واشنطن ـ رولا عيسى
قبل حوالي ثمانية سنوات، أو أكثر قليلًا، ظهر السيناتور الأميركي باراك أوباما، المنحدر من ولاية إلينوي الأميركية، ليحمل آمال التغيير التي كان يتوق لها العالم، هكذا استهلت صحيفة "التايمز" البريطانية تقريرًا لها، الخميس، بعد وصوله إلى البيت الأبيض، حيث استدعى أوباما صورته غير المألوفة كرئيس شاب للولايات المتحدة.
ومن بوابة براندنبورغ في العاصمة الألمانية برلين، حيث قدم جون كينيدي بيانه الخاص للتضامن عبر الأطلسي عام 1963، تقدم أوباما ليحث الولايات المتحدة وأوروبا بعدم الانطواء مؤكدًا ضرورة أن يتجه العالم نحو مجابهة التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه العالم في القرن الـ21، من بينها التغير المناخي والإرهاب العالمي وكذلك مشكلة الانتشار النووي بالإضافة إلى الترتيبات التجارية التي تركت أعدادًا كبيرة من المواطنين وراءها.
ومن المعروف أنه لا توجد أمه مهما كانت قوتها أو حجمها يمكنها التغلب على تلك التحديات وحدها. كذلك لا يوجد أيضًا من يمكنه القول بأن تلك التهديدات غير واقعية أو من يمكنه الهروب من المسئولية حيال مواجهتها.
واليوم يعود أوباما إلى برلين مرة أخرى، ولكن ليس كما كان منذ ثمانية أعوام، حيث شاب شعره ربما من جراء الهموم التي تحملها إبان وجوده في البيت الأبيض طيلة ثمانية أعوام كاملة، لتكون تلك هي الزيارة الوداعية التي يقوم بها إلى ألمانيا في ظل وجودة كرئيس للولايات المتحدة.
الرئيس الأميركي لا يمكنه أن يتجاهل حقيقة مفادها أن خليفته في البيت الأبيض تعهد بتقويض إرثه تمامًا، ربما لينطبق القول المأثور المعروف في واشنطن أن "السياسة دائمًا ما تتوقف عند حافة المياه". الرئيس المنتخب دونالد ترامب اتجه إلى تشويه الإنجازات كافة التي حققها أوباما على الساحة العالمية، خلال حملته الانتخابية، من بينها اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، اتفاق إيران النووي، حزمة عقوبات أوكرانيا، مبادرة التجارة عبر الأطلسي، بالإضافة إلى الصحوة الكبيرة التي حققها حلف الناتو.
وربما ينبغي الانتظار لمعرفة ما سيفعله ترامب في المستقبل على أرض الواقع، بعدما تبدأ ولايته في شهر يناير\كانون الثاني المقبل، ولكن ربما تكون هناك إشارات غير مطمئنة، من بينها تعيين ستيف بانون في البيت الأبيض، والذي أعرب من قبل عن إعجابه الشديد باليمينية الفرنسية المتطرفة مارين لوبان، ووعدها بتقديم الدعم لها خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في العام المقبل من خلال موقعه الإليكتروني الداعم للفكر الشعبوي.
ومن هنا يمكن القول أن اليأس هو السمة السائدة في المشهد الأوروبي في المرحلة الراهنة، وبالتالي، ولم يعد يبقى أمام أوباما سوى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ليعترف بها كلاعب دولي ذو مكانة للدفاع عن إرثه، حيث أنه كان يتمنى أن يسلم الراية إلى امرأة أخرى، وهي هيلاري كلينتون، والتي كان يضع كل الآمال عليها منذ أسبوع مضى، إلا أن تقلبات السياسة ربما كان لها رأي أخر.
ويقول الخبير السياسي فران بورويل أن الانتصارات كافة التي حققها أوباما، سواء في مسالة المناخ أو الاتفاق النووي الإيراني، أو الحشد ضد الموقف الروسي من أوكرانيا أو غير ذلك كانت كلها بالتنسيق مع أوروبا، موضحًا أن العلاقة بين أوباما وميركل ليست بالسلاسة التي يتصورها البعض ولكن يكفي أنهما متوافقان في نهجهما حول الأطلنطي.
وأضاف أنه على الرغم من الانتقادات التي تعرض لها أوباما بسبب عدم إشراكه لأوروبا، إلا أن معظم إنجازاته لم تكن لتتحقق إذا ما لم يكن هناك دورًا أوروبيًا بارزًا فيها، والتي تعد ميركل الأقوى دبلوماسيًا فيها، حيث وصفها أحد مسؤولي البيت الأبيض يومًا ما أنها المرأة التي بيدها مفتاح العمل الجماعي في أوروبا.
ويوضح مجتبى الرحمن أن العلاقة ليست بهذه الدرجة من الرومانسية، حيث أن أوباما وميركل كثيرًا ما تصادما خلال وجوده في البيت الأبيض، ولكنهما في النهاية يتقاربان في قضايا الساعة الأكثر إلحاحًا. وأضاف: "لنكن واضحين، العلاقة بين أوباما وميركل لم تكن دائمًا على وئام، حيث يوجد بينهما خلافات عميقة يدور معظمها حول التقشف واليونان وروسيا والإغراق الذي تمارسه الصين، وغيرها من القضايا المهمة التي تطغى على الساحة الدولية والإقليمية، ولكن تبقى القيمة الحقيقية التي يدركها أوباما، وهي رمزية وجود نهج مشترك بين ضفتي الأطلنطي".
وتكشف التايمز أن فقدان إرث أوباما لن يكون نتيجة صعود ترامب إلى البيت الأبيض، ولكن لأن أوروبا من الممكن أن تكون بصدد حقبة جديدة تطغى عليها النزعة الشعبوية، وبالتالي ستكون الالتزامات التي سيرفضها ترامب هي نفسها التي قد يرفضها قادة أوروبا الجدد، فالأمر لا يقتصر على ألمانيا وحدها ولكنه يمتد إلى دول أخرى لا تقل أهمية، منها المملكة المتحدة وعلى الرغم من خروجها من الاتحاد الأوروبي إلا أنها مازالت تحمل لواء المبادىء نفسها التي تبناها أوباما وميركل، خاصة فيما يتعلق بالمصالح المشتركة في السياسة الخارجية.
ويؤكد المحلل السياسي إيان بوند أن سورية ما زالت تمثل فشل معنوي كبير لسياسة أوباما الخارجية، مما أدى إلى موت مئات الآلاف من البشر دون أية استجابة فعالة، كما أنها على الجانب الآخر خلقت موجات اللاجئين تسببت في زعزعة استقرار أوروبا بصورة كبيرة، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى توجه الشعوب الأوروبية نحو اليمين.