جنيف ـ كونا
تتأهب البورصات الاوروبية لاستقبال الاسبوع المقبل بحالة من القلق اثر اجواء عدم الاستقرار التي خيمت على معظم المؤشرات باستثناء مؤشري (يوروستوكس 50) و(يوستوكس 600) للشركات اللذين سجلا ارتفاعا محدودا بنسبة 9ر0 بالمئة و5ر1 بالمئة. الا ان محللين استطلعت وكالة الانباء الكويتية (كونا) أراءهم رأوا أن هذه المحصلة ليست مطمئنة لأنها لا تعكس استقرارا في اداء البورصات اذ كان الاسبوع الماضي حافلا بموجات الصعود والهبوط وأغلق في آخر ايام التداول على تراجع نسبته 8ر0 بالمئة لمؤشر (يوروستوكس 50) وبنسبة 4ر0 لمؤشر اداء حركة التداول في اسهم الشركات (يوروستوكس 600). وعزا المحللون هذا الهبوط الى تراجع الاقبال على التداول في بورصات سويسرا وفرنسا واسبانيا والسويد وفنلندا وبلجيكا والدنمارك فسجلت هبوطا في آخر ايام التداول لم يزد على 7ر0 بالمئة فيما تعرضت اسهم قطاعات صناعة السيارات والبنوك والكيماويات وتوزيع النفط والغاز للهبوط بنسب لم تزد على 7ر1 بالمئة. واتفقت الآراء على ان النتائج المخيبة للامال للاقتصاد الاوروبي خلال النصف الاول من العام الجاري كانت من اهم اسباب هذا التراجع وحالة التردي في الاداء التي منيت بها البورصات لاسيما ان الاقتصاد الالماني الذي يوصف بأنه قاطرة الاقتصاد الاوروبي تراجع خلال النصف الاول من العام بنسبة 2ر0 بالمئة ومعه الاقتصاد الايطالي بالنسبة ذاتها الى جانب انكماش اقتصادي في جارتيهما فرنسا. ويشير المحللون الى مشكلتين اساسيتين يعاني منهما الاقتصاد الاوروبي حاليا اولاهما فشل سياسات التقشف التي اتبعتها الحكومات الاوروبية اثر الازمة المالية والاقتصادية العالمية في عام 2008 اذ لم تكن تلك السياسات مرتبطة بتوجهات اقتصادية تساعد على اصلاح ومعالجة اسباب اندلاع الازمة وتفشيها كما لم تكن مرتبطة ببرامج اقتصادية تضع في مقامها الاول تحسين حالة الاقتصاد بل اعتماد على تسكين الوضع ومنعه من التدهور. اما المشكلة الاخرى وفق المحللين فتكمن في سياسات البنك المركزي الاوروبي الذي لم يتمكن من وضع سياسة مالية تعالج اسباب الازمة مكتفيا بوضع مسكنات وحلول آنية دون وضع برامج طويلة المدى تسعى الى تحفيز النمو الاقتصادي. وعبرت كبريات الصحف الاوروبية خلال الاسبوع الماضي عن قلقها من الحالة الاقتصادية في منطقة اليورو على وجه الخصوص وحملت معظم التعليقات انتقادات لحكومات الدول القوية اقتصاديا مثل المانيا وفرنسا كما تضمنت ايضا انتقادات لسياسات البنك المركزي الاوروبي لعدم ترتيبه الحلول وفق الاوليات. ونشرت صحيفة (فايننشيال تايمز) الليبرالية الاقتصادية البريطانية في 14 اغسطس تعليقا قالت فيه ان “البنك المركزي الاوروبي ليس امامه سوى شراء المزيد من السندات الحكومية بمعدلات كبيرة لوقف تراجع اقتصاد منطقة اليورو”. وترى الصحيفة انه “في حكم شبه المؤكد ان البنك المركزي الأوروبي سوف يضطر في مرحلة ما إلى التيسير الكمي لإنقاذ الاقتصاد الفعلي المعني بقطاعي الانتاج والخدمات تماما مثلما اضطر البنك في نهاية المطاف الى انقاذ دول اوروبية من الديون السيادية”. لكن الصحيفة المتخصصة في الشأن الاقتصادي تشير الى “وجود مشكلة تواجه هذا الحل المحتمل وتتمثل في ان بعض الحكومات من بينها المانيا تقاوم مثل تلك الحلول فلا يبقى امام محافظ البنك المركزي ماريو دراغي سوى ان يواصل مساعيه لإقناع الاطراف المعارضة بمثل التوجهات وشراء سندات مالية في اسرع وقت ممكن”. في المقابل كان لصحيفة (لافانغورديا) الاسبانية المحافظة رأي آخر في تعليقها على الحالة الاقتصادية الاوروبية المتردية اذ اشارت في تعليقها بتاريخ 15 اغسطس الى “ان انكماش اقتصاد منطقة اليورو يؤكد مدى الحاجة الى تطوير في السياسات الاقتصادية لاسيما ان تحليل الموقف الاقتصادي الاوروبي يوضح انه لن ينمو طالما بقي هناك من يضع تلك السياسات بضغوط المانية”. وتطالب الصحيفة المعنيين بسياسات الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو المالية والاقتصادية ب”ضرورة صياغة نقطة تحول اساسية تضع التنمية الاقتصادية محورا اساسيا لان الطرق التقليدية الالمانية في سياسة منطقة اليورو المالية لم تجد شيئا بل لم تصلح اصلا في المانيا بدليل هبوط الناتج القومي الالماني الخام ولن يتحسن على المدى البعيد”. وعلى الرغم من ان سويسرا ليست عضوا لا في الاتحاد الاوروبي ولا في منظومة العملة الاوروبية الموحدة (يورو) فان ارتباطها الاقتصادي الوثيق بدول الجوار يجعل صحفها تتابع الموقف عن كثب اذ اتهمت يومية (نويه تسورخر تسايتونغ) المحافظة “سياسة الانهماك الاوروبية لإنقاذ الاقتصاد بانها اصبحت عبئا على منطقة اليورو”. وقالت الصحيفة في تعليق نشرته في 15 اغسطس “ان فشل بعض الاقتصادات الاوروبية في الربع الثاني من العام الجاري يعود بصورة اساسية الى فشل اقتصادي على مستوى الاتحاد الاوروبي بسبب انهماك الساسة في وضع سياسات انقاذ واستحداث المزيد منها ولكنها سياسات ادت الى اعاقة انتعاش الاسواق وعدم تحقيق النمو المنشود”. وتعتقد الصحيفة “ان نتائج الاقتصاد الالماني السلبية في الربع الثاني من العام الجاري سوف تلقي على عاتق واضعي سياسات الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو الاقتصادية مسؤوليات وترفع من درجة وعيهم بما يجب عمله”. وتصف اليومية السويسرية الوضع الاقتصادي الاوروبي الحالي بانه “مشبع بصورة غير حقيقية لاستقرار غير واقعي بسبب سياسات البنك المركزي الاوربي التي تضع من تلك الصورة غير الواقعية اساسا لانطلاق اقتصاد اوروبي من المفترض ان يكون مستقرا ويؤدي إلى تكامل اقتصادي حقيقي وهو امر غير صحيح على ارض الواقع”. ومن العاصمة الفرنسية باريس انتقدت يومية (لوموند) اليسارية الليبرالية في 15 اغسطس ايضا ما وصفته ب ” الوعود الفارغة ” من فرنسا حول النمو الاقتصادي الذي لم نشاهد منه الا الفشل في الربع الثاني على التوالي وتناقض المؤشرات الاقتصادية مع توقعات الحكومة. وتؤكد (لوموند) ان “الاقتصاد الفرنسي لم يتمكن طوال عام كامل من الاستفادة من الديناميكية التي يتعامل معها شركاء فرنسا الاوروبيون ليبقى الوضع كما هو عليه من فقدان للوظائف والانتاجية وشلل اقتصادي تحت قيود التقشف”. ورأت الصحيفة “ان النتائج الاقتصادية السلبية وجهت ضربة قاسمة لسياسات الرئيس فرانسوا هولاند وحكومة مانيويل فالس ما يقوض من مصداقية الطرفين اللذين يجب عليهما الآن اعادة صياغة مهام الانعاش الاقتصادي لكن لا شيء يحدث على الاطلاق”.