تشهد فرنسا نزاعا لا مثيل له لحماية المناطق التي يهددها توسع مزارع طواحين الهواء في بلد معروف بمعالمه ومواقعه التراثية هو أول وجهة سياحية عالمية. وقال إيريك واليكان (65 عاما) صاحب قصر فلير (شمال) لوكالة فرانس برس "أحاطت بنا الطواحين من جميع الجوانب"، مشير إلى طواحين هوائية يبلغ طولها 110 أمتار أرسيت في قلب الحديقة التي صممها المهندس المعماري جان-ماري موريل (1728 - 1810). وقد كسب هذا البلجيكي الشغوف بتاريخ فرنسا في القرن الثامن عشر دعوى قضائية رفعها ضد مجموعة شركة "لا كومباني دو فان" (جي دي اف - سويز)، بعد ان اعتبرت المحكمة أن الطواحين ستتسبب "بأضرار جمالية ... وتشوه بالكامل مشاهد طبيعية". وأكدت مجموعة "جي دي اف - سويز" أنها تمتثل امتثالا كاملا "للمعايير التي تنص على أن تكون المزارع بعيدة عن المنطقة السكنية 500 مترا مربعا" على الاقل. لكن الفرق كبير بين المعايير المعتمدة وتلك المطبقة في الواقع، من ثم "أحيل 50% من الحالات إلى المحاكم"، على حد قول ألكساندر غادي رئيس جمعية حماية المناظر الطبيعية في فرنسا. وتوسع مزارع طواحين الهواء يهدد عدة مواقع أخرى في فرنسا. ومن المزمع توسيع المزارع المحيطة بكنيسة القديسة راديغوند دو كران التي تعود للقرن الثالث عشر وتقع على الساحل الأطلسي في منطقة شارانت ماريتيم. ويسعى اتحاد مصادر الطاقة الهوائية إلى التخفيف من حدة هذا التوسع، وهو لفت على موقعه الإلكتروني إلى أن "سبل انتاج الطاقة ونقلها لطالما غيرت معالم مناظرنا الطبيعية". تضم فرنسا أكثر من 43 ألف معلم وموقع مدرج في القوائم التراثية، في مقابل 4 آلاف طاحون هوائي موزع على 1127 موقعا. وتعتزم السلطات زيادة عدد الطواحين ثلاث مرات بحلول العام 2020 ما يثير القلق في أوساط المدافعين عن التراث. ولخص ألكساندر غادي الوضع قائلا إن "مزارع طواحين الرياح تجرف كل ما يمر في طريقها". ولفت ميشيل كويو صاحب كتاب "لا بانسيه بييزاج" إلى أن "التنوع لا يقتصر على التنوع الإحيائي بل هو يشمل أيضا تنوع المناظر الطبيعية". وتتعلق المسألة بالنسبة إليه "بنزاع بين العقلية المراعية للبيئة التي تسعى إلى حماية البيئة من خلال مصادر الطاقة لا غير وتلك المراعية للمناظر الطبيعية التي تحرص على الحفاظ على الهوية الثقافية". وقد صدقت فرنسا على الاتفاقية الأوروبية للمناظر الطبيعية، لكنها تكلف وزارة البيئة بحماية المناظر الطبيعية، علما أن هذه الأخيرة تضع على رأس أولوياتها تنمية طواحين الهواء. وقد طالبت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بإقامة منطقة فاصلة تمتد على 20 كيلومترا حول جبل سان ميشيل المدرج في قائمة التراث العالمي. وقالت بيتييا توتشاروفا من مركز التراث العالمي لوكالة فرانس برس إن "هذه المبادرة هي الأولى من نوعها ... وينبغي الحفاظ على الموقع مع مناظره الأصلية". والحفاظ على المناظر الطبيعية هو ايضا ضرورة سياحية. ففرنسا هي اول وجهة سياحية في العالم تستقبل كل سنة 76,8 مليون سائح أجنبي يدرون عليها 37 مليار يورو من العائدات. وقد رفع قطاع السياحة الصوت عاليا، خشية أن ينخفض عدد السياح بنسبة تتراوح بين 30 و50% بسبب المناظر المشوهة.