تفتح مكتبة مدينة كراكوفا البولندية مرة كل عام، عشية عيد الفصح، كنوزها الموسيقية امام الجمهور، اذ تعرض مخطوطات تعود الى موزار وبيتهوفن كانت مملوكة للامبراطورية البروسية، ثم حازت عليها منذ الحرب العالمية الثانية. وتقول اليزبيتا بنديركا المديرة الفنية لمهرجان بيتهوفن في حديث لوكالة فرانس برس "منذ عشر سنوات ونحن نعرض ما كان على مدى وقت طويل محجوبا عن الجمهور". ويمكن للراغبين بزيارة المعرض المستمر حتى الثاني والعشرين من نيسان/ابريل، مشاهدة مخطوطات منها مسودات خطها بيتهوفن (1770-1827) للسمفونيتين الثالثة والتاسعة، وعلامات موسيقية لاعمال اخرى له، الى جانب مدونات موسيقية لموزار (1756-1791). واضافة الى القيمة التاريخية لهذه المخطوطات، يمكن من خلالها الاطلاع على شخصية كل من هذين الموسيقيين الكبيرين في تاريخ الفن الاوروبي. ويقول زدسيزلاو بيترزيك مدير مكتبة جاغيلون في كراكوفا "من خلال هذه المخطوطات يمكننا ان نفهم شخصية كل منهما، فموزار كان منظما جدا، كان يخط التدوين الموسيقي بأناة ولا يحتاج الى تصحيحه، اما بيتهوفن فهو شخصية مختلفة تماما، فمدوناته فوضوية ومليئة بالتصحيحات". وتنعكس شخصية بيتهوفن في سمفونياته واعماله التي درج على الخروج فيها عن قواعد التأليف السائدة في زمنه. ويضيف مدير المكتبة "يمكن ان نلمس من خلال المخطوطات ان بيتهوفن كان يعاني حقا عندما لا يجد الفكرة المناسبة، وكان يغير رأيه، ويخطئ، ويفقد اعصابه، ويشطب بغضب ما سبق ان خطه، ويمزق اوراقه ويعيد الصاقها ببعضها". ويعلق قائلا "انه امر مؤثر ان تتيح لنا هذه المخطوطات تعقب المسار الذي سلكه في انجاز مؤلفاته". وعثر على هذه المخطوطات في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية، ويبدو ان النازيين اخرجوها من برلين خوفا من أن يأتي عليها قصف الحلفاء. وعثر على المخطوطات تحديدا في منطقة فصلت عن المانيا والحقت ببولندا بعد اجراء تعديلات حدودية بين البلدين. وعلى ذلك تعتبر بولندا ان هذه الوثائق التي تشكل "تراثا عالميا" مملوكة لها، فيما تسعى المانيا الى استعادتها. وتقول اليزبيتا بنديركا "انها قضية سياسية، ونحن نعنى بالثقافة، الموسيقى تجمع البشر، وربما يجب ان تبقى هذه المخطوطات مكانها هنا". ويرى عازف البيانو الالماني هنريخ البيرز ان "المهم هو ان يتمكن الباحثون من الوصول الى هذه المخطوطات، سواء كانت موجودة في كراكوفا او في مكان آخر، فهذا ليس مهما". ويضيف "ما هو مهم فعلا ان تبقى متاحة للجمهور، لا ان تصبح ضمن مجموعة خاصة بأحد جامعي التحف". في العام 1977، و"حفاظا على علاقة الدولتين الشقيقتين"، بحسب مصطلحات الحقبة السوفياتية، قررت بولندا اعادة بعض المخطوطات، ومنها مدونة للسمفونية التاسعة لبيتهوفن وبعض مدونات باخ وموزار، الى المانيا الشرقية التي كانت حليفتها في المعسكر الاشتراكي. واثار ذلك حينها امتعاض الباحثين في بولندا. وتقول بولندا انها فقدت خلال الحرب العالمية الثانية نصف مليون عمل فني تقدر قيمتها حاليا بعشرين مليار دولار.