ليلو نغوي - ليليان ضاهر
اجتمع الأصدقاء الأربعة جيمس جوماني (23 عاما) وكيندي وجوزيف جيمي ويوهان لونغو بالقرب من مكتبة في وسط قرية جومبي حيث لم يرون بعضهم البعض لعدة أشهر، إنها العطلة المدرسية في ملاوي وعاد كل منهم ليرى عائلته وأصدقاءه، قضى الأصدقاء بعض الوقت معا وظلوا يتذكروا التغير الذي حدث لهم ولقريتهم، وأصبحوا أقوياء وواثقين من أنفسهم وسعداء لكونهم في منزلهم، ويدرس جيمس جوماني المحاسبة في الجامعة بينما تأهل أصدقاؤه الثلاثة ليصبحوا معلمين، ويعملون في قرى على بُعد 100 ميل بالقرب من بحيرة ملاوي، وتعد هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها الأصدقاء الأربعة في القرية الفقيرة التي تعتمد على المزارع ويتحدثون للمرة الأولى عن وظائفهم وآمالهم.
وفي عام 2002 كان الأصدقاء الأربعة أولاد صغار لا يتحدثون الإنكليزية وهي اللغة الرسمية في ملاوي، وكانوا يمشون حفاة الأقدام أميالا ليصلون إلى المدرسة الابتدائية، ويجمعون المياة من مضخة القرية ويعملون في حقول الذرة مع عائلاتهم، وتذكر الأصدقاء تلك الأيام الصعبة عندما مرت قرية جومبي ضمن عدة آلاف من القرى الأخرى بمجاعة عندما دمر الجفاف الطويل المحاصيل عامين متتاليين، وكان عمر جيمس حينها 7 سنوات كطفل وحيد بعد وفاة شقيقه وشقيقته، وعاني هو وأصدقاؤه الثلاثة عندما نفذ الطعام، ولم يكن هناك أي احتمال لحصاد آخر لعدة أشهر، وتذكر الأربعة شعورهم بالجوع وتلقيهم التعليم في ظل إحدى الأشجار وإخراجهم من المدرسة حيث لم يكن لدى والديهم أموال وكانوا في حاجة إليهم للعمل في الحقول، ويقول جيمس "لم يكن لدى أي منا أي أمل في المستقبل"، إلا أن كثير من الأشياء تغيرت منذ ذلك الحين وساهم قراء الجارديان ويك اند في هذا التغيير، وإليكم كيف أصبحت القرية ذات الكتاب الواحد قرية للمعلمين.
في مارس/ ايار 2002 اتجهت منظمة "كونسرن" الخيرية الأيرلندية إلى جومبي في ذروة أزمة الغذاء في ملاوي، حيث قيل أن 80% من الدول الأفريقية الجنوبية الصغيرة التي تضم 12 مليون شخصا تعاني من الجوع، وعنيت المنظمة بتقديم تقارير عن العيادات الصحية والمستشفيات ومراكز التغذية، وكان الوضع مؤلم للغاية، حيث ينتشر الموت وسوء التغذية، وفي إحدى المستشفيات في نامبوما التي تقع على يبعد 500 كيلو من العاصمة ليلونغوي تم رصد الكثير من النساء والأطفال من قرية جومبي، وسأل أحد مبعوثي المنظمة مسؤول صحي يدعى باتريك كامزيتو عن سبب سوء هذه القرية.
من نامبوما لتصل إلى جومبي تمر على كنيسة بالطوب الضخم بناها الىباء البيض فضلا عن مسارات ضيقة عبر حقول الذرة، وتتكون القرية من حوالي 70 منزلا من القش مبنية من الطين، وبدى المكان مهجورا والعديد من المنازل بلا أسقف، وهناك عدد من النساء يجلسن تحت الأشجار، بينما يشعر أطفالهم بالفتور، وقدم رجل نفسه لرجال البعثة باسم "السيد جامو" رئيس القرية، واعتذر السيد جامو موضحا أن قرية جومبي لا تملك أي شئ فليس هناك مياة نظيفة أو محلات أو أي أصول سوى بضع دراجات وعربات تجرها الثيران، وهناك كتاب واحد في القرية التي يسكنها نحو 400 شخصا وليس هناك كهرباء أو تلفاز أو عيادات أو مردسة أو متجر، ونفذت المواد الغذائية من الجميع، وأفاد السيد جامو أن القرية تضررت بشدة من الجفاف والجميع يعاني من فقر مدقع، وليس لديهم مهارات سوى زراعة الذرة، وأن القرية أصبحت خالية حيث هجر الناس القرية في أوقات الجوع للبحث عن عمل في مكان آخر، وفي تلك الأيام السيئة كانت مخازن الحبوب التي تخزن فيه العائلات الذرة فارغة، والعديد من الأطفال يعالجون من سوء التغذية في المستشفى المحلي، وباع الأهالي كل ما يملكون لشراء الطعام بأسعار مبالغ فيها لإطعام أطفالهم.
وغادر البالغون القرية للبحث عن عمل في مواقع البناء أو مزارع التبغ، وتم إخراج الأطفال من المدارس، وأي شخص بقى في القرية كان يأكل سيقان الذرة وأوراق الشجر والتوت ويصلي من أجل هبوط الأمطار الذين يعرفون أنها لن تأتي لعدة أشهر أو من أجل وصول المساعدات الغذائية فيما انتظر البعض نهايته، وكان هناك اثنين من الحصاد السئ على التوالي في ملاوي ولكن في ليلونغوى أصبح من الواضح أن هناك مجاعة من صنع الإنسان، وكان صندوق النقد الدولي والدول المانحة بما في ذلك بريطانيا نصح الحكومة ببيع مخزونها من الحبوب لأن الاحتفاظ به كان مكلفا، وأفاد الاتحاد الأوروبي أنه سيكون هناك حاجة للقليل من الطعام في حالة وقوع كارثة محلية، وبالتالي اشترى التجار الأغنياء المواد الغذائية وخزنوها وباعوها حاليا بأسعار مبالغ فيها في حين كانت الإمدادات الطارئة تصل ببطئ إلى ساحل ملاوي.
وعاد مبعوث المنظمة الخيرية في القرية 3 مرات في هذا العام لمتابعة الأحوال خلال المجاعة وشاهد وصول المساعدات الغذائية ومن بعدها الأمطار، وفي هذا العام توفى نحو 17 قرويا من الأمرض المرتبطة بسوء التغذية وعانى الأطفال من نقص الغذاء، وفي الزيارة الرابعة للقرية في ديسمبر/ كانون الأول 2002 أوضح 5 نساء لمبعوث المنظمة الخيرية المشاكل التي يواجهونها مثل الجوع البشع وفقا لما قالته جويس، وتابعت جويس "كان لدى طفل ومات جوعا وذهبت إلى المستشفى ولكن بعد فوات الأوان، ولي خمسة أطفال أخرين يعانون من سوء التغذية، كيف يمك إرسال الأطفال إلى المدرسة إذا كانوا يعانون من سوء التغذية"، وأضافت السيدة لوسي "كنا على حافة الحياة لفترة طويلة ، الفقراء هم من يعانون وهنا لا يوجد أغنياء ولكن هناك الكثير من الناس لا يملكون أي شئ ، ربما نحيا وربنا نعيش، ليس لدينا المهارات لنتقدم ونغير حياتنا، نحن بحاجة إلى معرفة أنواع أخرى من الزراعة، نحن بحاجة إلى تعلم القيام بأشياء أخرى ، وليس لدينا أحد يعلمنا"، وأوضحت النساء أنه دون التعلم ومعرفة اللغات وتعلم مهارات جديدة لن يمكنهم البقاء على قيد الحياة.
وتمثل الأمل الكبير لقرية جومبي في "مارغارادينا نيجوا " (13 عاما) التي حصلت على أعلى الدرجات في مدرسة نامبوما للفتيات واجتازت الامتحان الوطني لدخول إحدى أفضل مدارس ملاوي الثانوية، وبالنسبة لملاوي يعد ذلك إنجازا ولكن بالنسبة لفتاة جومبي الصغيرة يعد ذلك انتصارا، ولكن الواقع أن إرسالة الفتاة للمدرسة سيكلف أسرتها 80 أسترليني وليس هناك منح أو أموال، إلا أن شقيقها الأكبر كينيدي ضحى تضحية غير عادية وباع عربته التي تمثل كل وسائله لربح المال وجنى 35 أسترليني وهي تكفي للدفع لدراسة شقيقته لفصلين دراسيين، حيث اعتبر تعليم شقيقته من أجل مستقبل الأسرة والقرية، ولم يكن لدى كينيدي أدنى فكرة عن الطريقة التي سيدفع بها لاستكمال بقية دراسة شقيقته، واعتبره البعض خاطئا حد الغباء، إلا أن حلم كيندي كان في تعلم اللغة الانجليزية ونشرها في القرية، وأعرب عن أسفه الشديد لأنه لم يذهب للمدرسة الثانوية، ويملك كينيد الكتاب الوحيد في القرية وهو قاموس الإنجليزية- الشيشيوا.
وذكر كنيدي عن شقيقته " إنها ذكية للغاية وسوف تتعلم، ونحن نحتاج إلى التعليم لتتغير هذه القرية، وبدونه لن نبقى على قيد الحياة، إذا لم نتعلم سنصبح مثل العبيد"، وأوضح مبعوث المنظمة الخيرية " كتبت موضوع للغارديات عن محنة القرية وسألت القراء ما إذا أحبوا المساهمة في تمويل صندوق للتعليم، وفي خلال أيام جمعنا نحو 20 ألف أسترليني تحت إشراف الأخت موديستا الراهبة في كنيسة نامبوما وباتريك كامزيتو المسؤول الصحي الحكومي الذي اصطحبني إلى القرية، ويمكن لأي طفل في جومبي يجتاز امتحانات الدخول الحكومية الالتحاق بمدرسة ثانوية مجانية، مع إعطاء الأولوية للأيتام والفتيات، وبدى الأمر أكثر سهولة، وسيم إعطاء المال للأسر وسيتم تعليم وتثقيف الأطفال وسيزدهر الجميع، ولكن للأسف ثبت أن الأمر أكثر تعقيدا".
وأضاف المبعوث " كان هناك تقدم فوري في العام الأول ، وتم دفع رسوم تعليم 30 طفلا، وتم توظيف عامل بناء محلي لبناء الفصول الدراسية في المدرسة الابتدائية وبناء مكتب للمعلمين ولكن لم يتوقع أحد إلى أي مدى كانت المدارس الرفية مهجورة في مالاوي، حيث سقط سقف مدرسة الأولاد خلال 5 سنوات وأصبح المدرسة في قرية مغوتوا كومة من الطوب، وتحول الفصول إلى التعليم تحت ظلال الأشجار ولم يكن هناك أموال لشراء الكتب والسبورات أو المواد الدراسية، ولم يكن هناك مدرسة ثانوية، وكان من المستحيل جذب معلمين مهنيين للعيش في أكواخ مهجورة دون نوافذ أو ماء، والقليل مما تقدموا هم من لديهم المؤهلات، وبالتالي أدركنا أنه لم يكن المال وحده الذي يعيق تعليم الأطفال ولكن فكرة الارتياب الثقافي والجهل، وانكشفت الكارثة ببطء في مجال الرياضيات، وتبين أن مجموعة من 100 طفل في ملاوي يتوقع أن يذهب 60% منهم إلى التعليم الابتدائي لمدة عام في حين ربما يتأهل 10 فقط للذهاب إلى التعليم الثانوي، ويتوقع سقوط 9 من العشرة في غضون عام أو عامين لأن آبائهم لن يستطيعوا تحمل نفقات التعليم والزي، فالتعليم الابتدائي مجاني أما التعلي الثانوي فيتكلف 20 أسترليني أو أكثر سنويا، وفي جومبي يمثل ذلك 30% من دخل الأسرة".
وتابع مبعوث المنظمة الخيرية " دخل عدد قليل من أطفال جومبي المدرسة الثانوية المحلية سانت مارتن ولم يستمر أحدهم هناك لأكثر من عام، حيث ينهي أطفال القرية أيام المدرسة في عمر 10 سنوات ولا يعرفوا القراءة والكتابة ولا يتحدثون الإنجليزية، لكنهم لا يعرفون سوى تجريف الحقول وطهي النسيما طبق الذرة الوطني هناك، ، لقد أوضح الآباء والأمهات والأطفال أنهم يريدون التعليم لكنهم حرموا من ذلك بسبب الفقر المطلق، وحين أراد الآباء إعطاء أطفالهم فرصة لحياة أفضل أصبح الواقع أنه في حالة دفع رسوم المدرسة للأطفال فإنهم في حاجة إلي الأبناء في الحقول أو المنزل، ولكن من خلال الأموال التي دفعها قراء الغارديان ويك اند استطاعت مارغاردينا استكمال تعليمها في مدرسة داخلية للفتيات في ناميتيتي بالقرب من الحدود مع زامبيا، ونجح كينيدي في إعادة شراء عربة الثور الخاصة به، وأرسل ثلاثة أطفال أخرين تأهلوا للمدرسة الثانوية إلى مدارس داخلية أخرى، واختارت لجنة القرية ثلاثة أطفال للحصول على منحة دراسية فيما يذهب أخرون إلى مدرسة ثانوية يومية".
وأردف المبعوث " تطور صندوق تمويل التعليم وأصبح يجمع أموال تزيد سنويا بمقدار 5 ىلاف استرليني من خلال مجموعة من القراء كانوا مدرسين سابقين، وفي كل عام يتم إخبار لجنة التعليم في جومبي بالأموال المتاحة لهم ويزورهم شخص من بريطانيا على نفقتهم الخاصة، ولم يكن هناك تكاليف إدارية إلا مبلغ زهيد من أجل كامزيتو، وقطعنا على أنفسنا عهدا بالالتزام مع قرية جومبي للاستمرار معها على المدى الطويل ولم يكن ذلك مجرد جمع تبرعات سريعة، وبحلول عام 2007 بنيت الفصول الدراسية في العديد من المدارس، وأصبح 55 طفلا يدفع لهم الرسوم الدراسية للمرحلة الثانوية، وفي عام 2009 كتب كامزيتو: من بين 64 طفلا في المرحلة الثانوية نجح منهم 9 فقط ويعد ذلك أفضل نتيجة حتى الأن، ولكن التغيير الأكبر كان موقف الآباء والأمهات في غومبي نفسها، وفي هذا العام يذهب 29 طفلا من القرية إلى المدرسة الثانوية وهو أكثر من ضعف العدد الذي كان من قبل، وتضاعف التمويل في عام 2011 بفضل روبرت مردوخ، بعد تحقيق الغارديان المطول عن قرصنة الأخبار الدولية على هواتف المشاهير اضطر مردوخ إلى شراء صفحة إعلانات كاملة في الصحافة الوطنية البريطانية للاعتذار وقررت الغارديان منح هذا الإيراد غير المتوقع للأعمال الخيرية، وذهب قسم منها إلى صندوق جومبي ، وتم بناء مكتبة في القرية من غرفة واحدة باسم مرفق مردوخ للتعليم، وتشكلت بعثة لاختيار الكتب في ليلونغوي، ويمكن لمبلغ 400 أسترليني شراء التعليم الثانوي لعشرات من الأطفال سنويا لكنه لا تغطي سوى تكلفة عدد قليل من الكتب".
وأستكمل المبعوث " ذهب جزء من أموال مردوخ إلى قرية مغوتوا المجاورة لجومبي حيث كانت المدرسة هناك في وضع أسوأ من مخيمات اللاجئين، فالمباني متهالكة والفصول الدراسية شبه مهجورة والمباني دون أسقف وأصبحت المدرسة كومة من الطوب بعد تهدم المباني منذ 5 سنوات، ولم يكن هناك مقاعد أو طاولات أو كتب أو أقلام أو سبورات أو نوافذ للمعلمين، ولم يكن هناك إمكانية للتعليم لأكثر من فصلين في نفس الوقت، وبالتالي كان الأطفال يجلسون في العراء ويتم إرسالهم إلى المنزل عند المطر أو شدة حرارة الطقس، ولكن في هذا العام يتعلم أكثر من 100 طفل في قريتي مغوتا وجومبي في المرحلة الثانوية وهناك برمج تغذية عند ندرة الطعام، وتعمل جميع المدارس المحلية بالإضاءة الشمسية"، وافاد أموس كوتسا مدير المدرسة "تحصل المدرسة في غوتوا على تمويل ضئيل من الحكومة نحو 585 أسترليني سنويا للأقلام والأوراق من أجل 597 طالبا، ما يعادل أقل من 1 أسترليني لكل طالب في السنة، ومن المفترض أن يشمل ذلك إصلاحات المباني أيضا".
وأصبح لدى جومبي العديد من المنازل عما كان في عام 2002 وأصبحت الأسطح من الصفيح فضلا عن وجود الدراجات وثلاثة فرق لكرة القدم ويعثر المزيد من الناس على عمل في الحقول، وأضاف بعض السكان أن البعض انتقل إلى هناك من القرى المجاورة بسبب مجانية التعليم الثانوي، وفي العام الماضي وصلت الإضاءة الشمسية إلى جميع المدارس المحلية في غوتوا و41 منزلا في جومبي بعد إمداد صندوق التعليم بالمال من قبل عائلة بريطانية، كما تم إنشاء مكتبة صغيرة في قرية غوتوا.
وتحدث جوماني وشباب المعلمين في جومبي لمبعوث المنظمة الخيرية عن تقديرهم لقيمة التعليم قائلين " التعليم يعني كل شئ، كنت سعيدا للغاية عندما ذهبت للجامعة كان لدي أمل وهدف كبير، وأعرف أن التعليم لا ينتهي عند هذا الحد، وكنت الأول في عائلتي وفي القرية الذي ذهب إلى الجامعة، ولكن يعمل الأخرون بجد مثلما فعلت والتفاؤل أصبح دافع كبير لنا"، وتابع كينيدي جيمي " دون التعليم لن يكون هناك أي تغيير، ولكن بالتعليم يمكن أن نفعل أي شئ، فالناس لديهم أهداف مختلفة، وكانت عائلتنا في وضع سيئ ولم يكن لدينا أي أمل في المستقبل لكنني شخص مختلف الأن".
وبين المبعوث أنه عندما زار قرية جومبي مؤخرا والتقى الفتاة مارغادينا التي عادت إلى قريتها بعد 6 سنوات بعد أن أصبحت إمرأة شابة تتحدث الإنجلزيية بشجل جيد لكنها لم تكمل الامتحانات الوطنية للذهاب للجامعة كما توقع الكثير من الناس لكنها بدلا من ذلك غيرت المدرسة، وبعد 6 سنوات من التعليم في المدارس الداخلية التقت شابا وتزوجت وأنجبت طفلا وانتقلت إلى ليلونغوي وتعمل الأم معلمة رياض أطفال في مدرسة خاصة في العاصمة، ولا تزال على اتصال مع عائلتها في القرية لكن أحد لم يعلم ما تفعله، لكنها أصبحت تشعر بالحرج بعد أن عادت إلى قريتها خاصة عندما شاهدها زملائها ولديها طفلة صغيرة، حيث قالت " أشعر أنني خيبت آمال الناس لكنني لا أريد أن أعود الأن، أريد أن أعمل وأصبح مذيعة في التلفاز"، فيما أخبرني كامزيتو " ربما لا زالت لديها المزيد من التوقعات، الجميع يريد أن يراها ناجحة، وما تعلمناه هو أنه لا يكفي إعطاء الناس التعليم المدرسي ولكنهم بحاجة إلى التدريب المهني".
وأوضح جون ماكينا المدير القطري لمنظمة أوكسفام في ملاوي أن والديه لم يصلا إلى أبعد من التعليم الابتدائي، مضيفا " لم تذهب والدتي إلى المدرسة، ولكن ذهب والدي إلى مدرسة ابتدائية حتى الصف الخامس وأدرك أهمية التعليم وشجعني على العمل باجتهاد، وكنت أول شخص في عائلتي يذهي إلى مدرسة ثانوية حكومية، ودفع شخص ما لا أعرفه مصروفات تعليمي حتى المرحلة الثانوية ثم الجامعة، ولولا ذلك كنت أصبحت عامل في الحقول أو ربما خياط ليس لديه فرصة أو قدوة ، وكان علي أن أسير يوميا 3 أميال للذهاب إلى المدرسة الابتدائية وكان والدي لديه مزيد من الطموح لي، والتعليم في ملاوي يقسم بين الأولا والبنات الأغنياء والفقيرا، فإذا أتيت من عائلة فقيرة ستظل فقيرا، فالفقراء لديهم عدد كبير من الأطفال ولا يمكنهم إطعام أنفسهم ويظلون فقراء، ولكن تم انتشالي من دائرة الفقر، فالتعليم منقذ للحياة، ودونه كان عالمي سيظل صغيرا، فالجامعة تعتبر بعيده عن متناول السكان العاديين في ملاوي، وأخشى أنني إذا ولدت في مثل هذه الظروف في هذه الأيام كنت سأظل مزارع فقير، ويذهب أقل من واحد من 2000 طفلا إلى الجامعة"، ويدفع ماكينا حاليا لتعليم 30 طفلا.
وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة اجتمعت لجنة مدرسة القرية في المكتبة لاختيار بعض الأولاد والبنات الذين سيتم إرسالهم إلى الجامعة مثل جيمس جوماني، وتمثل أكبر إخفاق تم رصده حقيقة أن الأولاد أبلوا بلاء حسنا ولكن لم تفعل الفتيات كذلك، ولذا اقترحت صوفينا لويد عضو لجنة المدرسة منح الفتيات منح دراسية جماعية ليذهبن معا، مضيفة " مدارس الفتيات ليست جيدة كما أن بعض العائلات لا تزال تعتقد أن الفتيات لا يمكنهم فعل أي شئ فالآباء بحاجة إلى أن يتعلموا أيضا"، وتقول إحدى الأمهات" يجب أن تكون الأولوية لإدخال الفتيات مدارس جيدة من الأن فصاعدا، فالتعليم ليس سهلا، ويجب أن يكون هناك دورات للناس لتعليمهم النجارة والسمكرة والخياطة فليس كل شخص ينتهي من التعليم يحصل على عمل، فنحن نحتاج إلى إضافة قيمة إلى التعليم".
وأفاد بعض السكان أن قرية جومبي تواجه تحديات كثيرة فالتاريخ يعيد نفسه، حيث تعاني قرى ملاوي من أزمة بعد السنة الثانية من الجفاف، ومثلما حدث في عام 2002 صرحت الحكومة بوقوع كارثة وطنية ، وتوقع الرئيس بيتر موثاريكا أن تحتاج نصف البلاد إلى مساعدات غذائية بحلول عيد الميلاد، وافاد كوكو يوشيما مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في ملاوي أن هناك حاجة إلى 500 طن من المواد الغذائية، والوضع خطير بالفعل خاصة بعد أن بدأالآباء والأمهات في بعض القرى برنامج لتقديم 600 وجبة غذائية مجانية للطلاب لتشجيعهم على الاستمرار في المدرسة، حيث أفاد جون جاليفيس الأب لخمسة أطفال والذي نفذ طعامه في ابريل/ نيسان واصبح ضمن 20 عائلة تتلقى الغذاء من الحكومة " ليس هناك شئ في الحقول".
ويضيف كامزيتو " لن يكون الوضع بنفس الحدة مثلما كان منذ 14 عاما، فتعلم الناس أنه يجب عليهم زراعة الخضراوات وىلا يعتمدوا كلية على الذرة وهو ما جعل أزمة 2002 بهذه الحدة، لقد تعلمنا زراعة الفول والأرز والخضراوات ولكننا بحاجة إلى تغيير عقلية الناس، الوضع تغير الأن هناك جيل كامل في من الاطفال في جومبي لديهم الفرصة للبقاء على قيد الحياة من تلقاء أنفسهم فالناس يبدئون مشاريعهم الخاصة بدلا من حرث الحقول فقط، وأدرك الآباء والأمهات أهمية التعليم، وأصبحوا جميعهم يريدون إرسال أبنائهم إلى المدارس الثانوية، ما يعني أننا سيكون لدينا قدوة في غضون 3 أو 4 سنوات، ومن المحتمل أن يكون لدى قرية جومبي 10 معلمين في ذلك الوقت".
وتابع جوماني طالب المحاسبة الشاب " أصبح هناك فهم أفضل للضغوط الناجمة عن تغير المناخ فالناس يعرفون أن الأمطار يمكن أن تتوقف قبل أن تنضج المحاصيل ولذلك يجب أن يستعدوا، إنهم يعرفونا أنه يجب عليهم التفكير في المستقبل وعدم قطع الأشجار، ويعرفون أن أخر موسم جيد للحصاد كان عام 2011، ويعرفون أنه يمكنهم فعل اشياء أخرى غير أن يكونوا مزارعين، فالتعليم علمهم أن يفكروا بطريقة مختلفة"، وأوضح بكامزيتو أن الخطة تكمن في تنمية صندوق التمويل لبناء المزيد من المكتبات والمساعدة في تعليم المزيد من الأطفال مضيفا " لم نكن نعتقد أن الأمر يمكن أن يتغير ولكننا الأن أدركننا أنه يمكننا ذلك، قرية قرية شيئا فشيئا".