أعمال نحتية

تستضيف صالة آرت سوا في دبي ابتداء من اليوم ولغاية الخامس والعشرين من الشهر القادم معرضاً يضم خمسة وثلاثين عمل نحتي من آخر نتاجات التجربة الجديدة للنحات السوري مصطفى علي من خاماتي الخشب والبرونز.

وتحمل الوجوه المنفذة من خامة الخشب والتي تعود لعامي 2011 – 2012 في طياتها الألم والحزن وابتسامات غامضة الى جانب التفاوءل من خلال ادخال اللون على العمل فيما تعتمد الأجساد البرونزية المنفذة بين عامي 2013 – 2014 في تكوينها واشباعها على الكتل المكسرة والشظايا التي تلاقت لتكون الكتلة الأساسية للمنحوتة.

ويقدم النحات علي من خلال هذه الأعمال تجربة جديدة مستمدة من البيئة المحلية والمحيط الجغرافي من خامتي الخشب والبرونز ولكل منهما خصوصية في الاسلوب والرسالة تحت عنوان /مسافة/ وبأحجام متنوعة معتمدا التعبيرية في صياغة الكتل النحتية والتي تعبر في مجملها عن المرحلة الراهنة والشرخ الحاصل بين النفس البشرية مع ذاتها وبينها وبين الآخر.

ولطالما امتلك النحات علي خلال تجربته الفنية الطويلة مفاتيح العمل النحتي القادر على حجز مساحة خاصة به في النحت العالمي من خلال امتلاكه العمق الفكري والانتماء الحضاري لهذه الأرض الى جانب الأسلوبية الحديثة القادرة على التناغم مع التيارات الفنية العالمية الحديثة وبلمسة إنسانية تتخطى كل حواجز الانتماء الضيق.

وعن تجربته الجديدة واعتماده على الجسد والوجه يقول النحات علي في حديث لسانا..إن جسد الإنسان ووجهه هما الأكثر تعبيراً عن الحالة الإنسانية والفن لأنه يحمل في طياته المعنى والجوهر وفي كثير من الأحيان أستخدم الشكل للدخول الى عمق العمل وما يحدث من تشكيلات ولعب على السطح الخارجي للكتلة بالاضافة للقيمة الجمالية فهو ينقل المشاهد الى العمق والجوهر المبتغى.

وحول تنوع الخامات في أعماله النحتية يوضح علي أن هذا يدخل في بنية النسيج الابداعي في تجربته الفنية مبيناً ان البحث عن الفكرة أو الموضوع الجديدين بحاجة الى الخامة المناسبة لتفرض نفسها مما ينتج عنه تنوع وانتقال بين المواد والخامات من برونز وحديد وخشب وحجر وسيراميك ومواد معاصرة كالبوليستر والاكريليك حتى تخدم الفكرة ولتقدم بالشكل الجديد للمادة حاملة المعنى المراد منها.

ويقول.. إن الأسلوب الذي اعتمده في العمل النحتي ينبع من روح التجديد والبحث في أفاق مختلفة ويأتي الحجم ليحمل الافكار فيتم اشباع الكتلة بالقيمة الفنية وينتقل هذا الشعور للمشاهد فيمتلىء شعوره وتشبع عنده العين والروح.

يتلمس المتابع لتجربة النحات علي مدى امتزاج عقله النحتي بالموروث الحضاري فهو يحاكي تماثيل حضارة ما بين النهرين وحضارات سورية التاريخية ويحولها لتغدو متماشية مع المدارس الفنية الحداثية ما يوضحه بأن شخصية الفنان كالنبتة لها صفة المحلية وصفة العالمية وهو يأخذ خلال تجربته الفنية من روح المكان.

ويقول الفنان الذي صنف من بين أكثر مئة شخصية عربية قوية وموءثرة..إن التاريخ يدخل في جينات الإنسان الابداعية من خلال الارث الحضاري والفكري والمعرفي كما أن الجغرافيا تحمل بصمتها الى جانب البيئة والمجتمع والناس مما ينتج في النهاية فنانا ممزوجا بكل ذلك ويشكل عملا فنياً ينتمي للمكان المحلي ومحاطاً بالسمة العالمية.

يرى علي ان المنحوتة لها شخصية مستقلة بحد ذاتها وتدخل بالسياق العام لروءية النحات ذات المدى البعيد التي تظل مرافقة له كخط غير مرئي يجمع خيوط تجربته معتبرا أن الإنسان يرى زرقة البحر والسماء والفراغ وبالوقت ذاته يرى اشكالا تتفاعل معها لتتقاسم فيما بينها ولتشكل خصوصية الفنان وشخصيته المستقلة ضمن السياق العام لانتاج المرحلة التي يمر بها الفنان.

وعن الأزمة ومدى تأثيرها على عمله الفني يوءكد علي أنه لم يتوقف عن العمل أبداً ويقول..كان الحزن والموت والحطام والامل جزءاً من تجربتي الجديدة التي صنعت من خلالها أعمالاً تحمل هذا الهول المتراكم من المستحيل وهو يتحول الى أشكال فنية لتعلن عن جسامة الحدث وقوة الالم.

ويشير صاحب التجربة الفنية الطويلة الى أن واقع الفن التشكيلي السوري خلال الأزمة هو مرآة للفنانين فمنهم من استمر بالعمل فقدم أعمالاً بناء على موقفه مما يحدث ومنهم من أخذه عمله نحو العمق اكثر وآخرين توقفوا عن العمل بصمت وبانتظار.

ويوءكد علي ان الأزمة ساهمت بالتوجه العالمي بشكل أكبر نحو الفن التشكيلي السوري نظراً لتأثير قوة الحدث لدينا على المستوى العالمي مما لفت الانتباه الى مبدعي الفن السوري وبدأت الصالات تهتم بعرض أعمال لفنانين سوريين في أماكن مختلفة من العالم.

ويقول صاحب غاليري مصطفى علي للفنون..إن النحت في سورية بدأ ينهض ويتطور من قبل الأزمة فكثير من النحاتين يعملون سواء في الداخل أو الخارج ويبقى هناك ضرورة للدعم الموءسساتي للنحاتين الذين يعملون في سورية كي لا يتوقفوا عن العمل.

ويتابع..إنه رغم كل الظروف الصعبة إلا أن الموءسسة الثقافية الرسمية استمرت بدعم النشاطات والمعارض الفنية ولكن الملفت للانتباه هو توقف الصالات الخاصة عن العرض بالعموم باستثناء بعض المراكز الفنية الخاصة التي استمرت.

وعن عمل الغاليري التي يملكها ويشرف على عملها يوضح علي انها ما زالت مستمرة بالنشاطات الفنية من معارض وورشات عمل في مختلف الفنون رغم الصعوبات والظروف .

ويعبر النحات علي الذي عرض أعماله في أهم صالات العالم عن تفاوءله باستمرار الانتاج الفني والابداعي في سورية وعدم توقفه ويقول..القساوة تصنع أفكاراً جديدة وأعمالاً ابداعية فدائما يخرج من الأزمات فن جديد وهكذا نشأت الحركات الفنية الكبرى كلها.

ويتوجه صاحب الروءية الفنية الخاصة والرافض لمبدأ الهجرة خارج وطنه الى الفنانين التشكيليين الشباب بضرورة البحث والتجريب ويقول..ليس من العيب التاثر بتجارب الفنانين الكبار في بداية مشوار الفنان الشاب بل على العكس هذا يساعده ليأخذ طريقه وأسلوبه الخاص بشكل أسرع وأوضح.