بكين ـ ا ش ا
أجمعت وسائل الإعلام الصينية المقروءة والمرئية على مدار اليوم الأربعاء وأمس بإن تداعيات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي وما صاحبها من محاولات وصفتها بـ "الهزيلة" لإثارة الاضطرابات فى الشارع بأنها دليل على تآكل شعبية جماعة الإخوان على أرض الواقع بين جموع الشعب المصري. فيما رأي عدد من الصحف المحلية الصادرة باللغة الصينية أن المحاكمة ستخلق فرصا وتحديات أمام السلطات المصرية، حيث لا يزال المصريون يتطلعون إلى تحقيق الاستقرار، وأن أى حلول أو استراتيجيات لن تجدي ولن تحد أي دعم شعبي ما لم يتم إيجاد حل للركود الاقتصادي سريعا . وخلال اليومين الماضيين اكتفى الإعلام الصيني الرسمي والخاص بنقل تطورات الأوضاع التى تحدث على الأرض خلال محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي والاضطرابات التى حاولت إثارتها بلا جدوى جماعة الإخوان المسلمين، ونقلت صور ومشاهد التى عرضت للرئيس المعزول فى قاعة المحكمة وعدد من مشاهد الاضطرابات التى قام بها مؤيدو الجماعة فى الشارع، وما يقابلها من مواجهات عفوية لفئات المجتمع المصري ضد ممارسات الإخوان التى وصفها مؤيدو خارطة الطريق "بالتخريبية" التى تحاول ترويع وإرهاب الشعب المصري. لكن المحللون الصينيون والخبراء لم يشغلهم تفاصيل محاكمة مرسي بقدر انشغالهم بتحليل الأحداث التى صاحبتها كونها من وجهة نظرهم هي محاكمة بناء على إرادة شعبية وتوجيه اتهامات جنائية بحق الرئيس المعزول وجماعته، وتتم بين ساحات القضاء المصري العريق، شأنها شأن المحاكمات التى تجري أيضا للرئيس الأسبق حسني مبارك ، ما يعبر عن نزاهة وحيادية واستقلالية القضاء، كما أنها تعد السابقة الأولى فى تاريخ البشرية ان تشهد فيها دولة ثورتان شعبيتان فى أقل من ثلاث سنوات ومحاكمة رئيسين للجمهورية فى نفس التوقيت وبنفس قاعات المحكمة. ويتفق محللون سياسيون صينيون مع الرأي بأن محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي أظهرت تآكل شعبية وقدرة جماعة (الاخوان) ،التى ينتمى إليها مرسي، على التأثير فى الشارع المصري كسابق عهدها قبل تولى مرسي الرئاسة، لكنهم فى نفس الوقت يرون ضبابية فى مستقبل تواجد الجماعة بين المجتمع المصري عقب تضاؤل فرص المصالحة. ويقول الخبير دونغ لونغ استاذ العلاقات الدولية بجامعة الاقتصاد والعلوم السياسية الصينية إنه مع الظهور الأول لمرسي علنا منذ عزله فى الثالث من يوليو الماضى ، ما زالت الأجواء فى أوساط جماعة الإخوان المسلمين فوضوية، وأرجع تأجيل المحاكمة إلى بداية العام المقبل بأنه يفسر تباعد المواقف بين الجماعة والقاعدة الشعبية، وإمهال فرصة لإعادة ضخ الدماء لأجواء حوار مجتمعى يفضى إلى الاستقرار الكامل. وأضاف دونغ، فى تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن المصالحة لا تعني وقوف الدولة عاجزة أمام إثارة الاضطرابات والإرهاب، وأن التعامل مع الأحداث الإرهابية يجب أن يواجه بقبضة حديدية .. موضحا أن الإرهاب هو عدو للإنسانية ويجب القضاء عليه بالوسائل الممكنة بكافة أشكاله وصوره ومهما كان مصدره أو من يقف وراءه، خاصة عندما يستخدم الارهاب اتحقيق أهداف سياسية تضر بالأمن القومي للدولة. وأوضح أن الحل السحري لما يحدث فى مصر هو قبول جميع الأطراف للإرادة الشعبية، وإجراء حوار مجتمعي يتزامن مع إجراءات اقتصادية إيجابية والاستمرار فى مسار العملية الديمقراطية من خلال كتابة الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتى ستعبر عن إرادة شعبية يقبلها ويحترمها الجميع فى الداخل والخارج. من جانبه يقول المحلل السياسي تشن لي من الأستاذ بجامعة الدراسات الاستراتيجية فى بكين إن محاكمة الرئيس المعزول مرسي تدل على أن مصر تسير على مسار ديمقراطي صحي بدولة القانون، يلقى مصداقية ودعما شعبيا وأيضا قبولا وارتياحا دوليا ، وخير دليل على ذلك التغيير فى المواقف الدولية تجاه مصر من تشكك فى البداية ثم إلى تأييد ودعم حالى من قبل الاتحاد الأوروبي ثم من قبل الولايات المتحدة بعد زيارة وزير خارجيتها للمنطقة الذى أكد احترام إرادة الشعب المصري، وهو الأمر الذي تأخرت الولايات المتحدة فى تفهمه - حسب المحلل السياسى الصيني - ، وسبقها فى تفهمه دول عديدة أخرى كالدول العربية وعدد من الدول الكبيرة كالصين وروسيا ، عندما عبرتا من البداية عن احترام إرادة الشعب المصري فى تحديد مستقبله وتقرير مصيره ورفض أى تدخل فى الشؤون الداخلية له أو محاولة تدويل ما يحدث داخل مصر . وأشار إلى أن هناك خطوات صحية تعيشها مصر ستفضي إلى إجراء الاستفتاء على الدستور مصر والتوافق على قوانين للحوار والعيش المشترك ونبذ العنف ومكافحة الإرهاب واحترام القانون ، وصولا للانتخابات البرلمانية والسياسية والتركيز على إعادة الاستقرار بدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاستثمارية". كما أشار إلى أن محاكمة الرئيس المعزول أمام ساحات القضاء القانونية التى واجهها سلفه مبارك ، ثم نقله إلى سجن برج العرب بالاسكندرية يدحض اتهامات ما يسمي ب"الانقلاب أو الاختطاف" التى رددتها الجماعة، حيث يعد وقوف مرسي فى قفص الاتهام "ضربة جديدة للإخوان، بعد ضربة القبض على عصام العريان" حيث تم إجهاض أحد أهم قدراتهم على حشد مؤيدين وأظهرت حقيقة تراجع "شعبية الإخوان، كونهم يخسرون كل يوم بسبب مواجهتهم لإرادة الشعب المصري". على جانب آخر يرى عدد من المحللين أن الرئيس المعزول محمد مرسي الذي ضغط حينما كان فى الحكم على السلطة القضائية لتسريع محاكمة سلفه مبارك يواجه هو نفسه حاليا المحاكمة أمام نفس القضاء ، فى وقت أجبرت جماعة الإخوان التي كانت يوما "الجماعة الأكثر تنظيما" في مصر، على الانزواء عقب إطاحة ثورة 30 يونيو بمرسي وانحياز الجيش للإرادة الشعبية واعتقال كبار قادة الجماعة لارتكابهم جرائم ضد الشعب المصري، وتوقع هؤلاء المحللون اختفاء جماعة الإخوان من المشهد السياسي المصري إذا ظلت تمارس الترويع والإرهاب طبقا لاتهامات المؤيدين لخارطة الطريق. ويري المحلل السياسي الصينى تشن لى أن محاكمة مرسي تعد أكثر صعوبة من محاكمة سلفه مبارك ، حيث لا يتعين على السلطات الحكومية والقضائية والجيش مواجهة الاضطرابات التى تشعلها جماعة الإخوان ولكن يجب عليهم أن يمنعوا وقوع أعمال عنف وهجمات إرهابية محتملة، وهو ما سيستنزف بدوره المزيد من الموارد البشرية والمادية فى مصر التي من المفروض أن توجه لإنعاش الاقتصاد وتحسين المستويات المعيشية للشعب المصري.