تتمثل أبرز سمات رسالة الكاتب في أعماله الأدبية في رصد الواقع بكل متناقضاته وتصويره ونقله إلى القارئ عبر شخصيات منتقاة من هذا الواقع واستعمال كلمات وصياغة أدبية تساعد على إيصال أفكاره وقناعاته ومفاهيمه عن الواقع إضافة إلى طرح حلول ومقترحات لتغيير هذا الواقع ومن أدباء الجزيرة السورية الذي كان الواقع محور كتاباته "هيثم حسين" الذي قال عن تجربته في كتابة الروايات في حوار لوكالة سانا: إن الرواية بالنسبة لي هي الميدان الأرحب وميدان الحرية إن جاز التوصيف لأنها تمنحني حرية مطلقة للتجول بين العوالم اللامتناهية. وأضاف حسين: أبحث في الرواية دوما عن كنز مفقود وأجهد لإيجاد شيفرات لفك الألغاز في العالم من حولي وأجد المجال الكافي كي أستعرض وأنتقد وأبحر في عالمي الروائي بحرية ومن هنا تمنحني الرواية متسعاً من الحرية يصعب الحصول على مثيلها في مواضيع أدبية أخرى فقد تكون محكوما في المقالة بأمزجة معينة من الناشرين وتراعي أمورا بعينها أما في الرواية فإنك لا تكون مضطرا لمراعاة أو محاباة أحد فقط تكون محكوماً بسلطة الرواية وسلطة الحرية الروائية المسؤولة. وقال صاحب "رهائن الخطيئة": إن الحرية في كتابة الرواية مفهوم لا يعاش بالوهم بل هي ممارسة حية فلا يجدي الإيهام بها ولا يمكن أن تكون مجتزأة ومنقوصة حيث تنعدم كل رغبة محتملة بالإبداع أو التجديد لأن كل تجديد مرهون ومشروط بالحرية فالرواية صنو الحرية ولقطة من الحياة لذلك فإنها عشقي المتجدد والمحفز للبحث عن ذاتي في ذوات الآخرين مبينا أن الحرية شرط رئيس من شروط الكتابة الروائية فالروائي الذي يرتكن لطريقة ما أو يستكين لشكل معين في الكتابة أو أسلوب ثابت روائي خمول سيتجاوزه الزمن شاء أم أبى هذا إذا لم يكن قد تجاوزه الزمن حتى قبل أن يبدأ. وأوضح حسن أن التجريب يعتبر تجديدا للرواية فكل تجربة تمنح الروائي فرصا جديدة للابتكار والخلق والتجريب يمنع التقوقع فلا يكرر الروائي ذاته ولا تظهر روايته كأنها منسوخة عن بعضها بعضا قائلاً: في روايتي "آرام" مثلا والتي صدرت عام 2006 نوعت في سياق اللغة وتلاعبت بالزمن تقديما وتأخيرا وجربت الشخصية الروائية المركبة وهي شخصية "آرام" الذي يعكس صورتين متناقضتين في ذاته ويفصح في حالة نشواه الأليمة عن أوجاعه ومآسيه وعن معاناته في الوطن وفي الغربة وعن جوعه المزمن للإخلاص وفي الوقت ذاته كان يعكس صورة أخرى هي صورة الغارق في هواجسه وصورة المتشرد والمنفي الذي يحمل منفاه معه ويرتحل به شرقا وغربا دون أن يدرك أن المنفى يسكنه وهو يحاول التهرب منه. وبالنسبة للتجريب من ناحية الشكل يرى "حسين" أنه يمكن تطبيقه من عدة نواح منها مثلا عدم تسلسل الرواية إلى فصول مرقمة بل يمكن تقسيمها إلى قسمين لهما مدلولات زمانية ومكانية في آن واحد مع الحرص على إشراك القارئ في عملية التخيل ليجد نفسه مساهماً في اللعبة الروائية من حيث يدري أو لا يدري مبيناً أنه في رواية "رهائن الخطيئة" التي صدرت عام 2009 سعى إلى مقاربة تاريخ مسكوت عنه محاولا تصوير مرحلة تاريخية لم يطلها التأريخ ولم تدون من قبل المؤرخين وظلت بمنأى عن اهتمام الباحثين. وقال حسين: جربت الغوص في بنية مجتمع يعاني صعوبات كبيرة وكونت مغامرتي الروائية التي لا تزعم كتابة التاريخ بل ترسم سيراً لأناس مفترضين في تاريخ فعلي بحيث يظل التجريب الروائي باعثا على متعة الاكتشاف لأن الرواية تظل متجددة بحكم طبيعتها غير المحدودة ومن هنا فالتجريب حجر الأساس فيها ومربط عناصرها. وعن السبب في حرصه على تصوير عوالم منسية في رواياته أوضح حسين أن الناس المهمشين هم صورة الواقع وصداه قائلاً: لا يعني ذلك أنني حصرت نفسي في هذا الإطار لأن سعة الرواية وانفتاحها تتناقض مع حصرها في كتابة تاريخ شرائح بعينها كما أن الرواية كجنس أدبي هي ذات مقدرة تسللية واستيعابية وامتدادية غير محدودة تستطيع الخوض في مختلف المواضيع وتكتسب أهميتها من شمولها ولا أعتقد أن هناك رواية لا تحضر فيها صورة من صور التهميش الكثيرة لكن تعاطي الروائيين معها يختلف بحسب خصوصية كل منهم فهناك من يحاول تحديه بإزاحة النقاب عنه ومنهم من يقع رهينة له ويستميت لتخطيه وإن كان ذلك بتهميش غيره لاسيما أن التهميش يعتبر قضية من قضايا العصر ومآسيه. وأوضح "حسين" أنه ركز في كتابه النقدي "الرواية والحياة" على تفكيك بعض التشعبات والارتباطات بين الرواية وعدد من القضايا الحياتية حيث حاول الخوض في قضايا مفصلية ومواضيع مصيرية تناولتها الرواية مستعرضا مقاربات شكلية ومضمونية للكلمات المقدمة مع الرواية معطوفة ومنعوتة في الفصول التي تشكل بنيان الرواية فلا تختص الرواية بشريحة دون أخرى كالحياة تماما تتسع للجميع لا لأنها تصوير للحياة أو تقليد أدبي فقط بل لأنها من بين الفنون الأقدر على إعادة اكتشافها بطريقتها الخاصة. وعن رأيه فيما إذا كانت الرواية قد احتلت صدارة المشهد الأدبي لتغدو ديوان العرب الحديث حاليا يقول: لكل جنس أدبي خصوصيته فمع تعقد ظروف الحياة المعاصرة وتشعب القضايا يكاد الشعر ينحسر إلى الخلف وتتقدم الرواية إلى الصدارة لأنها من الأدوات التعبيرية التنويرية الأقدر على تصوير الوقائع والمشاهد المتشابكة والمتداخلة كما أن طبيعة الرواية المرنة تمنحها تفوقاً في هذه المرحلة دون أن يزيح ذلك أي جنس أدبي آخر أو يحل محله لأن التنوع أساس الأدب والفن. وأشار عضو اتحاد الكتاب العرب إلى أن الرواية متقدمة في هذه الفترة وهذا أمر حقيقي وواقعي وقد يكون ذلك نابعا من الاهتمام المنصب على الرواية من قبل القراء والمؤسسات كما قد يكون منبعثا من قدرة الرواية على التغلغل في تفاصيل الحياة ليجد القارئ صورته المنعسكة في فصول الرواية وبين طياتها ويكتشف أن الرواية تقتص له أو تناصره على الأقل ولكن بالمحصلة الرواية لا تزاحم إلا نفسها وهذا سر تفوقها وقد يكون وسم الزمن بأنه زمن الرواية اعترافا بقدرتها على التنوير والتهيئة للتغيير. يذكر أن الروائي والناقد هيثم حسين من مواليد مدينة عامودا في محافظة الحسكة عام 1975 ويحمل شهادة معهد إعداد المدرسين قسم اللغة العربية ومن أعماله رواية "آرام سليل الأوجاع المكابرة"2006 ورواية "رهائن الخطيئة" عام 2009 وكتاب في النقد الروائي بعنوان "الرواية بين التلغيم والتلغيز" في عام 2011 وله في الترجمة كتاب "من يقتل ممو" الذي صدر عام 2007 ويتضمن مجموعة مسرحيات إضافة إلى رواية تحت الطبع بعنوان "إبرة الرعب" وكتاب نقدي بعنوان الرواية والحياة.