القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
نشرت صحيفة "معاريف" العبرية قصة اغتيال قائد القطاع الغربي في حركة "فتح" الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس العام 1973، حيث إستخدمت إسرائيل وحدة من "سييرت متكال"، وقد تنكر أحد مقاتلي هذه الوحدة بزيّ امرأة، كاشفة أن من قاد عملية اغتيال أبو جهاد ليس سوى وزير الدفاع الحالي الجنرال موشي يعلون. وبحسب الصحيفة، فإن أبو جهاد، وكان عمره 53 عاماً حين استشهاده في العام 1988، اعتبر هدفا للاغتيال منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بعد أن قدرت الاستخبارات الإسرائيلية أنه يقف خلف عدة عمليات كبرى في إسرائيل نفذت بواسطة قوة بحرية أقامها. إحدى تلك العمليات كان يفترض أن تنفذ في معسكر وزارة الدفاع في تل أبيب، من قبل قوة كوماندوس تنزل من البحر. وفي السياق، تشدّد «معاريف» على أن عدة خطط لاغتيال أبو جهاد وُضعت ولم تخرج إلى حيّز التنفيذ. ولكن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية نهاية العام 1987، تلقت وحدة «سييرت متكال» مهمة الاستعداد لتصفية أبو جهاد. فقد اعتقدت إسرائيل أنه سيكون ممكناً تصفية الانتفاضة من خلال ضرب «رأس أفعى» منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان حينها في تونس. بعد أن كلفت القيادة السياسية «سييرت متكال» بمهمة اغتيال أبو جهاد تقرر أن تتم العملية على أرض تونس. وتضمنت إحدى الامكانيات التعاون بين «سييرت متكال» والكوماندوس البحرية التي تنقل المقاتلين إلى تونس عبر البحر وبشكل سري. خيار آخر كان اجتياحا صاخبا بواسطة مروحيات من سلاح الجو تهبط هناك على نحو مفاجئ. وطالب رجال سلاح البحرية حينها باعتبار قائد الكوماندوس القائد الأعلى للعملية، أما في «السييرت» فرفضوا ذلك. وفي النقاش الذي جرى لدى نائب رئيس الأركان وقتها إيهود باراك، بمشاركة رئيس شعبة الاستخبارات أمنون شاحاك، قال يعلون لرجال سلاح البحرية إنهم إذا لم يتخلوا عن طلبهم، فان «سييرت» ستختار التعاون مع سلاح الجو وليس معهم. وبعد هذا التهديد تقرر أن يعتبر رجال الكوماندوس البحرية كشركاء في عملية هيئة الأركان. وكان للموساد دور مركزي أيضا، فقد كان رجالها منتشرين جداً في مدينة تونس. وجمعت الموساد وشعبة الاستخبارات كل معلومة عما يجري في تونس وبالأساس عن الفيلا التي أقام فيها أبو جهاد في قلب المدينة قرب العديد من كبار رجالات المنظمة. وتنقل الصحيفة عن مصدر إسرائيلي قوله إن «ايال، ضابط استخبارات الوحدة، أعد المعلومات الإستخبارية الممتازة وعرف كل قطعة أرض في المكان. كان يعرف أين تعلق كل صورة، كم درجة هناك وغيرها من التفاصيل. كانت له معلومات دقيقة للغاية». وجرفت فترة التدريب على العملية في تونس «سييرت متكال». فمدينة تونس تقع على خرائب كارتيغو القديمة، مدينة الفينيقيين الذين كانوا الأعداء الألداء للجمهورية الرومانية. والمسافة بين شاطئ تونس كارتيغو وبين منزل أبو جهاد كانت ٥ كلم. ولهذا فقد تقرر إجراء تدريبات على العملية في فيلات في رمات هشارون التي تقع على مسافة مشابهة عن شاطئ تل باروخ. وفي بداية العام 1988، قررت القيادة السياسية تأخير العملية في تونس، ولكن ليس لزمن طويل. وجاء الضوء الأخضر أخيراً بعد عملية «باص الأمهات» قرب ديمونا في 8 آذار/ مارس العام 1988. وكان تسلل مقاتلون من سيناء وسيطروا على باص كان يقل عاملات من وزارة الدفاع إلى مفاعل ديمونا وقتلوا ثلاثة من ركابه. وتلقى رجال «سييرت متكال» والكوماندوس البحرية الأمر بالاستعداد من جديد للعملية، وهذه المرة أعادوا تنفيذ تدريبات النموذج ولكنهم لم يضطروا إلى تكرار مراحل التخطيط. الطريق إلى تونس كانت طويلة لكن البحر كان هادئا. وقد خرجت إلى الرحلة خمس سفن صواريخ، وتوقفت بمواجهة تونس مساء السبت الذي تقرر كموعد للاغتيال. وحسب المنشورات الأجنبية في السنوات الماضية، بدأت العملية في الواقع قبل وصول قوات الجيش الإسرائيلي إلى الشاطئ، عندما استأجر اثنان من رجال الموساد وعميلة ثالثة سيارات من نوع «فولسفاغن ترانسبورتر» من ثلاث شركات تأجير مختلفة في تونس. ومكثوا في تونس بجوازات سفر لبنانية مزورة ودفعوا نقداً على كل واحدة من السيارات. ورست سفن سلاح البحرية الإسرائيلي بعيداً عن الشاطئ التونسي كي لا تترك علامة مشبوهة على شاشات الرادار، في وقت حامت طائرات قتالية في السماء على مسافة عالية، جاهزة للهجوم إذا ما تطلب الأمر تدخلها. وعلى سفينة صغيرة وقريبة نسبياً من الشاطئ وقف قائد قوة الإنقاذ التي انتظرت المقاتلين لعودتهم من العملية. وقد بدأت العملية نفسها بنزول رجال الكوماندوس البحري إلى الشاطئ في قوارب مطاطية، بينما كان الأخير هادئاً ومقفراً. وحسب إشارة متفق عليها نزلت إلى الشاطئ القوارب التي أقلت رجال «سييرت متكال». وهناك كانت بانتظار المقاتلين سيارات «الترانسبورتر» التي يقودها عملاء الموساد. وكانوا يعرفون المدينة جيداً، ونقلوا رجال «السييرت» في رحلة استغرقت عدة دقائق مباشرة إلى فيلا أبو جهاد. في ذلك الوقت، كان نائب رئيس المنظمة لا يزال مستيقظا في الساعة الثانية قبل الفجر، عندما انتشر مقاتلو السييرت خارج منزله بصمت، في أربع خلايا مختلفة. ناحوم ليف والمقاتل في زي امرأة كانا أول من توجه إلى بيت أبو جهاد. تصفية الحارس كانت إشارة الهجوم على البيت. كل خلية عرفت جيدا ما هي المهمة المخصصة لها في الهجوم. إحدى الخلايا قامت بتصفية جنائني كان في ساحة البيت، بينما مجموعة غير كبيرة من المقاتلين دخلت الفيلا، بعدما اقتحمت الباب بواسطة معدات آلية حملتها معها. حارس آخر لأبو جهاد قتل في اشتباك مع رجال «السييرت» في قبو الفيلا. المقاتل الذي كان أول من أطلق النار على أبو جهاد كان حينها في العشرينيات من عمره، وستكون له بعد ذلك أمور عظيمة في جهاز الأمن، وان كان لم يصل أبدا إلى قيادة «سييرت متكال». بعد عدة ثوانٍ من ذلك هدأت النار في فيلا أبو جهاد، وفي شبكة الاتصال سمع صوت القائد يبلغ غرفة القيادة البحرية «المدير وعماله الثلاثة في طريقهم إلى عالم كله خير». ومثلما زعم في الماضي، فإن قائد «السييرت» يعلون كان هو الرجل الذي أكد بكلتا يديه مقتل أبو جهاد، بعد عدة دقائق من اقتحام غرفته. وأدت العملية في تونس إلى منح ثلاثة من رجال «سييرت متكال» أوسمة بطولة من رئيس الأركان بينهم كان أيضا ناحوم ليف. إسرائيل تعيد حساباتها تصفية أبو جهاد كانت المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل تغيير سياق التاريخ من خلال قتل زعيم عربي بارز. «بعد ثلاث سنوات من ذلك، قاد ايهود باراك كرئيس أركان حملة التصفية الجوية، شبه المرتجلة، لزعيم «حزب الله» عباس موسوي الذي في موته خلف لنا حسن نصر الله الأسوأ منه»، بحسب معاريف. في ولاية نتنياهو الأولى كرئيس وزراء نفذت على أرض الأردن محاولة اغتيال فاشلة لرئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل. والمحاولة عظمت فقط مشعل وعززت مكانته. وماذا بالنسبة لتصفية أبو جهاد؟ بعد 25 عاما من التصفية مشكوك جدا أن تكون فيها منفعة لإسرائيل. فالعملية لم تدخل أبدا في إطار العمليات البطولية لـ «سييرت متكال» مثل عملية «ربيع الشباب» في بيروت (1973)، التي استعاد ذكراها المشاركون فيها بحماسة المرة تلو الأخرى. أما عملية تونس فتكاد لا تُذكر. وزير الدفاع حديث العهد هو الآخر رفض تناولها هذا الأسبوع