بغداد – نجلاء الطائي
الكثير من الأطفال بعمر الزهور نراهم متجمعين ليس وسط الحدائق لجمع باقات الزهور وإنما وسط المزابل لجمع علب الألمنيوم أو البلاستيك أو الأخشاب أو أسلالك النحاس وغيرها من المواد التي يمكن بيعها والاستفادة منها. وهؤلاء الأطفال يكون لديهم عادة من يرأسهم ويستولي على ما يعثرون عليه ويحلمون بالسلاسل الذهبية أو بعض الحلي أو النقود أو بالمواد التي تصلح للبيع أو الاستعمال وحتى الأكل لهم أو للحيوانات.
إنّ الأطفال المشردين أو أطفال النفايات وأكوام القمامة، وجوههم مسودة ومفحمة من اثأر الأوساخ، وملابسهم رثة ووسخة من اثار الزيوت والأوساخ، وأيديهم متسخة وأظافرهم طويلة تحتوي تحت طياتها كما من الجراثيم والقاذورات، وهناك روائح كريهة تنبعث منها أنواع الغازات والسموم من آثار التفسخ والتعفن لبعض اللحوم من الحيوانات الميتة التي ترمى في تلك المزابل والقمامات والروائح الكريهة والدخان المتصاعد ليل نهار جراء حريق القمامة والأكياس السوداء المكدسة وهذه الأوساخ والروائح تزكم الأنوف وتؤثر على صحة الرئتين، أما أقدامهم فهي حفاة عراة يدوسون على كل أنواع الأوساخ ويعبرون في المياه المتعفنة النتنة والآسنة ويتسلقه من أعالي القمامات كأنها جبال بحثا عما يحتاجونه.
مصطفى ثامر طفل عراقي يبحث في القمامة عن قناني المشروبات الغازية من أجل جمعها وبيعها بسعر زهيد، وحالة مصطفى هذه، حال آلاف الأطفال العراقيين الذين يبحثون في القمامة عما يسد رمقهم ورمق عائلاتهم في بلد ميزانيته السنوية أكثر من مائة مليار دولار.
ولقصة مصطفى تفاصيل أخرى، يتحدث هذا الطفل كيف توفي والده في أحد التفجيرات، ووالدته تبحث عن وظيفة منذ سنوات عديدة، لكن جميع الأبواب التي طرقتها أغلقت في وجهها لعدم انتمائها لأي حزب.
وأشار الى ان "أحد اخوته قد توفي بسبب مرض نقل اليه من الاطعمة الملوثة التي كان يتناولها من القمامات ولم تستطع والدته توفير العلاج له وخضوعه لعملية جراحية لاكياس ظهرت في اسفل صدره".
و قصة طفل اخر وهو أكرم سعد فيقول إني اسكن مع جدتي التي يتجاوز عمرها الـ80 عاما بعد ان استشهد جميع إفراد أسرتي اثر حادث مؤسف، ولأنني انا أتولى أمر المعيشة من خلال البحث عن فضلات الخبز وعبوات المشروبات الغازية وبيعها في القمامات بين شارع وأخر.
ويعيل كرار عبد الأئمة 12 عاما أسرته ، معتمدا على استخدام زجاجات البلاستيك وعلب الألمنيوم الفارغة التي تبقيهم ( هو وعائلته ) على قيد الحياة. ففي مكب نفايات قرب منزل كرار في مدينة الصدر ذات الشوارع الضيقة والأحياء الفقيرة المنخفضة التي بنيت فيها مساكن لأكثر من 3 ملايين نسمة ، وهي منطقة مترامية الأطراف وعانت سنوات من الإهمال ، حيث ينتشر الرجال والنساء والأطفال وتتزاحم على أكوام من القمامة النتنة.
كرار يمضي عطلته الصيفية المدرسية من خلال حصوله على مبالغ مقابل تفريغ القمامة في بغداد حتى يتمكن من إعالة أسرته ، وهو صبي نحيل يرتدي ملابس قذرة ، يعمل مع الأطفال الآخرين لاستقبال وصول الشاحنات التي تحمل النفايات الطازجة وينتظر بفارغ الصبر لتفريغها على الرغم من رائحة الأوساخ غير المحتملة.
ويقول كرار"نحن نكسب عيشنا من خلال هذه القمامة" . وعقد كيس كبير وربط المعادن ، ثم أضاف "علينا أن نبدأ العمل في الصباح ، ونحن نجمع علب البيبسي وزجاجات البلاستيك وبعد ذلك يمكننا بيعها. لقد بدأت العمل في هذا المكان منذ أن كان عمري ثلاث سنوات".
العاملون من الأطفال مع كرار يبعون كل كيلوغرام من الزجاجات البلاستيكية أو علب الصودا مقابل 250 دينارا ، ويكسبون ما بين 2000 إلى 4000 دينار يوميا.
والدة كرار وأحد أشقائه يعملون معه في وحول مدينة الصدر. وفي نهاية الشهر يجمعون ما استطاعوا الحصول عليه ليتراوح بين 300 الى 400 الف دينار ، والأرباح الضئيلة التي يحصلون عليها هي لدعم العائلة الكبيرة. الاخوة تعمل فقط خلال العطل المدرسية ، ولكن هناك أطفال آخرون تركوا المدرسة وبدأوا العمل في تفريغ جمع القمامة بدوام كامل.
إحدى الأمهات التي يعمل أطفالها العشرة في جمع القمامة الذين اضطروا إلى هذا العمل لأنهم فقراء وزوجها عاطل عن العمل. تقول وهي مرتدية قناعا من القماش يحميها من الرائحة الكريهة لأنها أفرغت كيسا من الزجاجات " ليس لدينا أي شيء ، نحن نعيش في منزل من الطين وزوجي مريض" . بينما يحاول سجاد كاظم الاتصال بزوجته كل 10 دقائق ليحاول ان يخفف من قلقهم المستمر ويؤكد لهم انه على قيد الحياة. وسجاد هو جامع قمامة، حيث يقول " أن مهنته هي واحدة من أخطر المناطق في المدينة، حيث يمكن إخفاء القنابل تحت أي كومة من النفايات " .
وكان قد قتل أكثر من 500 عامل نظافة خلال السنوات الماضية بسبب تفجيرات وقتل متعمد ، ويؤكد سجاد الذي بدأ جمع القمامة في عهد النظام السابق. "إننا مستمرون ونضع أرواحنا في أيدينا". ويضيف " القمامة في كل مكان من هذه المدينة ، حيث تغطي الجزرات الوسطية للشوارع ، وحفات أزقة كثيرة نتنة وينتشر حولها الذباب.
إلى ذلك يقول مسؤول الدائرة الإعلامية في بلدية الاعظمية المهندس علي كريم عطية لـ"العرب اليوم" أن عمل النبّاشة يتم تنفيذه في بقية دول العالم وفق أسلوب مهني صحيح، وليس بهذه الطريقة التي تحط من قدر العامل وسلامته المهنية.
ويلفت عطية إلى أن عمل الأطفال بهذه المهنة يشكل خطورة عليهم، واصفاً إياه بأنه جزء من عمالة لا إنسانية وغير قانونية في نفس الوقت، وناشد الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني بعمل جولات ميدانية ورصد هذه الظاهرة الخطيرة.
وقالت الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل "أبتسام عبد الله " في حديث لـ "العرب اليوم" إن "قانون العمل العراقي منع استغلال الأطفال أو تشغيلهم بأي شكل من الأشكال، وأن هناك تحايلا على القانون من قبل بعض أصحاب الورش والمحال، فضلا عن أن منع الأطفال من العمل قد يتسبب بقطع ما تحصل عليهم عوائلهم من دخل بسيط في ظل غياب المعالجة الحكومية التي ينبغي أن توفر لهؤلاء الأطفال ولعوائلهم دخلا ثابتا يقيهم على الأقل مشكلة دفع صغارهم إلى أسواق عمل لا ترحم.
وتضيف" للأسف نلاحظ بأنّ محافظة ذي قار وبحسب لجنة التخطيط الإستراتيجي في مجلس محافظتها المركز الرابع بين المحافظات العراقية الأكثر فقرا حسب تقديرات وزارة التخطيط الاتحادية"، مبينةً "ان منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسيف" كانت قد أكدت في تقريرها الذي صدر عام 2014 بوجود 41 ألف طفل متسرب من مقاعد الدراسة في محافظة ذي قار فقط، فكيف الحال لو ببقية المحافظات".
الباحثة الاجتماعية والنفسية ليلى كامل قالت في حديث لـ "العرب اليوم" إن "الأطفال الذين يجبرون على العمل مبكرا هم في الأغلب من الأيتام أو من عوائل فقيرة لا تستطيع إيفاء مستلزمات الحياة التي تشهد تصاعدا كبيرا، لذا فإن عملية التحاق الأطفال بأسواق العمل مستمرة بالنمو دون معالجات فاعلة، خصوصا أن البلاد تمر بضائقة مالية كبيرة خصوصا مع حالة التقشف التي أعلنت عنها الحكومة والتي ستزيد من نسبة الفقر وبالتالي المزيد من الأطفال الملتحقين بسوق العمل وهذه حالة خطيرة جدا يجب الوقوف عندها من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومن قبل الجمعيات المناهضة للعنف ضد المراة والطفل".
ويعيش في منطقة القمامات والمزابل عدد كبير من العوائل الفقيرة بأكواخ وخيم صغيرة وبسبب الغلاء المعيشي والبطالة والقتل والتهجير الخطف والسلب تكونت هناك جماعات كبيرة من العوائل معتمدة على معيشتها على تلك القمامات وبسبب عدم وجود وسائل الراحة والثقافة وعدم إرسال الأطفال إلى المدارس والفقر الكبير يجعل الأطفال يتعاطون التدخين والمخدرات والاعتداء الجسدي والجنسي لبعض الأطفال الذين ليس لهم عوائل وكلهم يحلمون بالسعادة والسكن الجيد الصحي والمناخ النظيف وبوجود المستشفيات والمدارس والأسواق والبيوت النظيفة الصحية والماء والكهرباء والطرق الواسعة والأماكن المفتوحة والحدائق فلما لا يكون الحلم حقيقة".