القاهرة – العرب اليوم
عزز احتمال حصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، المعنويات في دوائر الأعمال المصرية، غير أن ذلك لن يترجم إلى استثمارات أجنبية أو تدفقات مالية على البلاد قبل أن تنفذ القاهرة إصلاحات قاسية وتحل أزمة العملة التي تعاني منها.
وقالت مصر مساء يوم الثلاثاء إنها تسعى للحصول على أربعة مليارات دولار سنويا لمدة ثلاث سنوات من الصندوق، للمساعدة في سد عجز في التمويل. وتأمل الحكومة في إنجاز الاتفاق في أغسطس.
وقفزت الأسهم المصرية بدعم آمال في أن ينعش الاتفاق الثقة، ويسمح لمصر بإلغاء القيود للحصول على العملة الصعبة، وهي القيود التي ألحقت الضرر بالصناعة والتجارة وجعلت من الصعب على الشركات الأجنبية تحويل أرباحها للخارج.
وقال مسؤولون تنفيذيون بشركات عالمية تعمل في مصر إن "تمويل صندوق النقد قد يتيح لمصر فرصة لتنفيذ إصلاحات مؤلمة، لكن الاستثمارات الأجنبية لن تأتي قبل حل مشكلة نقص العملة الصعبة".
وقال مسؤول تنفيذي بشركة متعددة الجنسيات: "تواجه الشركات حاليا أصعب أوقاتها على الإطلاق فيما يتعلق بالحصول على الدولارات. لا يهم إن كنت تجني مليار دولار من الأرباح.. إذا لم تكن قادرا على إخراجها من البلاد فلن تستثمر".
وأضاف: "تظهر محادثات صندوق النقد الدولي ضوءا في نهاية النفق. المستقبل إيجابي.. مصر بلد يبلغ تعداد سكانه 90 مليونا، وسوف تتجاوز هذا الوضع.. لكن الطريق سيكون صعبا للغاية".
وتعاني مصر من نقص العملة الصعبة منذ انتفاضة 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاما، وأعقب القلاقل السياسية في البلاد ابتعاد السياح والمستثمرين الأجانب، مما حرم البلاد من مصادر رئيسية للعملة الأجنبية.
وأجبرت الاضطرابات البنك المركزي على بيع الدولار في عطاءات. وهوت الاحتياطيات النقدية من حوالي 36 مليار دولار قبل الانتفاضة إلى حوالي 17.5 مليار في يونيو، مع دفاع الدولة عن العملة التي تضررت بسبب الغموض، واتساع العجز في الميزانية.
وتتوقع الحكومة تسلم شريحة أولى لا تقل عن ملياري دولار في غضون شهرين من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وتخطط أيضا لإصدار سندات دولية بقيمة 2-3 مليارات دولار في سبتمبر أو أكتوبر.
وعلاوة على نحو 4.5 مليار دولار تعهدت بها السعودية والإمارات العربية المتحدة هذا العام، وثلاثة مليارات دولار منتظرة من البنك الدولي على مدى ثلاث سنوات، فقد يتيح هذا التمويل لمصر وقتا لتنفيذ خطط لإدراج شركات مملوكة للدولة بالبورصة.
وربما يساعد الاتفاق أيضا الحكومة على أن تتمكن مجددا من جذب السياح إلى منتجعاتها على البحر الأحمر، بعدما دفع تفجير طائرة في العام الماضي روسيا وبريطانيا إلى تعليق الرحلات الجوية.
ويتعين على الحكومة في الوقت نفسه تنفيذ خطط إصلاح قائمة ستشكل على الأرجح أساس الاتفاق مع الصندوق. تشمل تلك الإصلاحات خفض الدعم وتقليص أجهزة الخدمة المدنية المتضخمة وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
ويقول اقتصاديون إنه ما إن تتخذ تلك الخطوات فإن خفض قيمة الجنيه إلى سعر أكثر واقعية أو استدامة قد يعزز الصادرات، ويحفز الاستثمار الأجنبي في نهاية المطاف. غير أن الطريق إلى ذلك محفوف بالمخاطر.
وقال سايمون وليامز كبير الخبراء الاقتصاديين المتخصصين في شؤون وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى (إتش.إس.بي.سي): "إصلاح نظام الصرف الأجنبي سيكون اختبارا كبيرا. أربعة مليارات دولار مبلغ ضخم.. لكنه سيغطي فقط ثلث العجز في ميزان المعاملات الجارية".
وأضاف: "التوصل إلى اتفاق خطوة أولى إيجابية للغاية.. لكن بعد الخسائر والإخفاقات السياسية في السنوات الخمس الماضية.. ينبغي عدم التهوين من شأن المصاعب المنتظرة".
إبرام الاتفاق
يقول خبراء اقتصاديون إن التفاصيل التي تحدث عنها المسؤولون المصريون تشير إلى أن الاتفاق في مراحله الأخيرة. لكن المحادثات بشأن حزمة أصغر بكثير قد تعثرت في الماضي.
وقال فخري الفقي الخبير الاقتصادي المصري والمسؤول السابق في صندوق النقد الدولي: "يجب أن تضمن مصر أنها تحظى بمساندة الخمس الكبار في الصندوق بمن فيهم الولايات المتحدة وبريطانيا... هذه سياسة".
وأضاف: "مصر تحتاج القرض. إذا تم رفض طلبنا.. سيحدث انهيار".
ويقول خبراء اقتصاديون إن الإصلاحات ستؤدي إلى تفاقم التضخم الذي بلغ أرقاما في خانة العشرات في البلد الذي يعتمد فيه عشرات الملايين على دعم الدولة.
وتم بالفعل إقرار إصلاحات للخدمة المدنية، ونفذت الحكومة جولة أولى من خفض الدعم. وبلغ مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة مراحله النهائية لكنه يواجه معارضة في البرلمان.
ومما يسلط الضوء على المخاطر أيضا حزمة اتفقت عليها مصر بالفعل مع البنك الدولي في ديسمبر، وتستند إلى خطة الإصلاح القائمة. ولم يتم صرف التمويل بعد حيث ينتظر البنك موافقة البرلمان على إصلاحات معلقة.
ويشير رجال أعمال أيضا إلى سلسلة من الفرص الضائعة التي ألحقت الضرر بالمصداقية في السنوات الأخيرة.
وأغدقت دول الخليج على مصر بعشرات المليارات من الدولارات. وجرى توقيع عشرات من الاتفاقات الاستثمارية الأولية في مؤتمر دولي في 2015 كان يهدف لاستعادة الثقة. لكن الخبراء يقولون إن الإصلاحات - مثل الاستثمارات - تباطأت وإن المساعدات الخليجية أهدرت.
وقال مسؤول تنفيذي في شركة متعددة الجنسيات: "حصلوا في العام الماضي على أموال كثيرة من الخليج وماذا فعلوا؟ لا شيء. فضلا عن خفض قيمة الجنيه: لا يبدو أن أمامهم حلولا لذلك ونقص السيولة هو أكثر ما يثير قلق الشركات".
وأضاف: "مع صندوق النقد الدولي.. سيكون الإصلاح واجبا... آمل ذلك وإلا حتى الشركات الكبرى مثلنا ستصل إلى نقطة لا يمكنها عندها مزاولة النشاط. الوضع متأزم تماما الآن".