لندن - سليم كرم
اعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أن الاتفاق النووي مع إيران يعاني من نواقص، وإن الرياض تدعم موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من طهران، مشددًا على توجه بلاده لبناء علاقة استراتيجية مع العراق، ووصف الأزمة الحالية مع قطر بـ"الصغيرة" أمام قضايا مكافحة الإرهاب وإعادة استقرار المنطقة.
وأعلن الجبير في تصريحات أدلى بها خلال مؤتمر نظمه معهد "تشاتهام هاوس" في العاصمة البريطانية لندن أمس الثلاثاء، أن السعودية تدعم أي اتفاق يحول دون حصول إيران على قدرات نووية، ويضمن آلية تفتيش صلبة، ويشمل إجراءات عقابية في حال عدم التزام طهران. وقال: هذا ما وُعدنا به عند توقيع الاتفاق.
لكن ما شهدناه منذ ذاك هو استغلال إيران قدراتها، والإيرادات التي حصلت عليها بعد رفع العقوبات لتعزيز سلوكها العنيف في منطقة الشرق الأوسط، سواء كان في سورية أو العراق أو اليمن أو باكستان وأفغانستان أو أفريقيا. وتابع الجبير أن الاتفاق يشمل نواقص ونقاط ضعف كثيرة، أبرزها أنه يسمح لإيران بالحفاظ على جزء من قدرات تخصيب اليورانيوم، كما أن الاتفاق لم يحد قدراتها في مجال البحث، فضلا عن بند "سانتس كلوز" الذي يرفع القيود عن عدد أجهزة الطرد المركزي الغازي المستخدمة في تخصيب "اليورانيوم" التي تستطيع إيران توظيفها بعد 12 عاما من توقيع الاتفاق النووي. ويرى الجبير أن هذه العيوب في الاتفاق النووي ستتيح لإيران التي تستمر في تطوير قدراتها البحثية والتي ستستأنف تخصيب اليورانيوم بعد 10 سنوات من اليوم أن تصنع قنبلة نووية خلال أسابيع.
وأوضح الجبير أنه ينبغي اعتماد عمليات تفتيش أكثر صرامة في إيران، بما يشمل مواقع عسكرية وأخرى غير معلنة، كما ينبغي مراجعة "بند الجروب". وتابع أن هذا الطرح يتوافق مع موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ندعمه بقوة. كما ندعم دعوته لتحميل إيران مسؤولية دعمها للإرهاب، وبرنامجها الصاروخي الباليستي. وسلط الجبير الضوء على أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار دول المنطقة وعلى دعمها وتمويلها للإرهاب ومهاجمة وتفجير سفارات وتدخلها في شؤون الدول، ووصف ذلك بغير المقبول وبأنه ستكون له عواقب على الإيرانيين. وشدد: هذا ما قاله الرئيس ترمب ونحن وحلفاؤنا في المنطقة ندعمه في ذلك.
وفي رد على داعمي الاتفاق النووي الذين يرون أن المجتمع الدولي قد يفرض عقوبات جديدة على طهران بعد مرور 10 سنوات، قال الجبير إن إيران ستكون قد طورت المواد اللازمة لتصنيع قنبلة نووية، وإنها ستصنع قنبلة ثانية في انتظار فرض هذه العقوبات، وأكثر من 10 قنابل حتى يظهر أثر هذه العقوبات. إلى ذلك، لفت الجبير إلى الجهود التي يبذلها الكونغرس الأميركي حاليا لفرض عقوبات على إيران على خلفية دعمها للإرهاب وبرنامجها الباليستي، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم هذه الجهود لتوجيه رسالة واضحة لطهران.
وفي سياق آخر، تحدّث الجبير عن العلاقات السعودية العراقية، وقال إن لها أبعادا جغرافية العراق بلد جار وتاريخية وعائلية وقبائلية، كما أن البلدين عربيان ومصدران للنفط. وأرجع الجبير تعثّر العلاقات بين البلدين في السابق إلى أن النظام السياسي في العراق لم يكن ودودا تجاه السعودية في الستينات والسبعينات والثمانينات، ثم جاء الغزو العراقي للكويت وتلاه الاجتياح الأميركي للعراق. في المقابل، اعتبر الجبير أن العلاقات السعودية العراقية تتجاوز البعد السياسي. وتوقف عند العلاقات العائلية بين الرياض وبغداد، وقال إن عائلات هاجروا من الجزيرة العربية قبل مئات السنين إلى العراق عاد عدد منهم بعد تأسيس الدولة السعودية الثالثة من طرف الملك عبد العزيز. وبالتالي، فإن كثيرا من عائلاتنا تجمعهم علاقات عائلية بالعراق، كما أن كثيرا من القبائل تمتد إليه.
وأوضح الوزير السعودي أنه بناء على هذا التقارب مع العراق، قرر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التعاطي مع العراق والانفتاح عليه. وبدأ ذلك عبر سلسلة من الزيارات المتبادلة على مستويات رفيعة، توّجت بإنشاء مجلس تنسيقي سعودي - عراقي، كما فتحنا معابر حدودية واستأنفنا الرحلات التجارية، وسنفتتح قنصلية ثانية في النجف وأخرى في البصرة. وتابع وزير الخارجية: نود أن نتعاون مع العراق على كل المستويات. ونعتقد أن ذلك سيساهم في استقرار المنطقة وفي دعم العراق، لافتا إلى أن العراق بلد غني، ليس بحاجة إلى مساعدات بل إلى استثمارات للتعافي من فترة صعبة بدأت منذ حرب صدام على الكويت وحتى الحرب ضد "داعش".
وعن دور إيران في العراق، قال الجبير إن إيران تريد أن تسيطر على العراق، فيما تود السعودية دعم العراق في التعافي وتعزيز العلاقات معه. وتابع: ندعم جميع العراقيين، لا نفرق بينهم على أساس العرق أو الدين. ونحاول العمل معهم جميعا لدعم عراق موحد.
وعلى صعيد الأزمة السورية، قال الجبير: إننا نود الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعلى مؤسسات الدولة، وعلى حقوق جل المجموعات العرقية في البلاد، فضلا عن دعم سورية في تحقيق مستقبل أفضل وأكثر استقرارا. ورأى أن المجتمع الدولي متفق على هذه الأهداف، ويبقى التحدي في كيفية تحقيقها، وهو ما سيناقش في اجتماعات مقبلة.
وعن حل الأزمة مع قطر، قال الوزير السعودي إن الكرة في ملعب الدوحة. وأوضح: نحن نقول لا لدعم الإرهاب وتمويله، لا لإيواء إرهابيين مطلوبين وممولين للإرهاب مدرجين في لوائح أممية وأميركية، لا للتحريض وخطاب الكراهية، ولا للتدخل في شؤون دول أخرى. وتابع الجبير أنه من غير المقبول أن تستخدم منصات إعلامية لتبرير عمليات انتحارية من لدن شخصيات دينية كبيرة، واستطرد: ذلك لا يساعد حربنا على التطرف والإرهاب.
وذكّر الجبير بالوعد الذي قطعته قطر في 2014 باتخاذ سلسلة خطوات (في اتجاه وقف سلوكها المزعزع للدول الجارة)، لكنها لم تطبقها، ما دفع الدول الأربع المقاطعة إلى اتخاذ إجراءات ضدها. وأوضح: قطر دولة في حالة إنكار. لا تريد الاعتراف بأن لديها مشكلة، وبالتالي لا تعتقد أنه ينبغي معالجتها. ولفت الجبير إلى الإجراءات التي اتخذتها قطر منذ بدء المقاطعة، وقال: لقد وقعوا (القطريون) مذكرة تفاهم مع واشنطن حول مواجهة تمويل الإرهاب، وسمحوا لمسؤولين في الخزانة الأميركية بمعاينة نظامهم المصرفي، كما غيروا قوانينهم للسماح لحكومات أجنبية بتقديم دلائل، وهي كلها خطوات اعترضوا عليها في السابق.
واستطرد الجبير: نحن في السعودية، كانت لدينا مشكلة واعترفنا بها. اليوم، لدينا سياسة صارمة ضد التطرف وتمويل الإرهاب، كما جددنا منظماتنا الخيرية وغيرنا نظامنا المصرفي، وراجعنا نظامنا التعليمي وأوقفنا الدعاة المتطرفين ونعاقب المخالفين منهم». أما القطريون، وفق الجبير، فيعيشون حالة إنكار.
وفي رده على سؤال حول تأثير الأزمة مع قطر على ثقة المستثمرين، قال الجبير إن المشكلة مع قطر صغيرة للغاية. نحن نتعاطى اليوم مع قضايا ضخمة مثل تطوير البلاد (وفق رؤية 2030)، ومواجهة تحدي إيران والتطرف العنيف والإرهاب، ومعالجة الأزمة السورية واليمن ودعم العراق وإعادة استقرار ليبيا. كل هذه القضايا أهم من قطر. الأزمة مع الدوحة صغيرة جدا، ينبغي على القطريين أن يتخذوا خطوات معينة لتغيير سلوكهم ووقف تصرفاتهم المقوضة لمجهوداتنا (في مكافحة الإرهاب)، وستعود الأمور إلى طبيعتها.