بغداد - نهال قباني
دعا الرئيس السابق لحكومة إقليم كردستان، برهم صالح، إلى تشكيل “حكومة انتقالية” في الإقليم تكون “قادرة على تجاوز الإشكاليات الناجمة عن الاستفتاء، وتكون ذات شرعية، وتحظى بثقة المواطن الكردي” لإدارة الحوار مع بغداد، مشيرًا إلى أنه طالب الحكومة الاتحادية بـ”منع التجاوز على المدنيين” من “الحشد الشعبي”، وأكد أن “الكرد والعرب في العراق لا يمكن جرهما إلى احتراب على أساس اجتماعي قومي أو طائفي”، لكنه حذر من أن “الحدود التي ترسم بالدم تزال بالدم أيضاً، وموازين قوى الأمس فرضت أمراً واقعاً، وموازين اليوم تحدد واقعاً جديداً قابلاً للتغيير بتبدل الموازين الميدانية غداً”.
وأضاف صالح أن “سياسة فرض الأمر الواقع لا تجدي نفعاً، بل إن حسن الإدارة في هذه المناطق، ومحاربة الفساد وإنعاش اقتصادها، هو مدخل الحل الدائم على أساس اتفاق شامل مستند إلى الدستور”، ودعا إلى تشكيل “حكومة انتقالية” في إقليم كردستان تكون “قادرة على تجاوز الإشكاليات الناجمة من الاستفتاء وتكون ذات شرعية وتحظى بثقة المواطن الكردي وتتولى مسؤولية إدارة الحوار مع بغداد” إزاء القضايا المتنازع عليها، وقال: “الرؤية السياسية التي تأسست عليها العملية السياسية في العراق عام 2003 لم تعد قادرة على الدفع بالبلد إلى الأمام”، وإذ أشار صالح إلى أنه طالب الحكومة الاتحادية في بغداد بـ”منع التجاوز على المدنيين” من “الحشد الشعبي”، أكد: “الكرد والعرب في العراق لا يمكن جرهما إلى احتراب على أساس اجتماعي قومي أو طائفي”، لكنه حذر من أن “الحدود التي ترسم بالدم تزال بالدم أيضاً، وموازين قوى الأمس فرضت أمراً واقعاً، وموازين اليوم تحدد واقعاً جديداً قابلاً للتغيير بتبدل الموازين الميدانية غداً، وسياسة فرض الأمر الواقع لا تجدي نفعاً، بل إن حسن الإدارة في هذه المناطق، ومحاربة الفساد وإنعاش اقتصادها، هو مدخل الحل الدائم على أساس اتفاق شامل مستند إلى الدستور”.
وصالح كان عضواً في “الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة الرئيس الراحل جلال طالباني، وشغل صالح رئاسة حكومة إقليم كردستان لخمس سنوات، ثلاث منها في السليمانية منطقة “الاتحاد الوطني” ثم في الحكومة الموحدة في أربيل، وشغل منصب نائب نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وعمل وزيرا للتخطيط، وأسس قبل فترة “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة في العراق”.
وأعلن صالح أنّه "يجب أن نعيد تعريف مصطلح “الأكراد” في سؤالك، حتى نرى إذا كانوا أخطأوا أم لا، المشكلة كما أراها هي الدمج في مرحلة تاريخية خطرة يمر بها الكرد، بين الشعب والقيادات السياسية، إن قرار الاستفتاء تبنته القيادات السياسية، وأعلنت صراحة أنها تتحمل المسؤولية، وأن المضي في القرار وسط أجواء رفض إقليمي ودولي ومن دون تفاهمات داخلية واضحة كردية - كردية ولا حتى على مستوى التفاهمات المطلوبة مع بغداد، مسؤولية تقع على عاتق الأحزاب والقوى السياسية التي تبنت الاستفتاء وأصرت عليه، من الواضح أنها أيضاً، فشلت قبل قرار الاستفتاء في إرساء مؤسسات راسخة للقرار السياسي وفي التأسيس للحكم الرشيد العادل الذي يحظى بثقة المواطنين، إن منظومة الفساد والمحسوبية المهيمنة على الحكم في الإقليم هي من الأسباب الرئيسية ألتي أدت إلى التشويش الذي أصاب عملية القرار، لا يمكن تجاهل مسؤولية الإخفاقات المتراكمة على صعيد منظومة الحكم في العراق، هذه المشكلات التي بقيت من دون حل، من موضوع المناطق المتنازع عليها إلى الشراكة في القرار وغير ذلك، هي سياق لا يمكن تجاهله وهي من الأسباب التي دعت إلى تفجر المشكلات الحالية، هناك خلل بنيوي رافق العملية السياسية في العراق جعله محكوماً بدوامة الأزمات التي لا تنتهي، أزمة تؤدي إلى أزمة أشد، وهي أزمة عامة وعراقية، أزمة مع الكرد ومع أهلنا في البصرة والحلة والموصل، أزمة حكم لم يأتِ للعراقيين بما يستحقونه من أمن ورخاء، بل أنتج سوء الإدارة والفساد الذي يشكو منه المواطنون في كل أرجاء العراق، أزمة حكم جعلت رفاق الأمس الذين كانوا يقاتلون في خندق واحد من البيشمركة والقوات الاتحادية والحشد الشعبي ضد إرهابيي “داعش”، متحاربين في خندقين متقابلين".
وأشار صالح إلى أنّه "نعتقد أن الوضع الذي نقف فيه اليوم بين إقليم كردستان والحكومة العراقية المركزية، يتطلب مستويات مختلفة للحل: أولا، يجب أن يكون الحل في الداخل الكردي، وأن يتم ضمان وحدة الصف الكردي، وعدم القبول بتحويل الأخطاء التي رافقت القرارات الأخيرة في كردستان إلى كارثة صراع داخلي واقتتال واحتراب بين الفصائل الكردية المسلحة، ثانياً، خوض الكرد حواراً مفتوحاً مع بغداد، أيُّ حل مبنيّ على الانشقاق الكردي يبقى قلقاً وغير مجدٍ، والوحدة الداخلية الكردية المبنية على مراجعة عملية اتخاذ القرار وإبعاد المحسوبية والفساد عنها وإعادة ثقة المواطن الكردي بالحكم، هي المدخل الأول لأي حل، ذلك يتطلب تشكيل حكومة انتقالية قادرة على تجاوز الإشكاليات الناجمة عن الاستفتاء، وتكون ذات شرعية، وتحظى بثقة المواطن الكردي، وتتولى مسؤولية إدارة الحوار مع بغداد، هذا يتطلب اتفاق القوى الأساسية، والترفع عن الحساسيات الحزبية، وتغليب منطق المصلحة الوطنية على مصلحة الأحزاب والعوائل، ويتطلب عدم الانجرار إلى المهاترات الجانبية والسجالات العقيمة..، المطلوب تدارك الأخطاء وعدم المكابرة حول تبعات الاستفتاء، الشجاعة ليست في المغامرة بأرواح الناس وأرزاقهم، بل تستوجب مراجعة الذات والإقدام نحو الحل المنشود في بغداد، مستندين إلى الدستور، الأزمة الحالية ليست أزمة كردية فقط، الأزمة تخص العراق بعمومه، و ما يحصل اليوم هو في نهاية المطاف واحد من تداعيات عديدة لمرحلة ما بعد تنظيم داعش، وقلت مراراً منذ عام 2014 عندما احتل “داعش” مساحات واسعة من العراق، إننا أمام نهاية مرحلة وبداية أخرى، وإن الرؤية السياسية التي تأسست عليها العملية السياسية في العراق عام 2003 لم تعد قادرة على الدفع بالبلد إلى الأمام، وإن الفشل في إنتاج حكم رشيد ناجح في بغداد وأربيل معاً يعود إلى عدم رغبة القوى السياسية في مراجعة المرحلة الماضية وإرساء قواعد عمل جديدة، لهذا أعتقد، أن الحوار الكردي مع بغداد يجب ألا يقتصر على الأوضاع الكردية، ولا أن يبحث في سياقات تقاسم الحصص والنفوذ والأموال مع أحزاب بغداد بالطريقة التي سادت منذ 2003، وإنما هذه المرة يجب أن يكون الحوار حول عراق ناجح وحكم رشيد وعادل ومتزن في بغداد، ومثله في إقليم كردستان، وتكامل اقتصادي بين مناطقه المختلفة، يكسر الحواجز التي خلّفتها الشكوك وخطابات الكراهية المتبادلة، لا خيار إلا الحوار في بغداد من خلال عملية عراقية مستقلة مدعومة من المجتمع الدولي ودول الجوار، لتكريس حل مستند إلى الدستور يستهدف معالجة المشكلات المتراكمة بشكل جذري لا إعادة تدويرها وتأجيلها لتنفجر في مراحل مقبلة، يجب أن نتعظ من الماضي، الكرد شعب أصيل في المنطقة لن يكون هناك أمن واستقرار في المنطقة من دون الإقرار بحقوقهم المشروعة، ويقيناً لن يجدي فرض الأمر الواقع ومنطق القوة، هذا هو الدرس البليغ من التاريخ المعاصر للعراق، لهذا أعتقد، أن الحوار الكردي مع بغداد يجب ألا يقتصر على الأوضاع الكردية، ولا أن يبحث في سياقات تقاسم الحصص والنفوذ والأموال مع أحزاب بغداد بالطريقة التي سادت منذ 2003، وإنما هذه المرة يجب أن يكون الحوار حول عراق ناجح وحكم رشيد وعادل ومتزن في بغداد، ومثله في إقليم كردستان، وتكامل اقتصادي بين مناطقه المختلفة، يكسر الحواجز التي خلفتها الشكوك وخطابات الكراهية المتبادلة، لا خيار إلا الحوار في بغداد من خلال عملية عراقية مستقلة مدعومة من المجتمع الدولي ودول الجوار، لتكريس حل مستند إلى الدستور يستهدف معالجة المشكلات المتراكمة بشكل جذري وليس إعادة تدويرها وتأجيلها لتنفجر في مراحل مقبلة".
ونوّه صالح إلى أنّه "لدي اختلافات أساسية مع النهج السياسي والحكومي للقيادة الحالية لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”، واخترت مع كثير من الأصدقاء ممن يحملون هماً مشتركاً ورغبة بتكريس قيم العدالة والديمقراطية والحكم الرشيد في كردستان والعراق، تأسيس “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة”، وهذا التحالف هدفه معالجة الخلل في منظومة الحكم الذي ينخر فيه الفساد والمحسوبية، وإيقاف الانهيار في المنظومات السياسية في إقليم كردستان، والتجاوب مع تطلعات جيل الشباب حول مستقبل زاهر من خلال تأمين فرص العمل والتعليم والتنمية المستدامة، ومن خلال العمل على تجاوز الخطاب القوموي إلى فضاء أرحب يرى في حقوق الكرد متلازماً ومترابطاً مع الحكم الرشيد في الداخل الكردي وفي العراق وفي التواصل والتكامل مع شعوب المنطقة".
وتحدّث صالح عن تقارير عن انتهاكات يقوم بها “الحشد الشعبي” ضد الأكراد في المناطق المتنازع عليها، مششيرًا إلى أنّ "هذه التقارير مدعاة للقلق وقد طالبنا الحكومة الاتحادية بمنع التجاوز على المدنيين، أستطيع أن أؤكد بأن الكرد والعرب في العراق لا يمكن جرهما إلى احتراب على أساس اجتماعي قومي أو طائفي، وأن هناك روابط تاريخية عميقة هي من يقف اليوم بوجه خطاب الكراهية الذي يراد بكل وسيلة بثه في صفوف الناس، يمكن أن نستشهد بمئات الآلاف من العرب الذين يعيشون في ربوع كردستان بأمان وسلام وتعايش ولم يتعرضوا إلى أي مضايقات، والأمر نفسه مع مئات من الآلاف من الكرد يعيشون في بغداد وديالى وصلاح الدين والموصل، حملة خطابات الكراهية والعنف موجودة بالطبع في كل المجتمعات وواجبنا اليوم إيقافها، ومنعها من نشر الرعب والترويع في صفوف الناس، نعتقد أن القضية ما زالت في إطارها السياسي، ولم تخرج إلى نطاق شعبي، وهذه النقطة يجب أن نثمنها في وعي الناس إلى مخاطر ما يمكن أن يجره المتطرفون بكل الاتجاهات على حياتهم ومستقبلهم، ولهذا كان الناس أكثر وعياً من كثير من النخب السياسية التي حاولت الاستثمار في خطابات الكراهية، المطلوب اليوم خطوات واضحة وسريعة قائمة على أسس دستورية تبدأ بوقف العمليات العسكرية بالكامل، وسحب القطعات العسكرية والمجموعات المسلحة من المدن، والبدء بتطبيع الأوضاع على أسس القانون والدستور لحماية المدنيين وأمنهم ومصالحهم، وأن تسلم إدارة المدن وحمايتها إلى سكانها، على أن يبدأ الحوار على قواعد الدستور العراقي بلا تأخير، لنزع فتيل فتن تكبر كلما تأخرنا عن مواجهتها، قلت سابقاً إن الحدود التي ترسم بالدم تزال بالدم أيضاً، وموازين قوى الأمس فرضت أمراً واقعاً، وموازين اليوم تحدد واقعاً جديداً قابلاً للتغيير بتبدل الموازين الميدانية غداً، وسياسة فرض الأمر الواقع لا تجدي نفعاً، بل إن حسن الإدارة في هذه المناطق، ومحاربة الفساد وإنعاش اقتصادها، هو مدخل الحل الدائم على أساس اتفاق شامل مستند إلى الدستور.
واختتم صالح "يجلس المحللون وما أكثرهم هذه الأيام طويلاً على الخرائط الجامدة في محاولة فهم الاستراتيجيات ومستقبلها، وكثيراً ما يوقعهم الفهم المنقوص في سوء فهم، الاستراتيجية لا تحددها الخرائط الجامدة بل المصالح القومية للدول، إيران بلد جار، وهذه حقيقة لا يمكن تغييرها سواء من قبل إيران أو من الطرف العراقي، كما أن روابط ثقافية واقتصادية عميقة تشبك مصالح إيران والعراق، وعلى هذا الأساس لا يمكن فهم إمكانية نجاح أي استراتيجية أو فشلها بمعزل عن هذه الاعتبارات، العراق يمتلك مصالح حقيقية في التأسيس لمنظومات تعاون مشترك في المنطقة، لا تبنى على أسس طائفية أو عنصرية أو سياسية، بل على أسس المصالح المشتركة السياسية والاقتصادية وتكامل السوق الإقليمية، دول الشرق الأوسط تحتاج إلى بعضها بعضاً، وستتصاعد هذه الحاجة مستقبلاً، ولهذا عليها مد طرق التكامل الاقتصادي بينها، بدل التحدث عن ممر للمحاربين والمقاتلين، يجب الحديث عن مناطق التجارة الحرة والاستثمار المشترك ومشاريع البنية التحتية للتكامل الاقتصادي وتسهيل حركة البضائع والخدمات وتواصل الشعوب، نحن بحاجة إلى رؤية إقليمية توقف سياسات المحاور والاحترابات التي انعكست بشكل واضح في العراق وسورية بشكل مصائب وويلات وصراعات داخلية وإن المخاطر التي خلفها التدخل الخارجي للصراع الداخلي العراقي، كان لها آثار واضحة ليس على مستوى المنطقة فقط بل العالم، العراق بلد محوري وحاسم في التوازنات الإقليمية، عليه يجب التأكيد على سيادته دون أي قيمومة أو وصاية وآن الأوان أن يتم تحويل العراق من ساحة صراع القوى الإقليمية والدولية إلى ساحة توافق لإعادة الاستقرار واستئصال التطرف".