بيروت - لبنان اليوم
الأزمات التي مرّ بها لبنان أخيراً ولّدت ظواهر اجتماعية قد تكون خطرة، وتمس الاستقرار الأمني للمواطنين. وتأتي «الأخبار الزائفة» التي يجري تداولها بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي كواحدة من هذه الظواهر؛ فالجيوش الإلكترونية والمستفيدون من إطلاق الشائعات لصالح حزب أو رجل سياسي وجهات أخرى وجدوا في ظل الأزمات التي يعيشها لبنان فرصة للترويج لأخبار غير حقيقية. وهكذا صارت هذه الأخبار المعروفة بـ«فايك نيوز» تتصدر اهتمامات الناس وتشغل يومياتهم. وراهناً، أقله من 4 إلى 5 أخبار زائفة تطلق يومياً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومرات كثيرة تتسبب في بلبلة عامة بين الناس، وربما تشعل فتناً بين اللبنانيين.
خلال الفترة القصيرة الماضية، أطلقت منصة «صواب» للتدقيق في هذا النوع من الأخبار. وجاء إطلاقها من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بالتعاون مع جمعية «دوائر»، بهدف التوعية حول مدى تأثير الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية على المجتمع المدني؛ إذ إن تعميم ثقافة التحقق من الأخبار يشكل هدفاً رئيسياً للقائمين على إطلاق هذه المنصة. ومع عدد من طلاب الإعلام وتدريبهم على كيفية محاربة هذا النوع من الأخبار لنحو 11 شهراً، تُعدّ «صواب» أول مبادرة شبابية من نوعها لمكافحة الأخبار الزائفة.
في الواقع، وسائل الإعلام بغالبيتها تحركت لوضع حد لانتشار الـ«فايك نيوز»، فاستحدثت برامج تلفزيونية وصفحات إلكترونية تتناول هذه الأخبار وتتولّى تصويبها. أما السؤال المطروح في ظل غياب حملات توعية بهذا الشأن، وبالقدر المطلوب، هو: كيف يمكن التحقق من صوابية الأخبار المنتشرة؟ وما الطرق والأساليب التي تساعد المواطن على التفريق بين الصحيح والزائف؟
- الأخبار الزائفة معروفة المصادر
تُعد الإعلامية حليمة طبيعة واحدة من أهل الصحافة اللبنانيين الذين بادروا إلى تصحيح الأخبار المغلوطة عبر الشاشة الصغيرة؛ فهي أخذت على عاتقها من خلال شاشة تلفزيون «الجديد» (نيو تي في)، عبر برنامجها «مش دقيق»، توعية المشاهدين بضرورة التأكد من الأخبار التي يتداولونها. تقدم طبيعة الخبر الزائف وتطرح مقاربة تصحيحه، بعدما تعود إلى أدلة تؤكد ما تقوله. وفي رأيها أن «نسبة الناس التي تلحق بموجة الأخبار المغلوطة تفوق بكثير نسبة التي تصدقها، لأن الخبر يكون مبنياً على أسس تشبه منطقهم أو تكون صياغته أقرب إلى الحقيقة بنظرهم؛ فالشائعة عندما تنتشر يصبح من الصعب تصديق ما يخالفها». ومن هذا المنطلق، حسب الإعلامية اللبنانية، من الضروري اللجوء إلى تطبيقات ومنصات تصوّب هذه الأخبار.
طبيعة أوضحت لـ«الشرق الأوسط» شارحة: «عندما يأخذ الناس علماً بهذه التطبيقات، يولد لديهم الفضول لمعرفة الحقيقة. ونحن كإعلاميين لدينا القدرة على تصويب الخبر، ولكن في المقابل يطرح السؤال نفسه: ما قدرتنا على إقناع الناس؟ فغالبيتهم تصدق الخبر الذي يناسب مزاجها». وتختتم: «نعرف تماماً أن مَن يقف وراء فبركة هذه الأخبار هم المستفيدون منها مباشرة. وكذلك الجيش الإلكتروني الذي يعمل لحساب فريق معين. والهدف منها يكون التحريض والإساءة إلى شخص أو مجتمع أو حالة معينة».
- وسائل الإعلام تواجه ولكن...
كما هو معروف، تصنف الأخبار الزائفة نوعاً من الصحافة الصفراء التي تروّج لمعلومات خاطئة، فتنتشر كالنار في الهشيم بهدف خداع الناس لمصلحة «أجندات» معينة. ولقد شهدت هذه الأخبار ذروة انتشارها في لبنان، إثر اندلاع «ثورة 17 تشرين». ومن ثم تضاعفت مع انتشار جائحة «كوفيد - 19»، بحيث تكثفت نوعية الأخبار المغلوطة المتعلقة بها. وهذا الأمر دفع بالجسم الطبي إلى مكافحتها من خلال إطلالات مكثفة عبر شاشات التلفزيون.
بعدها اتخذت مكافحة هذه الأخبار منحى أكثر جدية، إلا أن قلة التوعية وتكثيف الحملات الإعلامية المطلوبة لوضع حد لها أبقت الفجوة كبيرة بين انتشارها والحد منها. واليوم، المحاولات كثيرة من قبل وسائل الإعلام لوضع حد للأخبار الزائفة؛ فشاشة «نيو تي في» أطلقت برنامج «مش دقيق» مبادرةً منها للإسهام في الحد من انتشار الأخبار الزائفة. أما «إل بي سي آي»، فأدرجت عبر صفحتها على «فيسبوك» فقرة بعنوان «للتوضيح» تصب في الهدف نفسه. كذلك أطلقت منصات إلكترونية كثيرة، وجرى تخصيص صفحات في الإعلام المكتوب لهذه الغاية، ومن بينها منصة «مهارات» (فاكتو ميتر)، وهي عضو في «الشبكة الدولية للتحقق من المعلومات» (IFCN). والهدف هو التحقق من تصاريح ووعود المسؤولين، مع تزويد المواطنين بالمعلومات التي يحتاجون إليها لمراقبة مدى دقة المعلومات التي يوردها المسؤولون في تصريحاتهم، ومدى التزامهم في تطبيق السياسات التي وعدوا بها.
أما «وكالة الصحافة الفرنسية»، فخصّصت قسماً دولياً في هذا الخصوص (فاكتويل - أ.ف.ب) تقدم من خلاله خدمة خاصة لمكافحة الأخبار المغلوطة، وتنشر معلوماتها حول العالم، بنحو 24 لغة، وبينها العربية.
ولكن، مع كل هذه التحركات والمحاولات الجادة، فإن الإعلام لا يزال يحتاج إلى أعمدة أساسية تساعده في الحد من تفشي هذه الأخبار؛ فالبعض يطالب الوزارات المعنية بضرورة قيام مسؤوليها الإعلاميين بتصحيح أي أخبار مغلوطة تتعلق بوزارتهم. في حين يرى البعض الآخر أن المسؤولية تقع أيضاً على المواطن نفسه، فعليه أن يكون أكثر وعياً ودقة عند تلقّفه خبراً ما، وإلا فهو مشارك بشكل غير مباشر في صناعة هذه الآفة.
- أدوات مكافحة الأخبار الزائفة
التعرف على الأخبار الزائفة يتعلق مباشرة بالمنطق الذي يتمتع به المتلقي؛ فعليه ألا يتسرع في تصديق أي خبر يصل إليه، بل يسأل نفسه إذا ما كان الموضوع مستغرباً فيلحق مصدره. وبذا، فإنه يتحول إلى محقق من نوع آخر ويركن إلى وسائل إعلام معروفة بمصداقيتها، إذا ما كانت أوردت الخبر نفسه أو العكس.
طلاب الإعلام في منصة «صواب»، تابعوا ورش عمل متتالية نعرّفوا خلالها على كيفية التعامل مع الأخبار الكاذبة. وهو يقول أحد المدربين لـ«الشرق الأوسط»: «على المتلقي أو حتى الإعلامي، كي لا يقع في فخ هذه الأخبار، أن يتعرف إلى الأدوات التي تسهم في الحد من انتشارها؛ فتكون عنده خلفية عن أسماء المنصات والصفحات والتطبيقات المختصة بتصويب الأخبار والتحقق منها. وبمجرد تلقيه فيديو مصوراً أو صورة فوتوغرافية مثلاً عليه العودة إلى توقيت نشرها، وما إذا كان التاريخ يتطابق مع عملية نشرها على مواقع أخرى وفي الوقت الصحيح. وإذا ما ورد خبر يحكي عن وجود مليون شخص في مظاهرة، على المتلقي أن يحقق بالمساحة التي تستوعب هذا العدد، وما إذا كان مكان التجمع يتسع في الواقع لهم أو لا. وهناك تطبيقات تساعد في اكتشاف الحقيقة في مواضيع مماثلة وغيرها، بينها «غوغل ماب»... فالمواطن العادي ولمجرد تشكيكه بخبر ما يمكنه أن يعود إلى المصدر الأساسي، وإلى وسائل إعلام تملك المصداقية، وليس الدكاكين».
وبرأيه أنه صار «المطلوب حتى من الإعلامي المحترف التحقق من أي خبر يصل إليه، لأنه يسهم في انتشار الزائف منها بصورة غير مباشرة. وأحياناً توجد حسابات مزيفة لشخصيات معروفة تنقل تغريداتها بعض وسائل الإعلام من دون أن تتحقق من العلامة الزرقاء (verification) التي تؤكد رسمياً أنها تابعة لهذه الشخصية؛ فالوعي مطلوب من وسائل الإعلام تماماً كما من المواطنين العاديين».
- التجارة بالأخبار الزائفة
من ناحية ثانية، ما لاحظه الخبراء والعاملون في مجال مكافحة الأخبار الزائفة هو أن السبب الأول في انتشارها يُنسب إلى الإيرادات المالية الكبيرة التي يحصدها صُنّاعها.فكلما شوهدت الصفحة «فيوير» التي تنشر الخبر ازداد ربحها. حتى إن هذا الأسلوب التجاري صار رائجاً في مختلف دول العالم، كما في السويد والنرويج وألمانيا وفرنسا وغيرها. وعندما يسمع صاحب الصفحة خبراً معيناً ينشره من دون التأكد من صحته، فقط من أجل جذب العدد الأكبر من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يحقق أقله 100 ألف مشاهدة قبل أن يستوعب الناس أنه خبر مغلوط. وبهذا الوقت يكون قد جنى إيرادات مالية لا يُستهان بها.
أما نسبة الأخبار الزائفة المنشورة يومياً في المنطقة العربية، فتصل إلى 80 خبراً في الشهر الواحد، وهذه نسبة كبيرة في ظل الفوضى العارمة التي تسود وسائل الإعلام، خصوصاً بسبب المواقع الإلكترونية المنتشرة بشكل كبير، التي لا رقابة جدية عليها.أما السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا هو: هل أساليب المكافحة هذه أسهمت في تراجع انتشار الأخبار الزائفة؟
يجيب خالد صبيح، المسؤول عن خدمة تقصي صحة الأخبار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «وكالة الصحافة الفرنسية»، بالقول: «ليس هناك من دراسات تؤكد نسب تراجع انتشار الأخبار المغلوطة. ولكن في المقابل توجد تحركات كثيفة في هذا الشأن صارت متبعة في جميع أنحاء العالم للحد من انتشار الخبر الكاذب».
وعن سبب تبني اللبنانيين موجات الأخبار الكاذبة أسوة بغيرهم من الشعوب الأوروبية والعربية، يوضح صبيح أنها «الرغبة الكبيرة في الحصول على معلومة حول موضوع مقلق (أمني أو صحي أو بيئي وغيره)... وكذلك الرغبة في العثور على تفسير للأحداث أو الظواهر يوافق القناعة الشخصية».ثم يقول عن طبيعة الخدمة المسؤول عنها: «منذ 5 سنوات أطلقت (وكالة الصحافة الفرنسية) خدمة خاصة لتقصي صحة الأخبار المتداولة. وفي عام 2019، بدأت الخدمة بالعربية.
وهناك نوع من العقود مع مواقع التواصل الاجتماعي لمراقبة الأخبار. يرصدون الخبر الكاذب ويصححونه بأدلة وقرائن، ومن ثم يُعاد نشره على الموقع نفسه الذي أوردها».وبحسب خالد صبيح، فإن موضوع تقصي صحة الأخبار أصبح شائعاً بشكل ملحوظ في العالم. وحضر كـ«تراند» مشهور يوفر للناس فرصة التأكد من صحة الخبر المتداول، ثم إن الوعي، ومعرفة أصول التشكيك بخبر معين، ولّدا الفرق بين الماضي والحاضر.
قد يهمك ايضاً