جانب من المعرض

تحولت باحة خان أسعد باشا بدمشق إلى ملتقى كبير لإبداع من نوع فريد يفوح منه عبق تراث دمشقي أصيل أبى أن يموت أو يحني رأسه أربابه هم حرفيو دمشق الذين نهلوا الأصالة من بردى فأبوا إلا أن يكونوا شامخين كقاسيون متشبثين بأرضهم ومصرين على ممارسة مهنة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم ونقلوها لأبنائهم لتبقى هوية لدمشق وبصمة خاصة بها عصية على التقليد والتزوير.
فالمعرض الذي أقامته وزارة الثقافة ظهر أمس بحضور الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة الجمهورية والدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة تشجيعا لهذه الحرف وأصحابها استطاع أن يحكي لقاصدي الخان صفحة ناصعة من حكاية مدينة عريقة خلدها أبناؤها بحرف لم توجد إلا فيها ولم تنتشر إلا على يد أبنائها الأوفياء.
"إعادة إحياء هذه المهن وتشجيع أصحابها وإحياء المكان هو الهدف الذي تسعى إليه وزارة الثقافة من إقامة المعرض" بهذا بدأت الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة تصريحها لوكالة سانا مشيرة إلى ضرورة التعريف باستمرار بهذه المهن كي يضج المكان بالحياة.
ولفتت مشوح إلى القيام بإجراءات عملية لضمان استمرارية هذه الحرف وتوثيقها وذلك بوضع برنامج لتعليم المهن كجزء من دورات معاهد الثقافة الشعبية التابعة لوزارة الثقافة يقوم بتعليم هذه الحرف للراغبين بذلك على يد مختصين وذلك في البيوت التراثية الدمشقية القديمة.
وعن أهمية اقامة مثل هذه المعارض بالنسبة للحرفيين يشير فؤاد عربش رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات التراثية بدمشق إلى ضرورة استقطاب الزوار للتعريف بالمنتجات التراثية والصناعات اليدوية.
ويرى عربش أن أهمية المشاركة تأتي من تنوع الصناعات الحرفية التي تضمنها المعرض مثل الرسم النباتي على الخشب وغيرها من الصناعات والنفخ والرسم على الزجاج والرسم على القيشاني والنحاس والتفريغ على النحاس والثريات الشامية والشرقية إضافة إلى الشموع والتلوين على الشمع والسيلان وشك الخرز والسجاد اليدوي والفسيفساء الرخامي التي تعد أقدم صناعة حرفية في العالم.
وفي ركن من أركان باحة الخان كان الحرفي مروان عربش يعمل على تشكيل قطعة خشبية صغيرة وانطاقها بروح الإبداع لتتحول من خشبة صماء إلى تحفة فنية لم تتدخل فيها آلة وإنما صيغت بيد من ذهب دأبت على مدى خمسين عاما على ممارسة هذه الحرفة.
ويروي لنا عربش مراحل العمل في هذه الحرفة مشيرا إلى أنه يعتمد في عمله على خشب الزيتون والجوز لتحويلها إلى إكسسوارات خشبية وعلب وإطارات صور بأشكال مبتكرة.
ومن جلد البقر والجمل استطاع الحرفي بسام صيداوي بتكنيكات يدوية أن يصنع تحفا على شكل جزادين وحقائب وسجادات.
ولم يكن إبداع صيدواي في عمله وليد لحظته بل نتاج عمل دؤوب استمر به لمدة أربعين عاما قضاها في قص الجلد وصباغته وتشكيله بألوان مختلفة وأشار إلى أنه بدأ بممارسة هذه المهنة منذ ثماني سنوات وتقوم على رصف الخيوط برؤية فنية على النول اليدوي وتشكيلها لصنع شالات وجزادين وتنجيد للصدفيات والأشياء التراثية.
وخلف نول صغير كان الشاب رضوان الأصيل يعمل على قطعته الفنية بهدوء وروية كبيرين كيف لا وهو الذي اعتاد أن يتعامل مع خيوط الحرير الطبيعي لتصنيع قطع البروكار.
وفي نفس الركن كانت الحرفية أسماء الحلبي خلف نولها تعمل على صناعة سجادة من الصوف على النول وتشرح لزوار المعرض مراحل العمل وتعرض لهم قطعا من عملها.
وتؤكد الحلبي أن العمل على النول اليدوي يتطلب الكثير من الصبر والرؤية الفنية حتى تكون السجادة في مراحلها النهائية لوحة لا تتكرر مشيرة إلى أن العمل على القطعة الواحدة يأخذ منها مدة من شهر إلى شهر ونصف.
كما استطاع خلدون المسوتي الذي كان يتصدر باحة المعرض وهو يشكل لوحة فسيفسائية على شكل علم سورية برفقة ابنه ذي السبع سنوات أن يشد جمهور المعرض إليه عبر لوحاته التي تجمع ألوانا مختلفة من الفن.
ويشير المسوتي إلى أن مهنة الفسيفساء هي من أقدم المهن التراثية التصويرية في العالم وقد ورثها أبا عن جد واستمر بالعمل بها مبينا أن اللوحة عبارة عن فسيفساء رخام تصمم على شكل لوحات فنية وأيقونات على الطريقة القديمة.
وعن مراحل العمل على اللوحة يتحدث المسوتي نأتي بالرخام بألوانه الطبيعية ونقطعه بشكل أقلام طويلة بعد ذلك نرسم الرسمة على قطعة خشب أو رخام كأي لوحة رسم ونحدد الألوان المناسبة الأقرب للصورة بعد ذلك نقطع الرخام إلى مكعبات صغيرة ونضعها على اللوحة لتصبح لوحة جميلة لا يمكن تقليدها.
ولا يمكن لزائر المعرض إلا أن تلتقط أنفاسه روائح الياسمين الدمشقي والورد الجوري التي كان ينشرها الشاب سامر الأصيل من أمام بحرة الخان.
فالشاب الذي دفعه عشقه للروائح الجميلة أن يختار هذه المهنة أشار إلى أنه عمد منذ خمس سنوات إلى ممارسة المهنة لنشر العطور الدمشقية الجميلة الخالية من المواد غير الموجودة في الطبيعة فالعطور عند الأصيل هي تعرقات ورود دمشق الخام البكر.
وعلى طاولة خشبية كان الحرفي أحمد راتب ضعدي ممسكا بأزميل ومطرقة استطاع أن ينقش من خلالهما على صفحة من النحاس رسوما دمشقية لفانوس يصنعه أمام الجمهور.
وعن حرفته يشير ضعدي إلى أنها حرفة من نوع خاص تشمل النقش على النحاس والثريات والفوانيس الدمشقية إبدع فيها الدمشقيون منذ القديم.