الدكتور عبدالرحيم المنار أسليمي
الرباط ـ منال وهبي
أكد رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات وأستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في العاصمة الرباط الدكتور عبد الرحيم المنار أسليمي، أن الانتخابات التشريعية الجزئية، التي جرت الخميس الماضي
، تعيد قراءة المشهد السياسي.
وقال الكتور أسليمي، في حديث خاص مع "العرب اليوم"، أن الانتخابات الجزئية، التي أسفرت عن فوز الائتلاف الحكومي بغالبية المقاعد المتنافس عليها، على الرغم من كونها تبدو غير ذات أهمية، من حيث عدد المقاعد المتنافس عليها، إلا أنَّ قراءتها داخل المسلسل السياسي الذي يجتازه المغرب، بعد مرور سنة على صعود حكومة "العدالة والتنمية"، يجعلها ذات أهمية خاصة، حيث تقدم مجموعة من الرسائل السياسية.
وأوضح الدكتور أسليمي أن الرسالة الأولى تكمن في أن الحزب الحاكم قد نجح في الاختبار السياسي الثالث، ليعطي "الشفاعة السياسية" لحزب سياسي صغير، في إشارة إلى دعم حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي لحزب "التقدم والاشتراكية"، حيث قال "إِنَّ حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) يجتاز بنجاح التمرين السياسي الثالث، بعد وصوله إلى الحكم في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، على الرغم من أن الفاعلين السياسيين الموجودين في المعارضة ظلوا يبشرون ببداية سقوط حزب العدالة والتنمية، فإن انتخابات الخميس الماضي، توضح أنه بات يتدرج نحو التحكم في التوازنات السياسية في المغرب، وأنه انتقل إلى ممارسة ما يمكن تسميته بالشفاعة السياسية لأحزاب أخرى، فقدرته على تدعيم مرشح حزب التقدم والاشتراكية، في دائرة صعبة كاليوسفية، بكل دلالتها السوسيولوجية والسياسية، تبين أنَّ حزب العدالة والتنمية، نجح في تجربة، لم تستطع أن تنجح فيها مكونات ما كان يسمى بتحالف مجموعة الثمانية في الانتخابات ذاتها، حين لم تستطع تحالفاتها الميدانية في دائرة عين الشق أو أزيلال أن تفرز مقاعد نيابية لأحزاب صغيرة، وهذه الجاذبية الجديدة، ستجعل أحزاب صغيرة أخرى تسعى إلى الاقتراب من العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية المقبلة".
وتتلخص الرسالة الثانية، التي بنيت على قراءة نتائج الانتخابات الجزئية، حسب الدكتور أسليمي في توسع حزب "العدالة والتنمية" باتجاه المناطق الهامشية، حيث أشار قائلاً "على الرغم من ارتباط الحزب الحاكم بظاهرة انتخابية حضرية، فإن فوزه بالمقعد النيابي لدائرة مولاي يعقوب، يوضح أنه يوسع مشاتله الانتخابية، في مواقع كانت تسيطر عليها إما الأحزاب التاريخية أو الأحزاب المسماة بالإدارية سابقًا، وهو مظهر مخالف للاعتقادات التي كانت تقول إن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، وحالة الاحتجاج الموجودة في المجتمع اليوم ستقوده إلى الانحصار والتراجع، وهي المفارقة التي تدعو إلى إعادة قراءة مضمون رسائل هذه الاحتجاجات، التي تُفَسَرُ سطحيًا بأنها ضد حكومة عبد الإله بنكيران.
واعتبر الأكاديمي أسليمي أن الرسالة الثالثة تتضح من خلال عودة الاحتجاج على وزارة الداخلية، ومؤشرات مخاطر مقبلة في الانتخابات الجماعية، حيث أضاف قائلاً "إنَّ نتائج الانتخابات التشريعية قد حققت فوز حزب الحركة الشعبية بمقعدين، وهو الحزب الذي عرف تراجعًا كبيرًا أثناء انتخابات 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ولم يعرف تغييرات تنظيمية بعد سنة على دخوله الحكومة، الأمر الذي يجعله يستفيد رمزيًا من قيادته لوزارة الداخلية، وذلكَ شيء عادي ومتوقع، على اعتبار أنَ النخب والأعيان المحلين يتبعون جاذبية وزارة الداخلية، التي فتحت أمامهم، من خلال دخولها إلى مرحلة القيادة الحزبية، فرضية الاحتجاج الذي بدأه حزب الاستقلال ضد الحركة الشعبية بعد حصولها على مقعدين في هذه الانتخابات الجزئية".
كما أكد الدكتور أسليمي بُعد فرضية التدخل التي يحتج بها حزب "الاستقلال"، حيث قال "تستعصي وزارة الداخلية على الحزبية، بالرغم من حزبيتها، نتيجة تراكمات تاريخية وموارد بشرية، لازالت مرتبطة بفكرة وزارة السيادة، فإن قراءة احتجاج حزب الاستقلال بطريقة مستقبلية، يحمل بوادر احتجاجات مقبلة، ستقود بعض الأحزاب إلى عدم قبول نتائج الانتخابات الجماعية المقبلة، سيما وأن أحزاب المعارضة باتت تبحث عن كل الممكنات للاحتجاج على حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية، الذي ستشرف حكومته على تنظيم الانتخابات الجماعية المقبلة، في حين تشير الانتخابات في المغرب للعودة إلى احتجاجات ماقبل سنة 2002".
وقال الدكتور أسليمي عن الرسالة الرابعة أنها "تكمن في تدني معدلات المشاركة، الأمر الذي يطرح مخاطر عودة مساحات فارغة، لا أحد يعرف من يؤطرها، ويرجع ذلك إلى أن معدلات المشاركة تظل ضعيفة مقارنة مع الارتفاع النسبي الذي عرفته انتخابات 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بمعنى أن أدوات التعبئة التي اشتغلت عليها الدولة والأحزاب السياسية في عام 2011، باتت تتآكل، ويبدو أن تدني معدلات المشاركة يخدم الأحزاب التي لها قواعد منضبطة في التصويت، كحزب العدالة والتنمية، يضاف إلى ذلك، أن النسب المتدنية تترك مساحات فارغة من التمثيلية السياسية، لا أحد يعرف من هي الجهات التي يمكن أن تصل إليها، مقابل وجود ظاهرة مثيرة للانتباه، هي ارتفاع الأوراق الملغاة، التي يمكن اعتبارها ظاهرة تعبر عن احتجاجات صامتة، يمكن أن ترتفع أكثر في الانتخابات الجماعية المقبلة".
ولخص الباحث أسليمي الرسالة الخامسة في كون التأطير في المجتمع بات منقسمًا بين الموالين للإدارة "الترابية" والموالين لـ"العدالة والتنمية" والموالين لـ"العدل والإحسان" .
هذا، وقد كشف الأكاديمي أسليمي أنَّ الانتخابات الأخيرة تبعث برسالة أخرى مفادها، حيث قال موضحًا "إننا أمام عدد كبير من الأحزاب السياسية، التي باتت مرهقة وطنيًا ومحليًا، ولم تستطع تغيير نخبها القديمة أو الدفع بنخب جديدة إلى الحقل السياسي، فالأحزاب التاريخية تموت ببطء، وتبدو باقي المكونات الحزبية مرهقة ومشوشة، نتيجة عدم قدرتها على بناء منهجية وطريقة لمعارضة حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، وقد جعل هذا الإرهاق، في ضوء ضعف الإدارة الترابية، تلك الأحزاب تتحول في العديد من المقاطعات إلى لعب دور الوساطة وبناء التمثيلية، على اعتبار أنَّ الاحتجاجات والمطالب كلها تتجاوز المجالس الجماعية المكونة من تمثيليات حزبية، وتتوجه نحو أبواب العمالات والأقاليم، التي باتت تلعب دور الأحزاب السياسية في الميدان".
هذا، وقد رأى الباحث أنَّ نتائج الانتخابات تشير إلى صعوبة "النمط اليعقوبي الحزبي" في الانتقال إلى المحلي، وهي صعوبةٌ تجعل المجتمع يتجه في المستقبل إلى "الانشطار" إلى ثلاث أقطاب كبرى للتأطير والتعبئة، وهي قطب وزارة الداخلية عن طريق إدارتها "الترابية"، وقطب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وجناحه الدعوي الإصلاحي، وقطب جماعة "العدل والإحسان" الدعوية، وبينهما تتضاءل هوامش التعبئة والتأطير لباقي المكونات الحزبية.