صدرت رواية "فقراء المثل الأعلى" للناقد الدكتور حامد أبو أحمد عن سلسلة "روايات الهلال"، وترصد محطات من سيرته الذاتية. يكتب المؤلف عن شخصيات حقيقية من لحم ودم شاهدها خلال سنواته الأولى بقريته أو طوال سنوات دراسته الابتدائية، شخصيات وأحداث عاشها أثناء دراسته الإعدادية بالمعهد الديني الأزهري بطنطا، ويرصد ملامح استطاعت أن تنحت صورها في ذاكرة الطفل داخله.. ورغم مرور أكثر من خمسين عاما علي هذه الأحداث، إلا أن ملامح هذه الشخصيات لا تزال حاضرة ونابضة بالحياة والحركة داخل تلافيف الذاكرة، وهو يكتب عنها وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا. يكتب عن شخصية بكر صاحب النخلات الخمس في القرية، والذي يصوره الكاتب وهو يدافع عن بلح هذه النخلات كأنه أسد يخاف منه أهل القرية ويرهبهم جميعا، ويكتب عن سنية الجحشة، والمرأة الجعرمة، والشيخ محمود الدق حامل الصولجان في المولد النبوي الشريف بالقرية، ويرصد تفاصيل ملامح الشيخ السيد أبو حطب صاحب كتاب القرية، والشيخ حمود الكفراوي عريف الكتاب الكفيف، ويكتب عن والدته (المرأة الحديدية) وعن والده كاتب ماكينة الطحين الذي يوفر من قوت يومه حتى يوفر القروش القليلة ليواصل ابنه البكري رحلته مع التعليم خلال فترة الخمسينيات مع بداية ثورة يوليو 1952 عندما فتح الزعيم جمال عبد الناصر أبواب التعليم المجاني أمام الفلاحين فقراء مصر، وينصت الطفل حماد ويسمع نصيحة والده وهو يقول له: يا ولدي التعليم هو جسر عبورك من هذا الفقر وأنا أملي فيك كبير. هكذا يرصد الدكتور حامد ويكتب هذه المشاهد الإنسانية العذبة التي تقطر صدقا، هنا لا يكذب المؤلف ولا يدعي واقعا ورديا؛ لكنه يرصد أشد صور الواقع شديد الإنسانية من صور الفقر السائدة خلال هذه الفترة من حياة الفلاحين وهو ما انعكس علي حالة الطالب اليسيرة.. هو يسكن ويعيش لأول مرة بعيدا عن دفء أسرته في مدينة طنطا ويعيش على القرص والعيش البتاو والقروش القليلة، ومع هذا ظل يكافح ويذاكر دروسه ليحافظ علي المركز الأول خلال سنوات دراسته. هذه الصور والمشاهد الإنسانية التي نجح الكاتب أن يكتبها هي التي أخذت بتلابيب القارئ وجذبته لقراءة هذه الرواية المدهشة لأنها رصدت بصدق رحلة كفاح طالب فقير خرج من بسطاء وفقراء القرية المصرية وتوجت هذه الرحلة بحصول الطالب علي المركز الأول الذي أهله ورشحه هذا التفوق للدراسة في جامعة مدريد علي نفقة الدولة، بالفعل ما خرج من القلب صدقه القلب، وما خرج من اللسان عافته الآذان. والدكتور حامد أبو أحمد هو عميد كلية اللغات والترجمة السابق بجامعة الأزهر وصاحب المؤلفات الكثيرة في النقد الأدبي، وقد ترجم الكثير من الروايات العالمية الحاصلة علي جائزة نوبل من أسبانيا وأمريكا اللاتينية للأدب العربي.