دبي – العرب اليوم
"الطب بالنسبة لي كالزوجة، والأدب كالعشيقة"، إحدى أشهر العبارات التي كتبها الأديب والمسرحي والطبيب الروسي أنطون تشيخوف "1860 – 1904"، الذي يوصف في أوساط النقاد بأنه "شكسبير القصة القصيرة"، ويعتبر أيقونة الأدب الروسي والعالمي. وبهذه العبارة التي كتبها تشيخوف في إحدى رسائله إلى أحد أصدقائه، استهل الصالون الأدبي، الذي يعنى حالياً بقراءة الأدب الروسي الكلاسيكي أمسيته في مقر مقهى "كتّاب كافيه" في دبي، استعراضه لتجربة الأديب بمناسبة مرور 100 عام على وفاته، بحضور مجموعة من الشباب والشابات المعنيين بالشأن الثقافي والأدبي.
وشارك في استعراض تجربة تشيخوف خلال الأمسية التي قدمها الشاعر محمد الهاشمي، كل من الكاتبين محمد حسن المرزوقي ومروان البلوشي. وأوضحا، في البداية، أهمية التعرف على الآداب العالمية وقراءتها خصوصًا للمعنيين بشأن كتابة الأدب، بهدف إثراء تجربتهم الإبداعية لما يحمله الأدب الإنساني من عمق وغنى.
السهل الممتنع
وكما هو طابع تشيخوف الذي يتسم بالبساطة المرتبطة بالسهل الممتنع، بدأ الحوار، الذي شارك فيه الحضور بأسئلتهم ومداخلاتهم، بينما أشار المرزقي إلى قيمة الأدب وتأثير تشيخوف على كبار الكتاب حتى في الزمن المعاصر، من خلال استشهاده بما قالته الروائية التركية إليف شافاق، التي اشتهرت بروايتها الصوفية "قواعد العشق الأربعين" حينما قالت في إحدى المقابلات "يعود الفضل الكبير في تكويني الأدبي إلى تشيخوف".
واستعرض البلوشي تأثر الحركة الأدبية في العالم العربي بتشيخوف في زمن السبعينات والثمانينات، مثل القاص يوسف إدريس وغيره. وانتقل إلى الحديث عن أهم ما تميز به أدب تشيخوف والتصاقه بالواقع الإنساني، وكسره للأسلوب التقليدي في الكتابة.
الإنسان والأديب
من هو تشيخوف الإنسان والأديب؟ وما الذي جعل أدبه منبعاً للإلهام ومدرسة للأدباء في مختلف العصور؟ تساؤلات يمكن تلمس الإجابة عليها من خلال عدة مفاصل في تجربته، حيث رأى أنطون تشيخوف منذ طفولته في والده مثال الشخصية المدعية المتناقضة وأمه البارعة في سرد الحكايات.
وحينما أفلس والده هرب من دائنيه إلى موسكو مع عائلته، ليبقى تشيخوف مدة ثلاث سنوات، ويبيع ما بقي من أملاك أسرته ويتابع تعليمه. وخلال تلك الفترة كان يعمل في كل ما يتاح له ليصرف على أسرته وعلى تعليمه، وفي الوقت نفسه، قرأ بكثافة مع تركيز على تحليل قراءاته، مع كتابته لمسرحية بعنوان "بلا أب".
وبعد انتهاء دراسته الثانوية عام 1879، التحق بأسرته في موسكو وبدأ بدراسة الطب. وبصفته مسؤولاً عن العائلة بأكملها كان يكتب مقالات نقدية ساخرة من حياة الشارع إلى جانب دراسته، ولفت الانتباه بأسلوبه الذي جعله يكتب في أبرز الصحف المحلية.
طبيب أم أديب
وبعد تخرجه طبيباً عام 1984، بدأت معاناته من مرض السل، وفي الوقت نفسه جذب انتباه كبار الكتاب الروس مثل دميتري غريغوروفيتش الذي بعث له برسالة بعد قراءته لقصة تشيخوف القصيرة بعنوان «الصياد» يقول فيها، «لديك موهبة حقيقية، تستحق أن تكون في مقدمة أدباء جيل كتابنا الشباب». وتحققت توقعات غريغوروفيتش حينما فازت مجموعة تشيخوف للقصص القصيرة بعنوان "الغسق" بجائزة بوشكين عام 1987.
منعطف
في العام نفسه، كُلف تشيخوف بالكتابة للمسرح، وخلال أسبوعين كتب مسرحية "إيفانوف"، التي حققت له نجاحاً كبيراً لدى عرضها. ومع هذا العمل، بدأت مرحلة التحول التي أطلق عليها "مسدس تشيخوف"، الذي كان حريصاً على حذف كل ما لا ضرورة له ويرتبط بصورة مباشرة بالقصة أو العمل.
التصاق بالواقع
وبدأ عام 1890 رحلة إلى شرق روسيا بالقطار وعربة الخيل والمركب البخاري، ليكتشف أفقاً أوسع للحياة وليتواصل في مستعمرة كاتورغا مع آلاف السجناء. وبعد عامين اشترى عقاراً يبعد 40 ميلاً عن جنوب موسكو، عاش فيه مع عائلته وقام بمسؤولياته وتواصل مع المزارعين واعتنى بصحتهم وحياتهم. واستنزف وقته ذهابه في رحلات مريضة لمعاينة مرضاه من جميع الطبقات. لكن تواصله أوحى له بالكثير من القصص عن ظروف معيشة الفقراء، مثل «المزارعون» و«الأخوات الثلاث».
وأصيب بصدمة لدى فشل مسرحيته «النورس» لدى عرضها عام 1896 في سانت بيترسبرغ، وتوقف عن كتابة المسرحيات، إلى أن حققت مسرحيته نجاحاً كبيراً بعد ثلاث سنوات لدى عرضها على مسرح فن موسكو، حيث تمكن المخرج من تسليط الضوء على واقعية العوامل النفسية الداخلية لشخصيات العمل، وبذا عاد للمسرح.
إبداع واحتضار
بعد أن تغلب المرض على أنطون تشيخوف، انتقل إلى يالطا ذات الجو الجاف، حيث استقبل أصدقاءه مثل ليو تولستوي ومكسيم غوركي. وفي تلك المرحلة كتب مسرحيتيه "بستان الكرز" و"الشقيقات الثلاث"، وكتب بعدها قصته الشهيرة «السيدة صاحبة الكلب» وفي عام 1904 تغلب المرض على تشيخوف، فسافر مع زوجته أولغا إلى منتجع في الغابة السوداء في ألمانيا، حيث وافته المنية.