بيروت ـ ننا
نظم مركز فينيكس للدراسات اللبنانية في جامعة الروح القدس- الكسليك ندوة فكرية عن كتاب الأب ميشال حايك: "Le Chemin du Désert" - "طريق الصحراء، الأب شربل"، (تعريب: ميشال عواد، وهنري كريمونا، وبول عنداري وباميلا عموري المعلوف). في حضور عائلة الأب حايك وحشد من الوجوه الدينية والتربوية والاجتماعية، في حرم الجامعة الرئيسي في الكسليك. بدأت الندوة، التي أدارها الإعلامي بسام براك، بمداخلة للبروفسور مشير عون عن "البعد الفكري في عمارة ميشال حايك اللاهوتية"، معتبرا أن هذه العمارة تنهض في مجموعها على قاعدة المساءلة القلقة". وقال: "إذا كان البعد الفكري في هذه العمارة اللاهوتية الفذة تستغرقه المساءلة القلقة، كان لا بد من امتداح الأب حايك بمساءلة هي في صميم مسعاها استصفاء لطبيعة الحدس اللاهوتي التجديدي الذي انطوت عليه العمارة. وركن المساءلة يكمن في التبصر في معاني اقتران الإنسانيات بالإلهيات أي في قرائن تجلي المسيح في مجتمعات الشرق العربي". وأكد عون "أن عمارة الأب ميشال حايك تقوم على الإيمان بأن الواقع الإنساني هو مهبط التجلي الإلهي بحيث أن الإنسان لا يبلغ إلى تجليات الحب الإلهي إلا من خلال النظر في إختبارات الإنسان الحياتية"، وقال: "لما كان الإنسان يصبو إلى بناء إنسانيته في معترك النضال التاريخي، فإن صورة الإنسانية المكتملة تتجلى بحسب الإيمان المسيحي في شخص يسوع المسيح، الإنسان الكامل والمرآة الناصعة للحق الإلهي. فالمسيح هو طريق الإنسان التاريخي الى الإنسان الكامل". ولفت إلى أن الأب حايك "لم يعالج قضايا المنهجية اللاهوتية التي ينبغي لكل مفكر أن يستوضح هويتها وبنيتها، قبل أن يقدم على صياغة مضامين تصوراته"، إضافة الى أنه "لم يحدد انتماءه الفكري اللاهوتي بل آثر الإفصاح الحر عن إقتناعاته الدينية التي يكابدها أهل المسيحية في لبنان وسائر أوطان الشرق العربي...". واعتبر "أن الوجودية الناقدة ترسم أفق العد الفكري الذي فيه تنسلك أعمال الأب ميشال حايك. لقد قال الأب حايك بوجودية لاهوتية ناقدة. واعتمد هذا المذهب في معاينته لواقع الحياة الإنسانية في لبنان وفي أوطان الشرق العربي. فنادى بالإصلاح الروحي والخلقي والثقافي والاجتماعي والسياسي. واستشعر خطورة الدعوة وجسامة المسعى. وفوق هذا كله، كان واثقا من المخزون الإنساني الذي يؤهل المجتمعات العربية للنهوض بأوضاعها التاريخية. غير أن المناداة بالإصلاح شيء، والاتعاظ بأمثولات الوضعيات التاريخية التي تهيمن على المجتمعات العربية شيء آخر. ولذلك قد يؤخذ عليه أنه في مثاليته الإنجيلية لم يتفطن للتعقيدات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تجعل مثل الإنجيل عسيرة التحقق سواء في ساحة المعارك الشرسة بين قوى الإنتاج وأحكام التنافس وضرورات الحفاظ على التوازن في مقادير التملك والنفوذ، أو في سياق التقارع بين تسويات المجاراة الملتوية بين السلطات التراثية والمعنوية والمالية والفكرية والسياسية..." ثم تحدثت الدكتورة ناتالي الخوري غريب عن "البعد التجديدي في الخطاب الديني للأب ميشال حايك"، لافتة إلى أن "الخطاب الديني بات أحد أبرز أطراف المعادلة في الحوارات الفكرية في زمن التفسح التعصب والشتات، عائدة الى عظات الأب حايك، تحديدا "رسالة الى بني جيلنا"، في رصد بنيته التجديدية على المستويات التالية: إنتاج الخطاب الديني ومنطلقاته، انفتاح الخطاب الديني، تأويل الخطاب الديني، وبلاغة الخطاب الديني". وختمت غريب مداخلتها بطرح تساؤل: "لم تشديد الحايك على ثنائية العقل والايمان في كل ما يطرح من إشكاليات؟ إذ تارة نراه يعلي شأن العقل على الاختبار الديني الباطني وتارة أخرى العكس، وتارة يساويهما ويحتم تلازمهما...ولا يفهمن من كلامنا أن ثمة إرباكا في نصوصه حول هذا المفهوم؟"، معتبرة أن هذه الإشكالية تستوجب التوقف عندها، من فهم إصراره على ضرورة تبدلات الوعي عند الأديان والإنسان، وهي إشكالية يجدر البحث في ثناياها ويتطلب التبحر فيها مجالا آخر ومناسبة أخرى ووقتا أطول". أما الأب جان رعيدي، فتطرق في مداخلته إلى موضوع "الناسك شربل في وجدان الأب الحايك. وأشار إلى "أن الأب ميشال حايك كتب هذا الكتاب ككاتب أيقونة. كتبه بعدما صورت القداسة تحفتها فيه. لم يكتب عن حقيقة لم يعان منها أولا في وجدانه الروحي. ففي صفاء وجدانه اختبر قداسة المسيح في الإنسان. هو لم ير في شربل إلا تحقيقا لقداسة المسيح في الإنسان". كما لفت إلى "أن معرفة الأب حايك للناسك شربل هي معرفة في المسيح، في إنجيله، في صليبه، في كنيسته...لم يتكلم الأب حايك على جزئيات وتفاصيل تشكل مجتمعة بناء حياة شربل الواحد، بل عن حياة غير مجزأة موحدة في سر الله الذي يبنيها من دون توقف من البداية إلى النهاية. لم يرتكز في فهمه لحدث شربل على تحليلات شخصية ضيقة..." وخلص الى القول أنه "لم يسع الأب حايك، في كتابه "طريق الصحراء"، إلا أن يرينا في القديس شربل ما يمكن أن نكونه نحن في المسيح، لعلمه أن حقيقة القداسة هي، قبل كل شيء، حقيقة جماعية. فدعوته لنا لنعيش معا حقيقة القداسة في الله، تبقى الدعوة الأكثر إلحاحا".