عن دار تموز في دمشق، صدر كتاب جديد للناقد د. «حسين سرمك حسن» عنوانه «يحيى السماوي .. وفن البساطة المُربكة» . يدور محور الكتاب التحليلي حول آخر مجموعة شعرية للسماوي وهي «مناديل من حرير الكلمات» والتي عدّها بعض النقاد نسجاً شعرياً على منوال «نشيد الإنشاد». يرد الناقد سرمك على هذا الزعم، بالقول: «عندما تسمع أن الشاعر يحيى السماوي قد كتب نصوصاً شعرية متأثرة بـ «سفر نشيد الأناشيد» وهذه هي تسميته الدقيقة كما وردت في المجلد الثاني من «العهد العتيق» من الكتاب المقدّس وليس «نشيد الإنشاد» ، أو على غراره، أو تحمل روحه، فإنك سوف تتساءل عن التأثيرات التي خضع لها يحيى في كتابته لهذه النصوص؛ فهو ليس يهودياً، ولم يترعرع في بيئة تقرأ الكتاب المقدس أو السفر المعني، ولا تحتفظ مكتبتهم العائلية بنسخة منه في حدود علمنا . فهو مسلم من مدينة السماوة وأبوه الحاج عبّاس، ونشأ وترعرع في بيئة دينية محافظة على تقاليدها وموروثها الديني الإسلامي. ولا توفر ثقافة أبيه الإسلامية والمحيط الذي نما فيه وتمسك بطقوسه أية فرصة لقراءة الكتاب المقدس لأبنائه فما بالك بالعهد العتيق. والأكثر تمأزقاً ما بالك بسفر نشيد الأناشيد بلغته المعقدة وإيحاءاته الجنسية والغزلية. فهذا النص لا يُمكن أن يُعد نصّاً دينياً أبداً، وقد فشلت كل محاولات المرجعيات الدينية اليهودية والمسيحية في تبرير وجوده في العهد العتيق وترقيع دلالاته الروحية والدينية. فهو نص حسّي ملفّق ولا علاقة له بالآلهة ولا بالأنبياء ولا بالعبادات ولا بالطقوس التوراتية، بل هو ضدها في بعض المواقف والإستعارات المأخوذة من شعوب يسخط عليها «يهوه» ويذمها ويدعو أبناءه إلى الإنعزال عنها ونبذها. ولكن قد يعترض قارىء مقتدر بالقول إن الكثير من الشعراء يقرؤون مصادر معينة ويتأثرون بها . ثم هناك مخزون لاشعور الشاعر الجمعي الذي يتجاوز حدود الجغرافيا المحلية ويستند إلى رموز ومكونات وتجارب مشتركة بين جميع أبناء البشر . وأقول هذا صحيح .. ولكن أليس الأولى بشاعر عراقي من أهل السماوة وهي تقع في دائرة حضارة سومر أن يحتفظ لاشعوره الجمعي بمخزون الحضارة التي نشأ وترعرع على أرضها، وأحاطت بنشأته مؤثراتها وتفتحت ذائقته الثقافية على منجزاتها؟ وهذا المخزون هو الذي صيغ نشيد الأناشيد على غرار نصوصه الحبية وخصوصاً نصوص الزواج الإلهي التي جاءت على لسان السيدة «عشتار». وبعد تحليل طويل يستنتج الناقد أن (لا صلة لنصوص يحيى عباس السماوي بسفر نشيد الأناشيد، لا من الناحية اللغوية ولا التصويرية ولا المضمونية ولا الجمالية ؟ .  ولو راجعت كل نصوص يحيى هذه : «مناديل من حرير الكلمات» بهدوء وتأمل عميق فستجد أن الشاعر لم يوظّف أو «يضمّن» أي فصل أو فقرة أو صورة من فقرات نشيد الأناشيد في قصيدته الطويلة هذه لأنه وببساطة لا يهمه شعرياً وليس ضمن مرتكزات ثقافته. لقد كان التضمين الطاغي والجارف بصورتيه الصريحة الإقتباسية النصّية أو الإشارية غير المباشرة هو من الموروث الإسلامي: القرآني أولاً والأحاديث النبوية ثانياً ورموز ومقولات شخصيات إسلامية أخرى ثالثاً. كما رأى الناقد سرمك أن كل النقاد الذين كتبوا عن هذه المجموعة، وحتى الذين تصدوا لدراسة منجز يحيى الشعري عموماً، قد أغفلوا الناحية الأكثر جوهرية في سمة «التضمين» لديه والتي ترتبط بالناحية النفسية والتي تتمثل في السمة «التحرّشية» التي مازال يحيى مثابراً عليها بإصرار عزوم وبلا هوادة منذ نصوصه الأولى وأنضجها عبر ممارسته الإبداعية الطويلة في نصوصه العمودية والتفعيلية والنثرية. يقول يحيى: سـأكـون « الـحَلّاجَ الـجـديـدَ « طـمَـعـاً  بـسـيـفِـك  .. فـاشْـطـريـنـي نـصـفـيـن لِـيُـعـلّـقـنـي الـهـوى عـلـى جـسـر  صـدرِك: نـصـفٌ فـوق قُـبَّـتِـهِ الـيُـمـنـى .. والـثّـانـي عـنـد بـقـايـا فـمـي عـلـى يـاقـوتـتِـهِ الـيـسـرى .. عـسـى أنْ يُـيَـسَّـرَ أمـري ويُـشْـرَحَ صـدرُك ! مـجـدُ نـقـطـتـي  : أنْ تـتّـحِـدَ بـخـطّـك كـاتّـحـادِ مـاءَيـنـا فـي حـوضِـكِ الـمُـقـدّس  !