الشمس تقترب من الرؤوس حرارة الجو الممزوجة ببخار مياه الخليج تطاردنى تلتصق الملابس بالجسد، وكأنها جزء منه. -    يا له من صيف حاد الملامح. إن كان الاختراع العجيب "التكييف" هو أحد الأساسيات للعيش فى تلك الدولة، فالتنقل من المنزل إلى السيارة يكاد لا يُطاق أيضا. قررت العمل مساء.. أتحول إلى كائن ليلى تاركاً شمس النهار ترسم بحرارتها ملامح الصيف القاسى على وجوه غيرى من البشر.. استيقظ من نومى بعيون نصف نائمة ..أذهب إلى عملى فى ذلك المبنى الضخم كأنه عملاق مفتول العضلات يطل بأنفه على شارع المطار أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة.. مسرح كبير قديم يفوح بعطر الأصالة والتاريخ على خشبته أقيمت المسرحيات والأمسيات وفى قاعاته نوقشت الندوات والمؤتمرات. تنوير ذلك الحارس الهندى صاحب الابتسامة العريضة.. يتركه الموظفون الساعة الثانية ظهراً.. وحيدًا رفيق الهدوء والصمت إلى أن يستقبلهم بابتسامة مشرقة وهزة رأس مميزة فى صباح اليوم التالى أبدأ عملى من الثامنة مساء الهدوء يعم المكان رائحة الصمت تتخلله.. لغة الحوار بينى وبين الحارس تكاد أن تكون معدومة مفتقدة الكثير من التفاهم والعادات. أفتح باب المكتبة لا أجد سوى الكتب التى أعمل على فهرستها قديمة الطبع ذات رائحة نفاذة، محملة بالأتربة كالحة الأوراق قبيحة الملامح كدت أن أكره شكلها. تتوسط الجدران الأربعة نافذتان إحداهما مطلة على البهو الداخلى للمسرح والأخرى على شارع المطار أرى منها الجزء الأكبر من المدينة. القمر يتوسط السماء يمتزج نوره بأضواء السيارات ليعكس على الزجاج ألوانا مختلفة مكسرًة حاجز الوحدة، وتؤنس الخوف الساكن بجوانحى، صورة رئيس الدولة تتوسط الجدار المقابل بجوارها ساعة حائط كبيرة هؤلاء كل أصدقائى فى هذه الرحلة.. ظل الصمت يحدثنى بلغته دون تحريك شفاه الليل يهمس بأذنى أيام عديدة حتى كرهت المكان وأصابنى وابل من الملل عقارب الساعة مريضة بالشلل تكاد لا تستطيع المشى الساعة الثانية بعد منتصف الليل صوت مشادات غير مفهومة بين رجل وامرأة.. دار فى ذهنى أن امرأة ضائعة فى ضيافة الحارس واختلفا على ما اتفقا عليه من أجر بعد انتهاء المهمة.. سرعان ما اختفى الصوت.. اليوم التالي تكرر نفس الموقف عندما عانقت عقارب الساعة الثانية بعد منتصف الليل تمامًا.. نفس صوت الأنثى ولكن هذه المرة يختلف لا يوجد شجار بل مداعبات تصطحبها صرخات لا أستطيع وصفها.. قررت أن أنظر خلف الباب المجاور للمكتبة كى أوبخ الحارس. مكثت دقائق والصرخات تتعالى وأنا أنتظره حتى وجدته فى الطابق السفلى ساجداً يدعو الله فى خشية ومازال الصوت صادرا من تلك الغرفة المجاورة.. انتظرته قليلا حتى انتهى من صلاته.. قائلا لى .. شو فى أرباب "خيراً سيدى" بابتسامته العريضة وهزة رأسه يمينًا ويسارا التى تشبه عقارب الساعة أجبته لا شيء سوى أنى سمعت صوت رجل وامرأة فى أقصى مراحل العشق.. ملامح وجهه لاتظهر عليها الدهشة: - أنا وأنت فقط فى هذا المكان لايوجد سوانا. عدت إلى عملى مرة أخرى.. انتهت آثار الصوت وتوابعه.. ذهب الليل وأشرقت شمس النهار غادرت المكان متجهاً لمنزلى خوفاً من شبح حرارة الجو مكتفياً بجهاز التكييف، أغوص فى بحر أحلامى حتى تحمر الشمس وتختفى معلنة استيقاظى لمقابلة دنيا المسرح. استلمت عملى أتصارع مع الكتب القديمة حتى انتصب عقرب الساعة معلناً الثانية بعد منتصف الليل صوت الأنثى يوقظ مشاعرى من غفلتها.. تحدث نفسها بلا رجل تتهمهم بالخيانة وتقرر انفصالها عن عالمهم تماماً حدثتنى شهوتى أن اخترق الجدار أو أقفز من النافذة كى أرى صاحبة الصوت العذب.. وجدتها تسير أمامى بعباءة سمراء مزركشة بفصوص تحدد ملامح جسدها.. حول رقبتها عقد مضيء كأن حباته من صفاء السماء وزرقة مياه الخليج وصفرة رمل الصحراء غزال ممشوق القوام وجهه ضحوك عطر عربى فواح برائحة الخليج يشبه العود إن لم يكن هو.. جسدى يرتجف شوقاً ورهبة عيونى ألقت تحية رغبة على جسدها بادلتنى بتحية مثلها وإن زادت قليلا أصبحت معشوقتى وكأننا عرائس نتراقص فى المسرح عند منتصف كل ليلة تكرر لقاؤنا كل ليلة خشيت أن يسمع الحارس صيحاتنا قابلنى ذات مرة كرر كلمته الشهيرة: -    أنا وأنت فقط فى هذا المكان.. الجملة مصحوبة بابتسامة عريضة وهزة رأس مميزة.. عقرب الساعة نكس رأسه معلنًا اختفاءها بعد أن انقضى منتصف الليل دون وجودها.. ظللت أبحث عنها داخل المسرح فى كل أركانه بين أرفف المكتبة وصفحات الكتب.. حتى رفق الحارس بحالتى.. مؤكدا: لا تبحث عنها سيدى فهى عشقت ثلاثة رجال قبلك إلى أن تزوجت بهم تحت الأرض.