واشنطن ـ يوسف مكي
يبدو أن تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على العلاقات الدولية سيتم تدريسه للأجيال المقبلة، ولكن أولا علينا البقاء على قيد الحياة من أجل ذلك، وسط انزلاق سياسته نحو اثنين من الصراعات الرئيسية، ونتيجتهما متوقعة سلفا. ويؤكد خبراء الأسلحة النووية وقوع تدمير متبادل، وزيادة بعض الأخطار على أي حال، إذا وقع اشتباك مع كوريا الشمالية، وهو ما كانت تخشاه الإدارة الأميركية السابقة، ولكن ترامب الآن يميل إلى الصراع مع آسيا والشرق الأوسط، وسط عدم اهتمامه بشأن تغير المناخ وهو عائق كبير أمام جهود إنقاذ هذا الكوكب.
وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، حين اجتمع ترامب مع الرئيس السابق باراك أوباما، حذر الأخير ترامب من التهديد الذي يشكله البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وكان حينها زعيم كوريا الشمالية، كين جونغ أون، على الطريق الصحيح لصنع الصالروخ البالستي العابر للقارات برأس حربي نووي، ولكن ترامب غرد على "تويتر" قائلا " لن يحدث ذلك!"، ولكن فعلها جونغ، والآن لدى بيونغ يانغ قنبلة هيدروجينية، وصواريخ يمكنها الوصل إلى واشنطن.
وفي هذا السياق، خرج ترامب ليهدد بتدمير كوريا الشمالية، وسط تهدئة من وزير خارجيته جيمس تيلرسون، وتحدث مستشار الأمن القومي، ماكماستر، عن حرب وقائية، واعتبر البيت الأبيض أن كوريا الشمالية المسلحة نوويا لن تكون قابلة للردع، وبالتالي يجب مواجهتها عسكريا مهما كانت المخاطر، ويرى المراقبون الكوريون أن فرصة الصراع تتزايد في الأشهر المقبلة بنحو 50%، وهذه ليست احتمالات جيدة لنتائج هذا الصراع المرعبة.
وتأتي الصين، حيث يريد ترامب تحقيق هدفين مع بكين وهو في صميم الصراع معها، فهو يسعى لجعلها مركزا تجاريا للولايات المتحدة وساحة معركة لسياسات أميركا، وأيضا مساعدة واشنطن في كبح جماح كوريا الشمالية، ولكن كيف سيحقق ترامب ذلك ومن بين أولياته تشكيل الكثير من الجغرافيا السياسية في شمال شرق آسيا، ويذكر أن قرار الحكومة الصينية ببدء بناء مخيمات اللاجئين يشير إلى أنها تخطط لأنهيار النظام في بيونغ يانغ أو الحرب على شبه الجزيرة الكورية.
وتعد إيران من بين الأولويات الخارجية لترامب، فالعداء تجاهها من بين أحد الثوابت في سياسة ترامب الخارجية، ويبدو ذلك رغبة من ترامب في الابتعاد عن نهج أوباما تجاه طهران، خاصة بعد الاتفاق النووي في 2015، وتخفيف العقوبات، حيث رفض ترامب توثيق الاتاق في أكتوبر/ تشرين الأول، وهذا سيضع ترامب وإدارته في مواجهة مع إيران، تاركا حلفاء واشنطن التقليدين في أوروبا بعيدا، لرغبة الرئيس الأميركي في التحالف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونظيره الإماراتي، محمد بن زايد، والذي يرغب في تراجع النفوذ الإيراني في منطقة الخليج.
ويشكل ترامب ونتنياهو وبن سلمان محورا ضد سورية، ولمن ليس لديهم خطة حقيقة لمنع إيران من التقدم في دمشق حيث تتوسع، خاصة مع تراجع خطوات روسيا هناك، ومن المتوقع أن تتوسع طهران بشكل أكبر في سورية، خاصة في مرحلة إعادة بناء الجيش السوري ومشاركة حزب الله اللبناني في ذلك. وتتواجد القوة الإيرانية في قلب أفغانستان وفي جنوب لبنان مما سيعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط، وسيكون ذلك من أهم العواقب طويلة الأمد للولايات المتحدة، بجانب التحديات في العراق، وسيكون عام 2018 أكثر عداءا لواشنطن، خاصو في محاولاتها لأحتواء توسع طهران.
وتظهر روسيا على خريطة السياسة الخارجية الأميركية، ليظهر الخلاف بين فريق ترامب بشأنها، حيث رغبة ترامب في تقديم تنازلات لتحسين العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليتضح أن ترامب على خلاف مع معظم مستشاريه الكبار حيال ذلك. وفي عام 2018، يمكن التنبؤ بحدوث شيئين، إما تفوق ترامب على فريقه وتغيير مستشاريه بأكثرهم تأيديا لروسيا، أو عدم انتخاب بوتين لفترة رئاسية جديدة، وفي كلتا الحالتين يصعب وقف سباق التسليح بين البلدين.
وتظهر العلاقات الأميركية الأوروبية، وتأمل حكومة المملكة المتحدة في إقامة علاقات خاصة جدا مع واشنطن بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكنها اصطدمت بشخصية ترامب، حيث يزيد من الخوف من الإسلام في بريطانيا، مما دفع رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى توبيخه، وفي الوقت نفسه، أجبرت الخلافات العميقة حول إيران وكوريا الشمالية وتغير المناخ، إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، وأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، على رسم مسار أوروبي مستقل بشأن القضايا العالمية بعيدا عن الولايات المتحدة الأميركية، ومن المرجح أن يتسع هذا الاختلاف في عام 2018.