يستلهم الشاعر السوري طلال سليم في مجموعته الجديدة "شهوة الخريف" مناخات مغايرة لقصيدته التي يشتغل فيها على أسطرة اليومي ودمجه في بنية نصية تطمح دائما إلى إنجاز صورها البلاغية بعيدا عن كليشيهات قصيدة النثر المعاصرة حيث يبرم هذا الشاعر نصه مع مفردات الواقع واضعا إياها في سياقات جديدة فيقول في قصيدة مزة 86.. لا أرصفة لك.. فيمشي أطفالك على حواف القلب.. يسبحون في الغبار والوحل.. ويزهرون كالربيع.. هم ولدوا في العاصمة.. لا حدائق تحتضن براعم أصابعهم.. فيمسكون قضبان النوافذ.. ويحلمون.. بعالم مزة فيلات. ويمزج سليم بين مناخات شعرية عديدة مستلهما أجواء قصيدته من عموميات الحياة وقسوتها مستندا إلى قريحة هائلة في تدبرها لحياكة الصور وبناء عمارة فنية لجسد النص الذي يشتغل عليه متكئا على حساسية خاصة ولافتة في آن معا يقول الشاعر في قصيدته "عيون تحب العماء".. أخذ الله عين أخي كاسر وعين عمتي نسيبة.. وعين بركات.. وعين جدتي كاتبة.. كم رحيم ربي.. لا يريد لهم أن يبصروا إلا نصف سوء العالم.. كما يدفع الشاعر بنصه نحو اشتباكات دلالية جديدة يقتبس فيها من مفارقات الحياة نفسها مادة أولية لقصائده معشقا لغته بنسيج شعري يطمح إلى أخذ مسافة جديدة بين الفن والواقع حيث يقول في الفزاعة.. فزاعة الحقل لا ملك لها.. كيف ستكش الويل عن حنطة الوطن.. فزاعة الحقل.. من يملأ جيوبها الفارغة في خصب المواسم.. غير ثياب جدي المتوفى.. ويبرع سليم في بناء نصوص قصيرة لا تخلو من الدرامية الممزوجة بالفجائعي والرثائي والساخر مقتفيا خيط الحياة باحثا عن المهمل والمنسي والمغيب في الذاكرة الإنسانية حيث يقول في قصيدته "ذبول".. بطارية بكامل قوتها.. تقود قطيع الدقائق.. والثواني.. والساعات.. لقطف عناقيد الزمن.. وحين تذوي.. هاويةً عن كرسيها.. يتوقف الجميع عن العمل.. هازئين بالحياة.. ويضمن الشاعر السوري نصوصه تهكمات من الواقع لا تغيب عنها المرارة الشفيفة عبر تكوينات نصية خاطفة تبتعد عن صيغ الكتب الشعرية مكتفية بأسلوب المجموعة الشعرية إذ تطول النصوص أو تقصر حسب حدة اللقطة أو تقديم ما يشبه قصيدة طويلة تتناغم مع القصائد القصيرة في "شهوة الخريف" يقول سليم في قصيدة تحت عنوان "من يبشرني بقدومها".. من يبشرني بقدومها.. سأعطيه قلبي.. مركباً يجتاز اللج إلي.. ألون له جوارب النهر.. بالعشب.. وأكسو السواقي بالماء.. وأقطف من الحور علوه.. أمنحه ريحاً ترتدي العصافير.. وأنات العشاق.. أرقص له عشرين مطراً.. وألف موجة تكحل الشواطئ بالنوارس والمراكب من يبشرني بها.. سأسند الأرض له كي لا تميد.. بعش عصفور وحفنة غناء. يذكر أن كتاب "شهوة الخريف" صادر حديثا عن دار بعل بدمشق ولوحة الغلاف من تصميم الفنان رائد خليل ويقع في 103 صفحات من القطع المتوسط.