعادة" في إشارة إلى اللاجئين السوريين.
المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر تشليك، قال إن المسؤولين عن مقتل الشاب التركي سيتم محاسبتهم عبر القضاء، مطالبا الشعب التركي بعدم الانجرار وراء الاستفزازات والمنشورات التحريضية، منتقدا موقف المعارضة التركية.
وقال تشليك: "لن نسمح لأي أحد بأن يقوم باستفزازات تحت غطاء لاجئ، ولن نسمح للذين يسعون لإثارة الكراهية ضد اللاجئين".
وأضاف: "تجري بعض الاستفزازات من خلال هذا الحادث المؤلم والمحزن للغاية، والهدف منها هو إلحاق الضرر ببلدنا وشعبنا"، مشددا على أن "الجريمة فردية"، وأنه سيحاسب الجناة أمام العدالة وسينالون العقوبة التي يستحقونها.
وشدد على أن المحرضين المعادين للاجئين، وأولئك الذين يقومون بأعمال استفزازية والتستر تحت غطاء لاجئ هم وجهان لعملة واحدة، ويريدون إيذاء تركيا.
وأضاف، أن "أمتنا العظيمة ستبطل كل الاستفزازات بقيمها الأخلاقية العالية وخبرتها التي جاءت عبر التاريخ"، مطالبا بتوخي الحذر من المنشورات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتابع: "إن دولتنا التي كانت ملجأ للمظلومين على مر التاريخ، ستحميهم وتحارب جميع المحرضين".
وفي حديثه للمعارضة قال المسؤول التركي: "المنافسة في السياسة ضرورية بالطبع، ولكن لغة الكراهية والتمييز العنصري وحالة الاستقطاب بهذ الشأن لا يمكن اعتبارها معارضة".
وشدد على أن لغة الكراهية التي يستخدمها بعض السياسيين منذ فترة طويلة تجاه اللاجئين لها مخاطر كبيرة.
الكاتب التركي، سلجوق ترك يلماز، قال في مقال على صحيفة "يني شفق"، إن حزب الشعب الجمهوري فيما يتعلق بالمسألة السورية، يتوافق مع الخط الذي تنتهجه إيران وبشار الأسد، واللافت أن "المعارضة المحافظة" كما يصفها باتت تنتهج وتتبنى نفس الأفكار.
وأضاف أن تركيا تبذل جهودا كبيرة لوقف الحرب في سوريا، خاصة بعد عام 2016، وأظهرت في بداية العام الماضي، أنها مستعدة حتى للمخاطرة بمعركة كبرى في إدلب، كما أنها دخلت بتوتر كبير مع روسيا التي توصلت معها إلى تهدئة في شمال غرب سوريا.
وأشار إلى أنه منذ البداية، اتخذ حزب الشعب الجمهوري و"حزب الجيد"، نهجا سلبيا تجاه السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، ومع مرور الوقت انضمت إليهم "المعارضة المحافظة".
وتابع بأن هناك تشابها كبيرا بشكل الخطاب الذي تتبناه المعارضة، ونهج الأميركيين أو اليمين الأوروبي التطرف تجاه المهاجرين، وهو لافت، ولذلك أطلق عليهم "المحافظين الجدد في تركيا".