ضخّ المصرف المركزي السوري جرعة «أكسجين» في رئتي السوق المالية السورية، بإعلانه عن إعداد حزمة قرارات تتعلق بآلية سعر صرف الليرة السورية، يبدأ تنفيذها مطلع الأسبوع المقبل، في محاولة منه «لطمأنة المودعين والمستثمرين ورجال الأعمال»، في ظل الانهيار المتواصل لسعر صرف العملة الذي سجل خلال الأيام القليلة الماضية أعلى معدلات انخفاضه منذ بدء الأزمة، حيث هبطت نحو 25 في المائة مقابل الدولار الشهر الماضي ليسجل سعر صرف الدولار 125 ليرة في السوق السوداء. وفي حين يعاني السوريون من تضخّم المعيشة وارتفاع أسعار السلع الغذائيّة، مع انخفاض سعر صرف العملة المحلية، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة أن عملية تدخل المصرف «الإيجابي» في سوق القطع الأجنبي، تبدأ مطلع الأسبوع المقبل. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن ميالة قوله إن «المصرف انتهى من إعداد حزمة القرارات الخاصة به والمتعلقة بآلية إدارة سعر صرف الليرة». وأكد أن «المصرف المركزي سيبقى اللاعب الأساسي في سوق القطع الأجنبي بحيث سيقوم بالتدخل الإيجابي لتصحيح أي انحرافات في سعر صرف الليرة، عبر بيع القطع الأجنبي إلى المصارف ومؤسسات الصرافة بالأسعار التي يراها مناسبة وبما يضمن استقرار قيمة الليرة السورية عند مستويات مقبولة». وشدد ميالة على أن الآلية الجديدة «تضمن الحدّ من عمل السوق غير النظامية حيث ستدخل المصارف ومؤسسات الصرافة كمنافس قوي في شراء وبيع القطع الأجنبي». ولفت إلى أن «احتياطيات المصرف المركزي من القطع الأجنبي قوية وتضمن استمرار تدخله في سوق القطع الأجنبي للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة وعدم التلاعب به من قبل المضاربين». وأشار ميالة إلى أن «الحكومة بصدد اتخاذ حزمة داعمة من الإجراءات الحكومية من شأنها الحفاظ على القدرة الشرائية لليرة السورية والحفاظ على المستوى المعيشي للمواطن». ولا تعدو هذه الخطوة كونها «إجراء لطمأنة المودعين والمستثمرين ورجال الأعمال في ظل تراجع سعر صرف الليرة»، بحسب الخبير الاقتصادي اللبناني غازي وزنة الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الإعلان عن حزمة القرارات «يعني إعلانه عن الاستمرار بسياسته السابقة بالتدخل بسوق القطع». وأشار إلى أن أهميتها «تقع، نفسيا، في طمأنة المستثمر والمودع، والإشارة إلى أن المصرف لا يزال قادرا على التدخل لتجنب هبوط العملة القوي». ولفت وزنة إلى تضاؤل قدرات المصرف المركزي السوري وتراجعها. وقال: «هذا أمر طبيعي بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عامين». وأضاف: «تغيرت الحالة الاقتصادية عبر تراجعها بشكل كبير جدا، خصوصا بما يتعلق بمصادر الدولة من العملات الأجنبية، وهي مصدر الواردات النفطية التي تؤمن 25 في المائة من إيرادات الدولة، والتي خسرت 4 مليارات دولار وتراجع الإنتاج من 400 ألف برميل يوميا إلى 200 ألف بمعدل 50 في المائة، فضلا عن مصدر الدولة من العملات الأجنبية بتراجع الحركة السياحية 80% عن العام 2010». وأضاف وزنة: «كما خسر النظام مصدر تحويلات السوريين من بلاد الاغتراب، والتي قدرت بأكثر من ملياري دولار، بالإضافة إلى خسارته من مصدر الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة والتي تقلصت من 3 مليارات في عام 2010 إلى صفر حاليا». في المقابل، يستند صمود الليرة السورية من الانهيار الكامل إلى 3 أسباب، يرجعها وزنة إلى «عدم انكشاف اقتصادها على الخارج إلا منذ سنوات قليلة، كون الاقتصاد السوري داخليا يعتمد على الصناعة والزراعة بشكل أساسي، بالإضافة إلى أن الديون الخارجية ضعيفة، بحيث لا يشكل الدين الخارجي أكثر من 15 في المائة من إجمالي الدين العام، فضلا عن استمرار الدعم من الدول الحليفة للنظام عبر إمدادات نفطية، وعمليات مقايضة، وعمليات مصرفية تتم في المصارف السورية». رغم ذلك، شهدت الليرة السورية في الأسابيع القليلة أعلى مستويات هبوطها، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلى 125 ليرة في السوق السوداء، بحسب ناشطين أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الانخفاض «رفع نسبة إقبال السوريين على شراء العملة الأجنبية وتخزينها، خوفا من انهيار كامل للعملة المحلية». لكن السعر الرسمي لصرف الدولار، بلغ أمس 96.‏86 ليرة مرتفعا 5 قروش عن سابقه، في حين حدد سعر المبيع بـ48.‏87 ليرة. وهو ما دفع المصرف المركزي للتدخل مرة أخرى بغرض طمأنة المودعين ورجال الأعمال، والدفاع عن استقرار صرف الليرة. ورأى وزنة أن الإقبال على شراء العملة الأجنبية، يساهم أيضا في خفض قيمة العملة السورية.