بيروت - لبنان اليوم
لم تخرج ترددات جلسة الاثنين الماضي لمجلس الوزراء عن التوقعات التي تركزت خصوصا على الصدع الواسع الذي تسببت به بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، ولكن بدا واضحا عمق الأثر الذي خلفته هذه الجلسة في صفوف “الممانعين” مع التصعيد الذي طبع المواقف التي اعلنها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب #جبران باسيل ضد حلفائه اكثر منه ضد خصومه من جهة، وتبرؤ حزب الطاشناق من مسؤوليته عن حضور الوزير جورج بوشكيان الجلسة مؤمنا نصابها القانوني.
ذلك انه على غرار موجات تباينات سابقة حصلت بين طرفي “تفاهم مار مخايل”، تصاعد غبار الخلاف الذي برز بقوة بينهما على خلفية الجلسة الحكومية، ولكن الاحتقان الذي عكسه باسيل في مؤتمره الصحافي امس اكتسب دلالات إضافية هذه المرة يمكن ان تشكل علامة فارقة عن السابق. فهو كاد للمرة الأولى ان يبلغ سقف التلويح بالطلاق ولكنه لم يبلغ ذلك، فاستعاض عن احراق الجسور بالتهويل باللامركزية الموسعة “على الأرض”. كما انه في حين حمّل “مشغلي ميقاتي” تبعة الجلسة الكاسرة “للميثاقية والدستور” لم يسم مرة حليفه “حزب الله” واكتفى بالتصعيد التلميحي.
واما الدلالة الثالثة فكانت في تلويحه بتسمية مرشح رئاسي من لدن التيار بمعزل عن “حزب الله”، ولكنه أيضا لم يقرن ذلك بالصدقية الكافية التي تثبت فض “شراكة المسار والمصير” بين طرفي تفاهم مار مخايل. اذن كانت جولة تهويل كلامية تحتاج الى الكثير من الاثباتات والافعال والقرارات لكي تغدو قابلة للتصديق أولا وللترجمة العملية ثانيا. وستتجه الأنظار في الفترة الطالعة الى رصد مفاعيل هذه الترددات والعمق الحقيقي لترجمتها، علما ان الخلفية الرئاسية تكمن في الحيز الأكبر من خلفيات ودلالات هذا التباين الأقوى واقعيا بين الحليفين منذ ولادة التفاهم من دون ان يعني ذلك التسليم مسبقا بصدقية ايحاءات الفراق او الطلاق او الخلاف التي تعمد باسيل ابرازها امس. واما ما ينبغي الإشارة اليه وسط هذا المناخ فهو ان ترددات الجلسة الحكومية لعبت دورا مؤثرا في الغاء الجلسة النيابية التي كانت مقررة اليوم للبحث في موضوع الادعاء على ثلاثة وزراء اتصالات سابقين وذلك تحت وطأة شمولية رفض الكتل والأحزاب المسيحية لانعقاد أي جلسة لمجلس النواب خارج اطار كونه هيئة انتخابية لانتخاب رئيس الجمهورية .
باسيل
وقد اعتبر باسيل في مؤتمره بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي” ان جلسة مجلس الوزراء الاثنين “غير دستورية وغير شرعية وغير ميثاقية” ووصفها بانها “اعدام للدستور وضربة قاتلة للطائف وطعنة باتفاق وطني حصل واعلن عنه في مجلس النواب”. وقال “اعلنوا امس انهم يصدرون مراسيم بلا توقيع رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعاً الذي تناط به صلاحيات الرئيس بحسب المادة 62 من الدستور” مشدداً على “اننا لن نقبل بما جرى والموضوع لن يمر ولا احد يتعاطى معنا بأقل من ذلك وما حصل ليس اقل من سطو على موقع #رئاسة الجمهورية عن سابق اصرار وتصميم”. ورأى ان “ما حصل يؤكد ان المطلوب من نجيب ميقاتي كان عدم تأليف حكومة وهذا ما ابلغناه للجميع عندما رفضنا التسمية”.
واشار الى ان “ثلث الحكومة لم يكن مشاركاً والحكومة غير مكتملة المواصفات والبعض قرر تغييب مكون عن مجلس الوزراء ولا احد يستطيع ردنا الى ما قبل 2005″، مضيفاً “العودة الى ما قبل 2005 تتطلب اما نفياً واما سجناً او قتلا وطالما نحن احياء لا عودة الى تلك المرحلة”. وتحدث عن “اتفاق مسبق على هذه الجلسة ولو لم يحصل ذلك لما تجرأ ميقاتي على الدعوة ومشكلتنا ليست معه بل مع مشغليه”، قائلاً:” دورنا هو سلاحنا ولا تنازل عنه، الواضح ان المطلوب هو الاستفزاز وكسر الارادة وضرب التوازن الذي تحقق على عهد الرئيس العماد ميشال عون بعد نضال طويل للتيار والتكتل”. واكد انه “اذا كان احد يظن انه يضغط علينا في الموضوع الرئاسي نقول له: لن ينفع، هذا الامر يؤدي الى تصلب اكبر” وطالب “اما بالعودة عن القرارات او اسقاطها قضائياً وفرض الامر الواقع لن نقبل به، وعدد الثلث او الثلث زائداً واحداً ليس الاساس لأن التعاطي مع الحكومة كأن الوضع طبيعي هو امر غير مقبول”. وقال “موقفنا قوي واقوى ما فيه ان فيه شركاء وطنيون لم يخذلوا لبنان وصيغته وعيشه المشترك ولا مرة… ابن سلام وابن ارسلان وقفوا دائماً مع ما يحفظ الميثاق والصيغة… مشكلتنا مع الصادقين الذي نكثوا بالاتفاق وبالوعد والضمانة، وهذه ليست المرة الاولى اقله في الفترة الاخيرة، من انتخاب المنتشرين والانتخابات بحد ذاتها الى الحكومة”.
وقال: “لا اعتقد ان هناك من يصدق اليوم ان هذه المواجهة هي مع الميقاتي. المشكلة هي مع من قالوا صراحة ان مجلس الوزراء ينعقد والمراسيم لا تحتاج لتوقيع جميع الوزراء وهم في السابق لم يقبلوا الا بتوقيعها من جميع الوزراء”، وتابع “المشكلة هي مع من اوقف مجلس وزراء كامل الصلاحيات اربعة اشهر بوجود رئيس جمهورية لأن هناك موضوعاً من خارج صلاحيات مجلس الوزراء اتوا به وقاموا بمشكل ولم يحضروا وعدم حضورهم ادى الى عدم عقد جلسات الم يكن هناك حاجات انسانية يومها؟ … وقفنا معهم سنتين في الشارع ايام الحكومة التي سميت بالبتراء. فهل تصبح الحكومة اليوم ميثاقية بوجود سعادة الشامي ونجلا رياشي؟ الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء: سواء كانت وطنية ام حزبية”. معتبراً ان “ما حصل امر كبير ولن نحضر مجلس النواب اذا لم نجد حاجة وطنية كبيرة تقتضي هذا الامر وسنسعى اكثر واسرع للخروج من قضية الورقة البيضاء والذهاب لمرشح رئاسي”. وقال: “مش ماشي الحال ابداً… ويجب البدء جديًا باللامركزية الموسعة ان لم يكن بالقانون بعد 30 سنة من الطائف نبدأها على الارض”.
وسبق كلام باسيل اعلان الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان تبرؤ الحزب من موقف الوزير بوشكيان اذ قال أنّ “حزب الطاشناق ليس حصان طروادة وأنّ الحزب اتّخذ القرار بعدم المشاركة في الجلسة والوزير لم يلتزم”. وأضاف “من يعرف حزب الطاشناق وتاريخه وسياسته، يعلم أننا لا نوزّع أدوارا ، اتّخذنا القرار وكان من المفترض أن يلتزم الوزير جورج بوشكيان بالقرار لكنه لم يقم بذلك لمصالح خاصة”. وتابع ” للوزير بوشكيان شركة لاستيراد أدوات طبّية وبالطبع أن المستشفيات طلبت من الوزير الدفاع عن حقوقها فارتأى أن يحضر”. وأكّد بقرادونيان ان بوشكيان ليس حزبيًا لكن ما حدث لن يمر مرور الكرام وفي الوقت نفسه لن نستبق الأمور لأن القرار ليس عندي بل عند اللجنة المركزية”.
وعقب هذه التطورات طارت جلسة الهيئة العامة التي كان دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم لمناقشة العريضة الاتهامية في حق ثلاثة وزراء سابقين للاتصالات. اذ في ضوء إجماع القوى المسيحية البارزة على عدم المشاركة لان المجلس هيئة انتخابية فقط في ظل الشغور، اعلن نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بعد اجتماع لهيئة مكتب المجلس في عين التينة تأجيل الجلسة بعدما تمنت الهيئة على رئيس المجلس ارجاء الجلسة .
زيارة ماكرون
وسط هذه الأجواء أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين انه تم تأكيد عقد مؤتمر بغداد 2 في عمان الذي اعد له الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع العاهل الأردني الملك عبدالله في 20 من الشهر الحالي. ونتيجة هذا المؤتمر قد تؤثر على قرار الرئيس الفرنسي بالتوجه الى لبنان او العدول عن ذلك. وقد تراجع احتمال زيارةالرئيس الفرنسي الى لبنان لمعايدة الجنود الفرنسيين في قوة حفظ السلام للأمم المتحدة لمصلحة معايدة الجنود الفرنسيين الموجودين على حاملة الطائرات الفرنسية الموجودة في خليج العقبة .
علما ان احتمال الزيارة ما زال قيد التفكير لدى الرئيس الفرنسي الذي في حال قرر زيارة لبنان قد يتوجه الى البلد لتوجيه الرسالة الفرنسية بحزم ان انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة واجراء الإصلاحات هي الطرق الوحيدة للخروج من انهيار لبنان الحالي . فليس لباريس مرشح رئاسي معين وفرنسا لا تعارض سليمان فرنجية كما لا تعارض قائد الجيش العماد جوزف عون ولكن أيا من المرشحين للرئاسة ليس لديه الوفاق المطلوب. فباريس تقول ان المطلوب رئيس يمثل وحدة لبنان ويجمع وتكون لديه قدرة للقيام بعمل جيد مع رئيس حكومة لوضع الإصلاحات المعروفة والمطلوبة دوليا. ويتساءل مصدر فرنسي رفيع كيف صمد لبنان وخرج من الحرب الاهلية دون أي عجز مالي و يصل الى الوضع المالي الحالي، فهذا يعني ان الطبقة الحاكمة نهبته منذ ١٩٩٠ الى ان مات ماليا اليوم. ومن الصعب ان يعود ماكرون ويتدخل مع اللاعبين على الساحة الذين يرفضون انقاذ بلدهم والخروج مجددا دون نتيجة . ولكن اذا قرر التوجه الى لبنان لمعايدة الجنود الفرنسيين قد يقول للطبقة السياسية ما لديه من مآخذ و تحذير من ترك الوضع يتدهور الى ما لا نهاية.
قد يهمك ايضاً