أنقرة - العرب اليوم
بات الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا محورا للتجاذب وورقة ضغط في يد المعارضة التركية على الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية الحاكم) في أجواء الاستعدادات للانتخابات المحلية المقررة في 31 مارس (آذار) المقبل.
ودعت ميرال أكشينار رئيس حزب "الجيد" التركي المعارض، الناخبين إلى الرد على أردوغان وحزبه، في الانتخابات بسبب الأوضاع الاقتصادية التي وصفتها بـ"المتردية" التي تشهدها البلاد، قائلة خلال كلمة في لقاء مع نواب حزبها بالبرلمان إن "أردوغان غير راض عن الأداء الاقتصادي ومنزعج من معدل البطالة (11.6 في المائة بحسب الأرقام الرسمية) وتراجع وهروب الاستثمارات، ما ينذر بأنه سيسعى إلى اتخاذ إجراءات قاسية قد تشمل حملات ضخمة من الزيادات الكبيرة في الأسعار عقب الانتخابات، لكن إذا لقنهم الشعب درسًا في الانتخابات سيمنعون حدوث ذلك".
وأشارت أكشينار، التي نافست أردوغان في انتخابات الرئاسة الأخيرة في 24 يونيو (حزيران) الماضي، إلى أن "المواطنين أصبحوا في خوف من الإنجاب بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد".
اقرا ايضَا:
أردوغان يؤكد أثق في إمكانية حل جميع القضايا مع اليونان سلميًا
وأظهرت بيانات لهيئة الإحصاء التركية، الأسبوع الماضي، تراجع مؤشر الثقة الاقتصادية في تركيا إلى 78.5 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بانخفاض 4.2 في المائة عن مستواه قبل شهر، كما تصاعد معدل إفلاس الشركات في تركيا وأغلقت 15 ألفا و400 شركة أبوابها خلال العام 2018 مع توقعات من مؤسسات دولية بأن يرتفع العدد بنحو ألف شركة في 2019، كما بلغ حجم ديون الشركات المؤجلة للبنوك نحو 6 مليارات دولار.
ويعاني الاقتصاد التركي أزمة حادة، بسبب تراجع الليرة التركية التي فقدت نحو 30 في المائة من قيمتها العام الماضي وارتفاع معدل التضخم إلى ما فوق الـ20 في المائة للمرة الأولى منذ 16 عاما.
في السياق ذاته، قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن الحكومة التركية لم تتوقف فقط عن فرض قيود مالية على الأتراك، بعد أزمة العملة التي وقعت العام الماضي، بل تعمل حاليًا على اللجوء إلى حيل جديدة للتأثير على الناخبين قبل الانتخابات المحلية، وأشارت الصحيفة إلى أن أردوغان لم يتردد في توزيع الأموال على الناخبين مع اشتداد المنافسة في الانتخابات السابقة، وأنه يقف الآن مكتوف الأيدي مع اقتراب جولة صعبة من الانتخابات المحلية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
ونقلت الصحيفة عن خبراء أن حيل الحزب الحاكم في تركيا تراوحت بين الاتكاء بشكل كبير على البنوك الحكومية للضغط على التجار لتثبيت الأسعار، واللجوء إلى أساليب الإنفاق التقليدية لتحقيق الفوز في الانتخابات بأي ثمن، لكن الحزب بات قلقا بشأن الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في مارس، وسط تباطؤ اقتصادي حاد، ومن المتوقع أن تكون المنافسة قوية في العاصمة أنقرة، تحديدًا، فالخسارة هناك ستكون بمثابة ضربة قوية لأردوغان.
ورأى الخبراء أن إحدى الطرق المتاحة للبنك المركزي التركي لحل الأزمة هي تخفيض أسعار الفائدة، والتي تقف حاليًا عند 24 في المائة. لكن البنك لا يزال يعيد بناء مصداقيته بعد استجابته المتأخرة لأزمة العملة في العام الماضي بسبب ضغوط أردوغان، الذي أعلن نفسه عدوا للفائدة، فيما حذّر المستثمرون من أن خفض أسعار الفائدة الآن مع ارتفاع معدلات التضخم السنوي إلى أكثر من 20 في المائة ربما يؤدي إلى اضطراب جديد في السوق.
*تردد في اقتراض الأموال
ولفتت الصحيفة إلى أن برات البيراق وزير الخزانة والمال التركي متردد بشأن اقتراض الأموال لتمويل التدابير التحفيزية قبل الانتخابات؛ لأنه لا يريد رفع أسعار الفائدة في سوق الدين المحلي، الأمر الذي اعتبر تفسيرًا للحيلة التي استخدمت هذا الشهر، عندما تم تحويل 33.7 مليار ليرة تركية (نحو 6 مليارات دولار) من أرباح البنك المركزي لوزارة الخزانة والمالية.
ونفت الرئاسة التركية الأسبوع الماضي، ما رددته أحزاب المعارضة من أن تركيا قد تلجأ إلى العودة للاقتراض من صندوق النقد الدولي عقب الانتخابات المحلية، وقالت إنه لن يتم اللجوء إلى مثل هذه القروض لا قبل الانتخابات ولا بعدها.
وبدوره، اعتبر البيراق أن بلاده استطاعت تحقيق نقلة نوعية وتحول كبير في المجال الاقتصادي خلال السنوات الـ16 الأخيرة، لافتة في كلمة أمام مندوبي مجلس المصدرين الأتراك في ورشة عمل بمدينة إسطنبول أمس (الخميس)، إلى أن صادرات تركيا ارتفعت من 30 مليار دولار العام 2002. إلى حدود 170 مليار دولار مع نهاية 2018، أكد ضرورة تكثيف العمل وبذل المزيد من الجهود للنهضة باقتصاد البلاد إلى مستويات أفضل، في ظل الغموض الذي يحيط بالاقتصاد العالمي والركود الذي أصاب الصين والقارة الأوروبية.
وتطرق الوزير التركي إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، معتبرا أن مثل هذه الصراعات تتيح للبلدان الأخرى أن تكون أسواقا جديدة للتعاملات التجارية. وعن تراجع قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية في أغسطس (آب) الماضي بنسبة 47 في المائة، وقال "تلك الأزمة كشفت لنا نقاط الضعف في بنية اقتصادنا، وعملنا على إزالتها".
وأضاف أنه حان الوقت لإجراء الإصلاحات الهيكلية التي تم تأجيلها خلال السنوات الماضية، وسترون كيف أن فبراير (شباط) سيكون أفضل من يناير، ومارس سيكون أفضل بكثير من فبراير. مؤكدا أن مكافحة التضخم في البلاد أثمرت نتائج مرضية، وأن معدل التضخم سيتراجع خلال الأشهر القادمة.
وعن الاستثمارات الأجنبية، أوضح البيراق أن تركيا ستوسع نطاق الاستثمارات الأجنبية، لتستقطب مستثمرين ورؤوس أموال من الشرق الأدنى واليابان والصين.
*التجارة مع أميركا
في غضون ذلك، قال رئيس المجلس التنفيذي للمجلس التركي الأميركي، جيمس جونز، إن حجم التجارة بين تركيا والولايات المتحدة سيصل إلى 75 مليار دولار مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة وإلغاء القواعد التنظيمية والتعريفات الجمركية.
وأضاف جونز، الذي يزور تركيا حاليا في تصريحات سبقت لقاءه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس (الخميس)، أنه يعتقد أنه "يمكن القيام بالكثير، سواء وصلنا بالتبادل التجاري إلى 75 مليار دولار أم لا، ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكننا القيام بها لتعزيز التبادل التجاري، مثل التعريفات والسياسات التجارية واللوائح التي لم تعد مفيدة".
ويترأس جونز، الذي كان مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، وفدا رفيعا من 35 شركة أميركية يزور تركيا حاليًا. وقال جونز إن المحادثات التي أجراها مع الشركات الأميركية التي تزور تركيا حاليا تركزت حول كيفية الحفاظ على العلاقات الأميركية التركية، والوصول بالتبادل التجاري إلى المستوى الذي وافق عليه الرئيسان رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب، ويقدر بـ75 مليار دولار.
ولفت جونز، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي، إلى أن نسبة تأييد الولايات المتحدة في تركيا تقل عن 20 في المائة، وهي مشكلة مهمة تظهر أن الغالبية العظمى من الأتراك ينظرون إلى الولايات المتحدة بوصفها عدوا.
وشهدت العلاقات التركية الأميركية توترا شديدا بلغ ذروته في آب الماضي أثناء محاكمة القس الأميركي أندرو برانسون في تركيا بتهمة دعم الإرهاب، ما أدى إلى فرض عقوبات تجارية أميركية على تركيا التي أعلنت الرد بالمثل، لكن ذلك أدى إلى جانب مخاوف المستثمرين من إحكام أردوغان قبضته على الاقتصاد إلى انهيار حاد لليرة التركية ووصول سعر الدولار إلى 7.25 ليرة تركية. وقال جونز إن واشنطن بحاجة للتفكير في السبب الذي يجعل نسبة تأييد الولايات المتحدة في تركيا تصل إلى 15 في المائة فقط، متسائلا "ما الذي تفعله سفارتنا ومؤسسات الأعمال حيال ذلك".
وقد يهمك ايضَا: