دمشق - لبنان اليوم
بطموح كبير شبابي لا يهدأ استلم مهامه الإدارية التي لا تقل عنده أهمية ومتعة عن مهامه الفنية. وبترحيب ومباركات عديدة صعد الحلم درجة لنراه مؤتمنًا على دار لطالما كان رمزًا ومقصدًا تغنت فيها أسماء كبيرة، فإذا أردنا تقييم شعب من الشعوب يجب النظر إلى عروضه وهذا ما يطمح له الموسيقي أندريه معلولي في جعل دار الأسد للثقافة والفنون مقصداً ومزاراً لكل موسيقي عالمي.
ويرى (مؤسس أوركسترا أورفيوس خريج المعهد العالي للموسيقا) أن الدار يجب أن تكون الواجهة الحقيقية وقبلة المجتمعات. لما تحمله من رسائل فن راق وأصيل منتقاة. ولخصوصية المكان الذي يحمل تاريخنا وموروثنا الثقافي والحضاري.
هو اليوم يعهد إلى ابن من أبنائه يعرفه جيداً بكل أوجاعه وحاجاته ومشاكله. وفي حديث مطول معه يرى أننا بحاجة إلى الكثير من الإمكانات لنلحق بركب الدول المتقدمة، إلا أننا نمتلك المقومات الأساسية لتحقيق ذلك ومنها تراثنا وموسيقانا التي تمتد إلى آلاف السنين كالموسيقا الآرامية والسريانية. ونملك موسيقيين سوريين يشهد لهم بكفاءة عالية على مستوى العالم.
الكثير من المشاريع تنتظر معلولي يخطط لها ويرسمها ويصوغها لحناً في محاولة مبتكرة للتعريف مجدداً بالدار وخلق هوية بصرية تتناسب مع رمزيتها وتوثيق التراث وتقييم الأعمال وجدولة العروض وإعادة توقيتها بشكل يتناسب مع روح المجتمع والعديد من المهمات توكل على عاتقه ليحدثنا عنها بتفصيل اختاره قبل الشروع بمؤتمر صحفي في هذا الحوار:
هل ستعيقك الإدارة من القيام بمهامك الموسيقية؟
الفن يمثل اهتمامي الأول والإدارة تحتاج إلى وقت وجهد وحكمة ودبلوماسية وعندما تتوافر كل الظروف والمتعة في العمل نقدر أن ننجز الاثنين معاً. والإدارة هي نوع من أنواع الفنون وتحتاج لفن وحكمة وتنظيم. هناك متعة حقيقية في العمل الإداري ربما تشبه متعة الفن، وإذا كان الإنسان منظماً يستطيع إدارة منشأة وإدارة فنه بشكل واضح. وما زلت مستمراً بالفن والتدريس وتدريس الأطفال في (معهد صلحي الوادي) والمعهد العالي للموسيقا. وكان شرطاً أساسياً ألا أترك قيادة الأوركسترا والعزف والتدريس.
ألا يتطلب ذلك قدرة وطاقة كبيرة على التحمل؟
لدي طاقة كبيرة وعملي يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً ويستمر حتى ساعة متأخرة ليلاً. وأهم ما في الأمر أنني أعمل بمتعة وحب وليس كواجب ووظيفة. والفن عندما يتحول إلى وظيفة يفقد خصوصيته، لهذا لا أعتبر الفن هو القوت اليومي وإلا فسأضطر إلى التنازل عن الكثير من المبادئ التي أؤمن بها.
وما زلت على رأس الفرقة التي تقودها؟
بالتأكيد كما قدمت حفلين كانا مبرمجين قبل استلام مهامي الإدارية، وهذا ما دفع الكثيرين إلى اعتبار وصولي هو السبب. وأبين لهم أن الحفلين كانا مبرمجين من قبل. وحتى السيد الوزير طلب مني ألا أتوقف عن تقديم العروض الفنية لأنها الأساس.
هل يعتبر شيئاً مهماً أن يكون مدير دار الأوبرا موسيقياً أو فناناً؟
إذا ما تحدثنا عن المنشأة الفنية فإن مديرها بلا شك يجب أن يكون فناناً. ودار الأوبرا تشمل جميع أنواع الفنون لكنها تعنى أكثر بالأعمال الموسيقية والصبغة الأكثر وضوحاً في هذا المكان هي الموسيقا. فلا يمكن لشخص غير موسيقي أن يشعر بمعاناة هذا المكان ومستلزماته. وما يراه أي شخص عادي ربما يراه الموسيقي ضرورة قصوى لإنجاز العمل. وفي كل المؤسسات لا تستطيع المؤسسة أن تنجح إلا إذا كان فيها شخص من قلب هذه المؤسسة يعرف وجعها وإمكانية إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز العقبات.
أندريه معلولي من الأسماء التي تملك مشروعاً موسيقياً، مع ذلك لا نجد لك جهوداً في الدراما؟
لدي مشاركات متعددة في الدراما ولكن شركات الإنتاج تعتاد على أشخاص معينين، ولا تبحث عن التغيير ولهذا بتنا نرى الأعمال كلها تشبه بعضها. ولا إستراتيجية إدارة لهذا الموضوع والأسماء معروفة وهي 4 أو 5 أسماء. مع احترامي للجميع وليس لدي مشكلة مع أحد وأنفذ لهم جميعاً. وحقيقة العمل في الدراما مختلف ويحتاج إلى عناصر أخرى حتى يأخذ المسلسل حقه وتعرف موسيقاه. وكذلك لا ننسى مسألة الأجزاء التي تتبعها أغلبية الأعمال الدرامية وتبقى مستمرة باللحن نفسه لسنوات.
ومن يرد التعاون معي فإن يدي ممدودة للجميع إن كان في قطاع دولة أم في القطاع الخاص. وحتى نقدم عملاً موسيقياً جيداً نحن بحاجة لإمكانيات وهذا له علاقة بشركات الإنتاج. والآن أحضر موسيقا لعمل مسرحي جديد.
ما المطلوب لتطوير الفرق العربية والسورية والكلاسيكية؟
وضع خطة إستراتيجية صحيحة للعمل وخاصة أننا نفتقد لثقافة العمل الجماعي، ولا مؤسسة أو وزارة يمكنها النجاح بيد واحدة أو شخص واحد أو بمزاجية واحدة. والعمل ينجح ضمن مخطط الجماعة ولا ينجح الفرد لنفسه، ومن أجل ذلك يجب أن نعرف ما دور هذه الفرق في المجتمع السوري. ولدينا الأوركسترا السورية والأوركسترا السيمفونية للموسيقا العربية. أي نحتاج لوضع خطط وآلية عمل وبحاجة لأسس التقييم لكل عمل.
ونحن الآن في دار الأسد للثقافة والفنون بصدد تشكيل لجنة باسم المشاهدة والبرمجة. واخترنا أشخاصاً من خيرة الموسيقيين في سورية مهمتها وضع المعايير التي يجب توافرها في العمل الفني حتى يكون لائقاً للوقوف على مسرح دار الأوبرا. ومهمة اللجنة تقويم العمل وتقييمه بعد عرضه. وعملية التقييم ضرورية جداً حتى نستطيع أن نتطور. وهناك عدة عناصر يجب أن تتوافر في العمل وليس أولها الإمكانات إضافة إلى تقييم العمل حتى يكون له شخصية وهوية وغير محصور بالهواة ومهمتنا نشر الثقافة بطريقة جميلة لكل الناس والارتقاء بالمجتمع.
كم تشكل الثقافة في هذا الوقت وبغمار ما نتعرض له عاملاً مهماً في المجتمع؟
الثقافة هي الجسر الذي يبنى بيننا وبين الآخر. وفي سورية نملك دار أوبرا لها تقييم وعندما يكون لدينا آلة (أورغن) وأوركسترا وسيمفونية وجمهور يستمع إلى هذا النوع من الفن فنحن بمصاف الدول الراقية.
وهذا أساس موجود في كل البلدان المتقدمة، وربما نحن أقل إمكانيات من غيرنا. ولكننا نملك كل المقومات من حضارة وتاريخ وموروث موسيقي عظيم وقديم من الموسيقا الآرامية السريانية وأنواع كثيرة قبل أن نأتي إلى موسيقا اليوم.
وعلى الجسر الثقافي تصعد السياسة والاقتصاد، لذلك من الضروري ربط حوار الحضارات ولغة الشعوب ونعرف عن أنفسنا بطريقة صحيحة من خلال موسيقانا التي تحمل رسائل للعالم أجمع مستوحاة من حياتنا اليومية وتقاليدنا وعاداتنا وتربيتنا وثقافتنا. ونطلب الاستثمار بالثقافة لأن لدينا مقومات وإمكانيات، والموسيقيون السوريون ليسوا على الهامش أبداً ولهم كفاءتهم ومشهود لهم على مستوى العالم.
إلى ماذا يفتقد الموسيقي السوري؟
الموسيقي السوري بحاجة أن يحافظ على مستواه وعلى إمكانياته وموهبته من خلال العمل والتمرين. وهناك الكثير من الموسيقيين يهملون أنفسهم بعد التخرج على الرغم من وجود الفرص. وحتماً الفرص تحكمها الموهبة الأكفأ. وليس لأي شخص فرصة إذا كان عادياً. ودار الأوبرا تستوعب القدر الأكبر من الموسيقيين، ولا يمكنها استيعاب كل الموسيقيين الموجودين في سورية. وهناك ناس تذهب تجاه الأوركسترا وآخرون يذهبون تجاه التدريس أو التأليف، هي مجالات متعددة وعلى الموسيقي أن يحدد ما يريد وأين ينجح؟
لدار الأوبرا خصوصية ما الأمور التي نحتاجها لنطور هذا المكان بعد الحرب؟
تعاقب على دار الأوبرا عدة إدارات كل منها قدم أفضل ما عنده ولم يبخلوا عليها ولكن لكل فترة خطة عمل تتناسب مع طبيعة المرحلة. وبمرحلة ما بعد الحرب يجب أن يكون التطور من خلال تعريف الناس «ماذا تعني كلمة الأوبرا»؟. وفي كل دول العالم هناك دار للأوبرا وعدة مسارح أخرى. إذاً هناك أعمال ترتقي لمستوى العرض فيها وأخرى لا تتناسب. وليس بالضروري أن تكون الأعمال التي لا ترقى للعرض فيها غير جيدة.
وكي نطور هذا المكان يجب على العروض أن تكون نوعية قدر الإمكان. ومهمتنا انتقاء العروض العالية الجيدة والبحث عن أصل التراث ومن ثم توثيقه.
هناك الكثير من الأغاني التراثية التي تلحن وتغنى ولكننا لا ندري حقيقتها؟
هناك فرق تعزف الأغاني التراثية بطرق مختلفة وبعد سنوات نراها تلحن بطرق مختلفة مبتعدة عن أصولها لأنها غير موثقة. لذلك فإن التراث بحاجة إلى عملية بحث وتقويم وتوثيق. ويجب على وزارة الثقافة العمل على توثيق التراث ليكون معلماً لكل الأجيال القادمة ولا يمكن التعديل عليه.
ما رأيك بالموسيقا التراثية التي تقدمها الفرق الشبابية؟
لست ضد الفرق الشبابية لكن أتمنى عليها أن تغني التراث بطريقة صحيحة ولا يعني إذا كانت فرقة ولها جمهورها يحق لها أن تغني ما تشاء. ومن الضروري أن يكون هناك تعاون بين وزارتي الثقافة والإعلام. لنعرف إلى أين نذهب، وما نوع الثقافة التي نبثها للناس، وهل من المفروض أن نقدم ثقافة الصريخ فقط؟ نحن اليوم بصدد عرض كل الأنواع وأنا لست مع نوع ضد آخر وأرى أن الموسيقا كلها جميلة إذا تم توظيفها في الزمان والمكان الصحيحين.
ما الأعمال التي ممكن أن نراها على مسرح دار الأوبرا؟
نعمل في دار الأوبرا ومجمع دمر والمسرح المكشوف وهو مسرح جماهيري على مخاطبة كل الشرائح. وبالمقابل نبين أن دار الأوبرا هي للعروض النخبوية، وهناك عروض مسرح نخبوية ومعارض فن تشكيلي نخبوية وأفكار موسيقية نخبوية تقدمها نخب من الهواة من خلال مشروع يحمل فكراً يضاهي في بعض الأحيان المحترفين.
في أي مكان يقول أندريه لنفسه إنني وصلت إلى القمة ولا طموح إضافياً لديّ؟
إلى الآن أعتبر نفسي لا شيء وأسعى لأكون شيئاً، وبالنسبة لي أي عمل أعمله ينتهي حين أقدمه لدرجة أنني لا أستمتع بنجاحه. وعندما أنتهي من الحفلات التي أقدمها أخرج إلى مكان وحدي وأفكر ماذا سأفعل غداً. لذلك فإن طموحي كبير وليس له حدود.
ما النهج الذي ستتبعه في إدارتك الجديدة؟
الآن في شهر رمضان تتوقف لدينا العروض. وفي الشهر السادس لدينا بعض أعمال الصيانة التي ننفذها ضمن الإمكانات المتوافرة. وبالنسبة لي أنظر بعين على الحلم وبعين على الواقع. وأستنبط الأفعال من الواقع ولدي إمكانيات سأعمل ضمنها.
ومن هذا المنطلق سيكون لدينا حلة جديدة مثل المرافق العامة ونطمئن كل الناس أنه ستتم معالجة هذا الموضوع بشكل يليق بدار الأوبرا. ومن الطبيعي أن يستهلك هذا المكان ويحتاج إلى صيانة دورية بكل ما فيه حتى أجهزة الإضاءة لها عمر زمني محدد.
كما أن هناك عروضاً نوعية سنعمل على استقطابها إلى سورية من الشهر السابع. ولدينا رؤية بصرية جديدة للدار بانتظار الموافقات.
وسنبدأ ببرمجة العروض حتى لا تتضارب مع بعضها وستكون بتوقيت جديد عند الساعة الثامنة مساء. حتى تستطيع شريحة كبيرة من الناس حضور العروض. وتشكيل لجنة لدراسة التراث وتوثيقه وإطلاق ألبومات من دار الأوبرا توثق التراث وتصنفه. وهدفي في الإدارة أن يشعر أصغر عامل حتى أكبرهم بأهميته وأن هذا المكان متوقف عليه حتى يقدم الأفضل ويحب المكان فإذا لم نحب لا نستطيع أن نعطي فالعطاء ينبع من الحب.
ماذا تمثل دار الأوبرا؟
دار الأوبرا هي سفيرة سورية إلى العالم وأي شخص بالعالم يدخل إلى موقع دار الأوبرا ويرى العروض يستطيع أن يقيّم الشعب والبلد. لذلك فإن دورنا جعل الناس ترى أفضل صورة عن هذا المكان. والعمل على استقطاب مختلف أنواع الفنون العربية والسورية والغربية والعالمية ليصبح لدينا تنوع في الثقافة.
هل هناك تقييم جديد للأعمال التي ستعرض في الأوبرا؟
ضمن مؤتمر صحفي سأعقده خلال أيام سأبين المعايير التي يجب توافرها بالعمل الفني والأعمال التي تدخل ضمن حيّز التقييم في دار الأوبرا والمسارح البديلة وتبيان مهمة كل مسرح. وهناك مستوى فني يجب أن يتوافر وستكون الأوبرا شريكة كل الأعمال التي ستقدم على مسارحها حتى لو كان عملاً خاصاً هو مسؤوليتها حتى يظهر بأجمل صورة يجب أن يكون لائقاً وسندخل شركاء فيه.
طموحك بعيداً من الأوبرا؟
أحب أن أعمل بقناعتي وهذا شيء معروف عني ولا أتمسك بأي شيء أو منصب، أنا الآن بمهمة يجب أن أكون قدها، وأعمل كل جهدي في سبيل تحقيق ذلك، وعندما أشعر أنني لست كذلك سأنسحب.
لاحظنا ترحيباً كبيراً بك وشبه إجماع على شخصيتك، هل لأنك محبوب أم هناك أسباب أخرى؟
هذا شيء أسعدني كثيراً كم الترحيب والمباركات النابعة حقيقة من الحب والاحترام، وأعتبر نفسي على مسافة واحدة من الناس كلها وأحب الجميع الذين يحبونني والذين لا يحبونني والذين يشتمونني أتعامل معهم بالطريقة نفسها التي أتعامل فيها مع الناس المحبة. لأن رسالتي في الحياة مساعدة الغير وهذا الشخص قد لا يرى ما نراه، لذلك من المفروض أن نساعده كي يرى. لا مبرر للحقد وأنا لا أعمل شيئاً شخصياً، وجودي في هذا المكان مؤتمن.
وبالتأكيد مسرور لأنني رأيت إجماعاً كبيراً وذلك حملني مسؤولية إضافية وهو ماذا سأقدم لأكسب ثقة الناس بي.
وأحلم أن تصبح دار الأوبرا مكاناً يقصده كل موسيقي في العالم ليقول: إن مشروعي اكتمل حينما وطئت الأوبرا السورية. هو طريق أمشي به وخطوات أقدمها ليأتي غيري ويكملها.
قد يهمك أيضاً :
أسلوب النحت المصري يكشف سر غموض أهرامات الجيزة
البعثة المصرية الإيطالية تُعثر على مقبرة أثرية من العصر اليوناني الروماني