رغم ارتفاع مؤشر داو جونز الصناعي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته، فإن الفجوة بين العمال الأميركيين والشركات لا تزال تكبر، وقد تستمر في الاتساع خلال الأشهر القادمة، عندما يبدأ تأثير خفض النفقات في الموازنة الاتحادية الأميركية. وتوضح الفجوة لماذا يرتفع مؤشر الأسهم الأميركية في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد نموا ضعيفا ويظل معدل البطالة مرتفعا. فبينما لا يزال ملايين الأميركيين بدون عمل، تغيب الضغوط عن الشركات لزيادة الأجور، في الوقت الذي تسمح لها الزيادة المتحققة في الإنتاج بزيادة المبيعات دون زيادة عدد العاملين. ويقول إيتان هاريس رئيس قسم الاقتصاد الدولي في بنك أوف أميركا ميريل لينش، إنه في ظل الانتعاش الضعيف للاقتصاد الأميركي استطاعت الشركات اقتناص قسط كبير من الأرباح. ويضيف أن وضع الشركات أصبح أفضل بكثير من الوضع العام للاقتصاد الأميركي، وأن هذا الوضع سيستمر إلى أن يتحسن سوق العمل بصورة كاملة. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن نتيجة الوضع الحالي هو أن الشركات -خاصة الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات- أصبحت تعيش عصرها الذهبي فيما يتعلق بالأرباح، بسبب استفادتها من الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند. وهذه الأسباب -إضافة إلى استمرار الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) في كبح سعر الفائدة- شجعت المستثمرين على ضخ المزيد من الأموال في أصول عالية المخاطر، مما دفع مؤشر داو جونز إلى أكثر من 14 ألف نقطة في الأسبوع الماضي. وبالرغم من أن أرباح الشركات جعلتها أقدر على المنافسة في العالم فإنها لم تترجم إلى زيادة في قطاع التوظيف المحلي. وفي نفس الوقت، سجل قطاع المساكن انتعاشا أكبر يضاف إلى نمو في الطلب على الآلات والسلع المعمرة، مما ساهم في دفع مؤشرات وول ستريت إلى أعلى، إلا أن ذلك -كما هو الحال في أرباح الشركات- لم يستطع أن يحسن الوضع في سوق العمل. وبعد هبوط معدل البطالة لمدة ثلاث سنوات مستمرة، ثبتت عند أقل من 8% منذ سبتمبر/أيلول الماضي. خفض الإنفاق الحكومي وأشارت نيويورك تايمز إلى أن المحللين يحذرون من أن الخفض المتوقع في نفقات الحكومة حتى نهاية السنة المالية الحالية في سبتمبر/أيلول -وهو خفض يصل إلى 85 مليار دولار- سيؤدي إلى هبوط نمو الاقتصاد بواقع نصف نقطة مئوية على الأقل. وبالرغم من أن المحللين يعتقدون أن الخفض سيكلف الولايات المتحدة نحو 700 ألف وظيفة، فإنه من غير المتوقع أن يؤدي إلى هبوط أرباح الشركات أو إلى تغيير الاتجاه الصعودي للأسهم. وكمساهم في الناتج المحلي الإجمالي، بلغت مساهمة الشركات 14.2% في الربع الثالث في 2012، وهي أعلى مساهمة منذ 1950، لكن نصيب العاملين من دخول الشركات وصل إلى 61.7% فقط، وهو الأدنى منذ 1966. ونبهت نيويورك تايمز إلى أن الاحتياطي الاتحادي الأميركي جعل خفض معدل البطالة في صدر أولوياته، لكن سياسته الهادفة إلى الإبقاء على أسعار الفائدة المنخفضة جدا وشرائه الأصول الآمنة لحفز الاقتصاد يعني أن المستثمرين يرغبون في تحمل المزيد من المخاطر من أجل عوائد أفضل، مما حسن الوضع في وول ستريت رغم الصورة القاتمة للاقتصاد الأميركي. ويقول إيتان هاريس إن نصف نسبة النمو التي حققتها سوق الأسهم الأميركية -وهي 13% في العام الماضي- كانت نتيجة لإجراءات الاحتياطي الاتحادي.