صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب مديرية الترجمة كتاب تجريد الفن من النزعة الإنسانية للفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيغا إي غاسيت ترجمة جعفر العلوني. ويتناول هذا الكتاب الذي ألفه إي غاسيت عام 1925 التغيرات التي طرأت على النظرة تجاه الفن فذاك التاريخ شكل لحظة مفصلية من تاريخ الفنون التي انتقلت فيها من كونها مشبعة بالنزعة الإنسانية والتبجيل العاطفي إلى انشغالها بالفن قصداً وحيداً بحيث تأتي هذه الدراسة لتبرير هذا الانتقال وتقديم الأسس الفلسفية والأطر النظرية له. ويبين الفيلسوف الإسباني أن كل فن حديث سواء أكان موسيقا.. رسما.. شعرا.. مسرحا.. هو فن غير جماهيري مقارناً بين ظهور الفنون التي لاقت رواجاً واسعاً ولم يقف في وجهها إلا قلة من الذين أصروا على تقاليد المجتمع القديم في حين صارت الرومانسية نمطاً جماهيرياً كأحد أوائل منتجات الديمقراطية في حين أن الفن الحديث هو فن غير جماهيري في جوهره بل إن الأكثرية ضده وستظل كذلك لأنه موجه إلى أقلية موهوبة ما يثير غضب الأكثرية التي لا تفهم هذا الفن وتشعر أنه يعلو عليها. ويبرز إي غاسيت في كتابه فنية الفن بمعنى أنه لا يأبه لأن يعبر عن مشاعر الجمهور العام وتطلعاته وآلامه وأفراحه بل يتجاوز كل ذلك إلى المتعة الجمالية فحسب دون التورط الانفعالي بالأحداث التي تغدو مجرد مادة أو موضوع بحيث لا يتم التعامل معه بهدف تصويره بل بهدف خلق حياة ومعنى جديدين له فالفن الحديث بحسب صاحب تمرد الجماهير لا يسعى إلى إنقاذ النوع البشري أو تزويده بالمعاني السامية كما كان في السابق بل يكتفي بالتلذذ بالأشياء كثمار فنية منقذا الإنسان من جدية الحياة فقط دون أن يعني ذلك دفاع الفيلسوف الإسباني عن منجزات الفن الحديث بل عن نية هذا الفن والإمكانات القابعة في جوهره وعن طريقه الذي لا عودة عنه.