طرابلس ـ ننا
نظمت الجامعة اللبنانية ندوة عن كتاب المؤرخ الراحل عباس ابو صالح "التاريخ المعاصر لسياسة لبنان الخارجية"، في قاعة المحاضرات في الادارة المركزية- المتحف، برعاية رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين وحضوره، الى جانب ناصر زيدان ممثلا رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، الشيخ سامي ابو المنى ممثلا شيخ عقل الطائفة الدرزية، الوزير السابق بهيج طبارة، المقدم وليد شيا ممثلا رئيس وحدة الاركان اللواء وليد سلمان، القاضي الشيخ يحيى الرافعي وعمداء الجامعة وشخصيات وأسرة الراحل.
بداية النشيد الوطني ونشيد الجامعة، ثم تقديم من محمد شيا الذي وصف الكتاب ب"العمل التاريخي، اذ يتناول السياسة الخارجية اللبنانية في حقبة الاستقلال والرئاستين الاولى والثانية".
وتحدث العميد السابق لكلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتور عبد الرؤوف سنو، فقال "ان الفصل الاول من الكتاب يتضمن شرحا وافيا للسياسة الخارجية اللبنانية التي قامت على ثلاثة مرتكزات أساسية، الميثاق الوطني وميثاق جامعة الدول العربية وشرعة الامم المتحدة، وكلها تهدف الى تحقيق التوافق بين مكونات المجتمع اللبناني".
أضاف "ان المؤرخ ابو صالح يبرر في الفصل الثاني دور الدبلوماسية اللبنانية في المحافل العربية والدولية للتخلص من الجيوش الاجنبية على الارض اللبنانية عقب الحصول على الاستقلال الوطني، ورفض الحكومة اللبنانية الانصياع لمشيئة الحكومة الفرنسية للابقاء على وحداتها العسكرية في لبنان".
وتطرق الى الفصول 4 و5 و6 و7 التي "يعالج فيها الكاتب مسائل تتعلق بسياسة لبنان الخارجية وعلاقته بالعالم العربي. ويعتقد أبو صالح ان المشكلة الفلسطينية ربما كانت من أهم المسائل بالنسبة الى السياسة الخارجية اللبنانية منذ الاستقلال، وان صناع القرار في لبنان تعاطوا معها ليس بصفتها مسألة عربية فحسب، بل لانها كانت تمس مصالح لبنان الحيوية. كما ان المؤلف يتحدث عن دور لبنان في المؤتمرات العربية للدفاع عن عروبة فلسطين وتنسيق سياسته مع الحكومات العربية".
كما كانت كلمة لعضو المجلس الدستوري انطوان مسرة الذي قال ان كتاب ابو صالح "يركز على مسألة الاستقلال وكيفية حماية لبنان له". ولفت الى انه كان عضوا مع ابو صالح في اللجنة الاساسية لوضع برامج التاريخ المدرسية في السنوات 1996-2002، وانهما عاشا معا "هاجس نقل ذاكرة جماعية مشتركة للجيل الجديد".
ورأى ان "المنطقة تنحو اليوم نحو الصهينة، والصهينة هي الترادف بين مساحة جغرافية ودين ومذهب"، وسأل "كيف نتعلم من التاريخ، عندما ندرك بالعمق ان لا قضية تعلو اليوم على قضية لبنان، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل: لبنان هو النموذج المناقض للصهيونية، لبنان هو نموذج الاسلام المعاصر والعلاقات بين الاديان، وهو مثال مستقبلي للعروبة الحضارية وليس عروبة السجون".
بدوره تحدث أمين لجنة الحوار الاسلامي- المسيحي محمد السماك، فاعتبر "ان أهمية الكتاب لا تقتصر على مضمونه فقط، بما فيه من أجراس تحذر وتنبه، وبما فيه من خرائط فكرية لطرق الخروج من المأزق ولتجنب المراهنات الخاسرة على الخارج، ولكن أهميته تكمن في توقيت صدوره ايضا. فالاحداث التي تعصف بالعديد من الدول العربية والتي يدفع المسيحيون العرب ثمنها غاليا بالهجرة القسرية من أوطانهم او بالإنكفاء القسري داخل أوطانهم، والتي يدفع المسلمون السنة والشيعة معا ثمنا باهظا لها نتيجة التوظيف المذهبي في السياسة، ان هذه الاحداث تنعكس اضطرابا وقلقا عميقين على المكونات المتعددة للمجتمع اللبناني، فالمسيحيون قلقون مما يتعرض له اشقاؤهم المسيحيون في بعض الدول العربية. والمسلمون قلقون اولا من هذا القلق، وهم قلقون ثانيا من تداعيات التدهور في العلاقات بين السنة والشيعة في هذه الدول العربية ايضا. ويشكل هذا القلق ببعديه، دافعا لكل طائفة للبحث على أسس اضافية تحقق من خلالها المزيد من الامان وتوفر لها المزيد من الاطمئنان. ولذلك يكثر الحديث عن دعوات لمبادرات تعيد صياغة الميثاق الوطني بشكل او بآخر".
وقال: "ان ابو صالح من خلال وقائع الامثلة التي عرضها في كتابه، يبين لنا بوضوح كيف ان الاستقواء بالخارج ما أعطى الا السلبي من النتائج، ولم يقدم سوى الوهمي من الاطمئنان. والاطمئنان الوهمي هو أخطر انواع القلق".
وختم السماك: "لقد استخلصت من كتاب المرحوم عباس ابو صالح ان قدر لبنان هو انه اذا لم يكن يتمتع بمناعة وطنية ذاتية تؤهله لنشر رسالة العيش الواحد في المجتمعات المتعددة الاديان والمذاهب في المنطقة العربية، فانه لن يكون بمنجى عن عدوى الانقسامات الطائفية والصراعات المذهبية التي تنفجر هنا وهناك. وان سلامة التنوع في لبنان ونجاح معادلة العيش الواحد فيه، ليست ضرورية له فقط، ولكنها ضرورية للمجتمعات المتعددة الاخرى في الشرق الاوسط وفي العالم. ومن يشك في ذلك أدعوه الى قراءة الكتاب".
أما السيد حسين فأشار الى ان الراحل "تخرج من الجامعة اللبنانية وممنوح منها ليحصل على درجة الدكتوراه من جامعة تكساس ليعود اليها مدرسا، انه مؤرخ وتروبي وباحث ووطني غير طائفي، أصدر عددا من المؤلفات الهامة وأبرز أهمية لبنان الجيوستراتيجية".
وقال "ان المؤرخ يتحدث في كتابه عن الصراع الفرنسي- البريطاني على النفوذ، وعن ان هذا الصراع انعكس على لبنان بين الكتلتين الدستورية والوطنية، وفي مكان آخر يشير الى مسألة ان لبنان لم يعرف شرخا طائفيا قبل 1860 وان هذه المسألة تزامنت مع الوصايات الخارجية".
أضاف: "ان الكتاب تناول أحداث 1958 بعد قراءات لكثير من المؤرخين والكتاب ووثائق للخارجية البريطانية وغيرها، وأذكر على سبيل المثال ما كتبه الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل عن حرب السويس وعن الوحدة المصرية- السورية مدعمة كتاباته بوثائق من الخارجية البريطانية وما كتبه كيسنجر بعد ذلك في ما كتب عن المفاوضات العربية- الاسرائيلية مسترجعا أحداث الخمسينات".
وتابع: "الموضوع انطلق من صراع دولي في الشرق الاوسط بعد الثورة المصرية وأيام الحرب الباردة، وكما هو معروف الرئيس عبد الناصر أخذ منحى ضد الاحداث قبل احداث 1952 الحلف الثلاثي وصولا الى مشروع ايزنهاور، وعندما انقسم اللبنانيون لم ينقسموا بين مسلم ومسيحي في البداية، انقسموا من هو مع المشروع الناصي في رفض الاحداث ومن هو مؤيد لسياسة مشروع ايزنهاور في الشرق الاوسط، وكنت تجد في اي طائفة في لبنان رأيين بغض النظر عن الكثرة المعروفة مع سياسة عبد الناصر".
وسأل "أين نحن اليوم الذين نستدرج التدخل الخارجي لنستقوي على بعضنا بعضا وننتظر انتخاب رئيس او غير رئيس، انا اعتقد ان المؤرخين الكبار من خريجي الجامعة اللبنانية من أمثال عباس ابو صالح ليس فقط على الجامعة اللبنانية ان تكرمهم بل على الدولة اللبنانية ان تحفظ حقهم المعنوي في تعميق أفكارهم وكتبتهم، من خلال وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم العالي، نحن نطبع قدر ميزانيتنا، وجاهزون قدر الامكان لطباعة اي مؤلف راق خصوصا لخريجي الجامعة اللبنانية، لان هذا الموضوع يعني لبنان ويعني الفكر والثقافة ويعني الدول العربية في هذه المرحلة العصيبة التي نعيش".
واشاد ب"العمل المهم والعظيم الذي وضعه الراحل ابو صالح، ويجب ان يدرج في برامج كلية الآداب قسم الحقوق، وقد طلبت من عميد كلية الآداب ذلك. وفي كل الاحوال للموحدين الدروز دين على لبنان، فهم لم يغادروا موقعهم الوطني لكن للاسف التصنيفات الراهنة اليوم تصنيفات الزواريب لا تعطي حقا لهذه الفئة او تلك من العرب او من اللبنانيين بالحق في الحياة الكريمة والحريات، فلا ثقافة من دون حرية، وأهمية لبنان انه فعلا وطن الحريات ويجب ان نحافظ عليه، هذا درس نتعلمه من أحداث التاريخ".
وفي الختام شكر نجل الراحل نضال ابو صالح صاحب الرعاية وأصدقاء الراحل في الجامعة اللبنانية "الاوفياء لفكره ونهجه"، كما شكر كل المحاضرين والمشاركين والمنظمين، وخص بالذكر ناجي الجردي الذي ساهم في طباعة الكتاب.