صدر حديثًا عن "دار الريس" اللبنانيّة، رواية "عزف منفرد على البيانو" للسوريّ فواز حداد، والذي يُسجّل في روايته اختراقًا واضحًا للطروحات التي اعتاد الروائيّون السوريّون على معالجتها. ويضعنا الكاتب في هذه الرواية، كما سابقتها "المترجم الخائن"، وكما لاحقاتها "خطوط النار وجنود الله"، أمام عمل خارج عن المألوف، اقتحم حداد عبره مجموعة كبيرة من الأراضي الشائكة والقضايا الخلافيّة، ليطرح من خلال هذه الرواية علاقة الجهات العلمانية المتطرفة (من خلال شخصية الأستاذ فاتح) بالجهات الدينية المتطرفة ( متجسدة في شخصية صديقه ذي الوجه الطفوليّ). وتدور أحداث الرواية عن الأستاذ "فاتح القلج"، العلمانيّ المتطرف، الذي يتعرض لاعتداء جسديّ من قبل مجهول، ويعتبر ذلك محاولة من الأصوليين لقتله، ولكن الخبير الشاب لا يقتنع بذلك، نظرًا لتاريخ الأستاذ فاتح ومواظبته على ارتياد الجامع لفترة تتعدى الأشهر، فهل يُبطن الأستاذ العلمانيّ الإيمان ويُظهر الكفر؟ احتمال كبير، وربما أكيد، وعلى هذا علمانيته استعراضية، وحتى إذا كانت حقيقته الموقتة، فكم ستدوم؟! ومتى سينقلب عليها، ويقفل عائدًا إلى مواقعه الأصولية؟ لقد فعلها كثير من اليساريين والتقدميين السابقين، وعند وجود الأستاذ في المستشفى يزوره صديق قديم (ذو الوجه الطفوليّ) المتدين، لتنشأ بينهما علاقة، وسط الإجراءات الأمنية لحماية الأستاذ، التي تشتد بعد أن يُلقي محاضرة ضد التعليم الدينيّ في المدارس، وفي أحد اللقاءات بين "فاتح" وصديق طفولته، يتعرض لرصاصة قنّاص تُرديه ليظن أنه هو المقصود، ولكن يتبين عكس ذلك. ويتابع حداد، عبر هذه الرواية، أسلوبه المباشر في طرح أفكاره بعيدًا عن الرمزية، مقدمًا التقاطاته لجوهر الخلاف الأزليّ بين العلمانية والأصولية الدينيّة بانسيابية، ويكمن تميّز الرواية واستثنائيتها في الرؤية الجريئة التي يقدمها الكاتب، حيث يذهب مباشرةً إلى المناطق التي كانت مُحرّمة، وغالبًا ما تجنّبها الروائيون العرب، فلم يكترث للمقولات التي تدعو إلى الابتعاد عن الواقع والتعامل معه برمزية، بل اعتمد على شق طريقه بحيوية ورشاقة من دون مواربة أو دوران، غير مهتم بالممنوعات والعوائق، وبنى روايته بتحكم شامل بالأسلوب السرديّ مُستخدمًا الدقة في الطرح. ويدين الكاتب السوريّ، من خلال هذه الرواية، وسائل القمع والإرهاب التي يعتمدها العلمانيون والمتدينون على حد سواء، حيث يدور ذلك في فلك الحوار الفكريّ المتواصل بين الأستاذ "فاتح" وصديقه، عن الإيمان والإلحاد والالتزام الدينيّ والحياتيّ في البيت والشارع، في العمل والمنزل، فلقد رفع حداد مستوى الرعب والسخرية معًا، ليُقدّم شكلاً فانتازيًّا مُحتجًا به على سوداوية العلاقة وبشاعة الوسائل. وتقع الرواية في 40 جزءًا، مُوزّعة على 315 صفحة من القطع المتوسط، صادرة عن "دار الريس" اللبنانيّة، وصمم غلاف الرواية دينا خليفة.