بيروت - لبنان اليوم
رَسمت الحكومة الأربعاء، وللمرة الأولى، خطة اقتصادية للسنوات الخمس المقبلة تهدف من خلالها الى فتح باب التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على دعم مقدّر بنحو 10 مليارات دولار.وأُدخل إلى خطة الحكومة الإصلاحية التي أقرّها مجلس الوزراء تعديلان أساسيان، الأول يتعلق بتحرير سعر الصرف، إذ بعدما كان مقترحا أن يبدأ العمل به اعتبارا من العام 2020، اتفق على إرجاء هذا التدبير وبالتالي سيبقى ثابتاً في الفترة المقبلة، والثاني يتعلق باقتطاع نسبة من أموال المودعين التي تفوق قيمتها 500 ألف دولار على أن يتم تحويلها إلى أسهم في المصارف على طريقة bail in إنما اختياريا، كما تطرح الخطة إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي، وتطرح مساهمة من الفوائد الخيالية التي كانت مطروحة في السنوات الأخيرة وتمس بأموال مَن استفاد من الهندسات المالية.
وفي قراءة للخطة الاقتصادية، يقول الخبير الاقتصادي مروان مخايل، إنّ الخطة بشكل عام جيدة كونها تتضمّن مجموعة تدابير مهمة لا سيما في ما يتعلق بالشق المالي، لكنّ السؤال المطروح إلى أي مدى يمكن تطبيق هذه التدابير لا سيما أنّ الوضع الاقتصادي سجّل مزيداً من التدهور بسبب أزمة كورونا يُضاف إلى ذلك تدهور سعر صرف الليرة. وبالتالي، فإنّ الموظفين، ومنهم موظفو القطاع العام، خسروا أكثر من نصف قيمة رواتبهم، فهل يمكن تخفيض عدد المتعاقدين بنحو 5 % على صعيد سنوي؟ وهل سيكون مقبولاً إعادة النظر بالتدبير الرقم 3 في ظل هذه الظروف؟ كذلك هناك سؤال مطروح هل ستتمكّن الشركات من الصمود رغم كل ما تعانيه مع زيادة نسبة الضريبة عليها من 17 الى 20 % في ظل نمو اقتصادي سلبي مقدّر بنحو 7% في نهاية 2019، وترجيحات بأنّ نسبة البطالة وصلت الى 65%.
وتوقّف مخايل عند احتساب الفجوة بين القطاع المصرفي ومصرف لبنان بـ 154 تريليون ليرة، وقال: اذا كانت هذه الفجوة محتسبة على اساس الدولار 3000 ليرة اي 50 مليار دولار، فهي مقبولة. أما اذا كانت محتسبة على اساس الدولار 1500 ليرة اي 100 مليار دولار، فهي تُعدّ كبيرة. واقترح مخايل بدلاً من سد هذه الفجوة عبر قصّ الشعر، تجميد الودائع العالية على مدى 5 سنوات، وتشجيع اصحابها على استثمارها في قطاعات منتجة عبر اعفائهم مثلاً من ضريبة الدخل، ومن مصاريف الضمان الاجتماعي، وعبر تشجيع دخول "الاموال الطازجة" مجدداً الى لبنان على ان تقوم الحكومة خلال هذه الفترة بالاصلاحات الهيكلية المطلوبة والاصلاحات في المالية العامة، فيسترجع خلالها المواطن عامل الثقة.
أمّا عن إقرار الخطة الـbail in اختيارياً، فقال: انّ جعل هذا الحل اختيارياً لا معنى له، خصوصاً انه من غير المعروف ما هي الحلول المقترحة لمَن لا يريد شراء اسهم في المصارف، كما لم يتم تحديد السنوات التي سينتظرها صاحب الوديعة الكبيرة ليأخذ امواله اذا رفض الـ bail in. واعتبر مخايل انّ هذا الحل كان يجب ان يتناول الودائع التي تفوق المليون دولارعلى ان تكون بالتدرّج، اي انّ من لديه أكثر من 20 مليوناً تقتطع من ودائعه نسبة تختلف عمّن يملك اقل من 10 ملايين دولار، بحيث ان هذا الحل يجب ان يطال بالدرجة الاولى من استفاد كثيراً من الفوائد في السنوات الماضية، وهم بالتأكيد اصحاب الودائع المرتفعة.
ورأى انّ اقتطاع ما نسبته 2 % من الودائع التي تفوق 500 الف دولار هو قرار لا معنى له، كان الأجدى إقرار قانون الكابيتال كونترول يليه تجميد للودائع الكبيرة على مدى 5 سنوات، على ان يكون حل الـ bail in في المصارف المتعثرة فقط والتي لم تتمكن من رفع رأس مالها، عندها يتم اقتطاع 10 في المئة من الودائع الكبيرة ويتم إجبار اصحابها على استبدالها بأسهم في المصارف، وعن تحرير سعر الصرف، أيّد مخايل تأجيل هذا التدبير لأنّ القدرة الشرائية تدنّت كثيراً مؤخراً، كما لا يمكن تحريرها في وقت ليس لدينا دولارات في السوق، بل الافضل الاقدام على هذه الخطوة عندما يضخّ صندوق النقد اموالاً في السوق، وفق الخطة المتّفق عليها، وكذلك عندما تعطينا الدول المانحة اموالاً عندها يمكن تحرير السعر لأنّ الدولار يكون موجوداً، أما اذا تم تحريره حالياً في ظلّ الشح، فقد يصل الى 10 آلاف دولار.
خطة المصارف
وتعمل جمعية المصارف على إعداد خطة اقتصادية مالية شاملة من المتوقّع ان تقدمها الى رئيس الحكومة خلال 10 ايام، وهي كانت أملت من الرئيس حسان دياب خلال لقائها معه أمس الأول التروّي في إقرار خطة الحكومة حتى يتم الاخذ بالاعتبار المقترحات التي تقدمها الجمعية، لأنها برأي المصرفيين ستكون اقل ضرراً على الاقتصاد.
وأكد عضو جمعية المصارف نديم القصار لـ"الجمهورية" انّ خطة المصارف الاقتصادية التي يجري إعدادها سترفع الى الحكومة، كما سيتم عرضها على الاقتصاديين والرأي العام ليكون جليّاً امام الجميع أيّ من الخطتين هو الأجدى. ونأمل ان يتم اخذها بالاعتبار، أما اذا كان هناك إصرار من قبل الحكومة على اعتماد خطتها فلا حول ولا قوة.
وقال: المطلوب اليوم من مساهمي المصارف ان يعيدوا رَسملتها، ونحن مستعدون لذلك، لكن ماذا عن مصرف لبنان؟ من هم مساهموه؟ أليست الدولة؟ اذاً، على الدولة ان تعيد رسملة المصارف، لكنّ الحكومة تطلب ايضاً من المصارف ان تعيد رسملة مصرف لبنان، علماً انها هي من صرف أمواله، وهي بمعنى آخر تطلب من المودعين ان يعيدوا رسملة مصرف لبنان حتى يُصار الى صرفها مجدداً. وإذا كان علينا ان نعيد رسملة مصارفنا مجدداً، فإنّ الامر نفسه ينطبق على مصرف لبنان، فليُقدِم مساهموه على إعادة رسملته.
وعمّا ورد في خطة الحكومة باسترجاع الفوائد المدفوعة خلال السنوات الخمس الماضية على ودائع الدولار، قال: اذا كان المودع المستفيد قد سحب امواله من المصرف ماذا ستفعل الحكومة؟ بما يعني انّ "العَترة" على من أبقى أمواله في المصرف، ومَن سحبها نَفد. فهل يمكن لهذا الاقتراح ان يعطي ثقة للمودع بالمصارف؟ كيف يمكن للمودعين بعد هذا الاقتراح ان يتشجعوا على وضع اموالهم في المصارف؟ لذا تسعى جمعية المصارف من خلال الخطة التي تعدّها الى أن تحافظ على الثقة في القطاع الخاص، لأنه بمجرد صدور هكذا قانون ستتدهور الثقة تلقائياً.
ويقول القصّار إنّ في خطة المصارف افكاراً يمكن ان تعتمدها الدولة لإعادة رسملة مصرفها الذي هو مصرف لبنان، ونبتعد في الخطة عن بيع املاك الدولة، بل برأينا انّ للدولة املاكاً كثيرة يمكن وضعها في تصرّف مصرف لبنان، على غرار ما حصل مع "الميدل ايست" التي كانت في يد الدولة وباتت تحقق أرباحاً ما ان استلمها مصرف لبنان. فهذا الحل يمكن ان ينطبق على كل المؤسسات التي فشلت الدولة في حسن إدارتها.
قد يهمك ايضا:خبير دولي يُؤكِّد على أنّه لا حلّ للخروج مِن أزمة لبنان إلا بدعمٍ مِن صندوق النقد