صوفيا - أ.ف.ب
يعتبر تعليق بناء خط انابيب الغاز "ساوث ستريم" نتيجة الفتور بين روسيا والاتحاد الاوروبي بسبب اوكرانيا، قرارا خطيرا لكن يرجح ان لا يكون مفعوله نهائيا بالنسبة لمشروع تشارك فيه عدة دول ومجموعات عملاقة في قطاع الطاقة.
فقد اعلنت بلغاريا الاحد تحت ضغط بروكسل وواشنطن تعليق الاستعدادات التي كانت جارية للبدء بتنفيذ المشروع الروسي الاوروبي لبناء خط انابيب الغاز الذي كان يفترض ان يبدأ هذا الصيف. واتهمت موسكو على الفور الاتحاد الاوروبي بفرض "عقوبات اقتصادية ضمنية".
وساوث ستريم المقدر تكاليفه ب16 مليار يورو اطلق في 2012 مع الشركة الروسية العملاقة غازبروم التي كانت تأمل بجعله عملانيا في 2015 بقدرة 63 مليار متر مكعب سنويا، ما يوازي مشتريات الاتحاد الاوروبي من الغاز الذي يمر عبر اوكرانيا.
ومشروع الكونسورسيوم الذي يضم شركة يني الايطالية وشركة كهرباء فرنسا ايه ديه اف يفترض ان يربط روسيا ببلغاريا عبر البحر الاسود مع عدم المرور باوكرانيا ليواصل مساره الى اليونان وايطاليا وصربيا والمجر وسلوفينيا والنمسا.
والمفوضية الاوروبية كانت على الدوام معارضة للمشروع. وفي الاسابيع الاخيرة اعلنت بلغاريا بالرغم من كل شي، وكأن شيئا لم يحدث، ان الاشغال ستبدأ هذا الصيف واوكلتها حتى الى الشركة الروسية سترويترانسغاز الخاضعة لعقوبات اميركية.
لكن بروكسل وجهت الاسبوع الماضي تحذيرا الى السلطات البلغارية، اول مرحلة من اجراء يتعلق بمخالفة، بحجة ان بلغاريا لم تتقيد بالقوانين الاوروبية الخاصة بالاسواق العامة.
اما صوفيا الواقعة رهينة تجاذبات كما هي الحال غالبا، بين روسيا والغرب، رضخت في نهاية المطاف للمطالب الاوروبية.
واعلن رئيس الوزراء بلامن اوريشارسكي بنفسه تعليق الجزء البلغاري للمشروع. وادلى بهذا التصريح والى جانبه ثلاثة اعضاء من مجلس الشيوخ الاميركي في ختام لقاء معهم بينهم السناتور النافذ جون ماكين.
ولخص الخبير في شؤون روسيا في جامعة انسبروك النمسوية غيرهارد مانغوت الوضع بقوله لوكالة فرانس برس "يستخدم ساوث ستريم لحمل روسيا على تقديم تنازلات بشأن ازمة اوكرانيا عموما وحول الغاز خصوصا".
وسارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى انتقاد الاتحاد الاوروبي آخذا عليه "رغبته في المعاقبة والانتقام".
لكن لم يصدر رسميا اي رد فعل عن شركة يني ولا عن ايه ديه اف. لكن مصادر مقربة من مجموعة الطاقة الفرنسية لمحت الى ان مشاركة ايه ديه اف على المدى الطويل ليست موضع تشكيك.
وفي الواقع ان اصطدم مشروع ساوث ستريم لتوه بعائق كبير فان المحللين الذين توجهت اليهم فرانس برس بالسؤال يجمعون على القول ان المشروع لم يدفن.
ولفت جوناثان ستيرن البرفسور في معهد دراسات الطاقة في اوكسفورد الى "ان الازمة الاوكرانية اضافت بعدا سياسيا هائلا"، معتبرا "ان الاتحاد الاوروبي يريد فرض توقف قبل ان يسمح ببنية تحتية جديدة تسمح بزيادة ملحوظة للصادرات الروسية الى اوروبا".
وراى المحلل مارتن فلاديميروف من مركز الدراسات الديموقراطية في صوفيا انه "من المبكر الحديث عن تجميد ساوث ستريم"، مضيفا انه "يمكن التوصل الى اتفاق كبير بين غازبروم والاتحاد الاوروبي في الايام المقبلة".
وبالفعل بدأت اوكرانيا وروسيا الاثنين في بروكسل مفاوضات حول ديون كييف عن مشترياتها من الغاز الروسي والمقدرة بمليارات الدولارات، وحول الاسعار المرتفعة التي تفرضها موسكو.
واعلنت المفوضية الاوروبية ان المحادثات بين الاتحاد الاوروبي وروسيا واوكرانيا تستأنف الثلاثاء عند الساعة 19,00 ت غ في بروكسل للتوصل الى اتفاق حول سعر الغاز التي تشتريه كييف وتسديد ديونها المستحقة لموسكو.
وستضم هذه المحادثات وزيري الطاقة الروسي والاوكراني الكسندر نوفاك ويوري برودان والمفوض الاوروبي المكلف شؤون الطاقة غانتر اوتينغر بعد الفشل ليل الاثنين الثلاثاء في التوصل الى اتفاق بعد اكثر من ثماني ساعات من المفاوضات.
والرهان يتمثل بحسب برودان في التوصل الى"حل شامل لتسوية المسائل المتعلقة بسعر الغاز ودفع الدين"، لكنه صرح ليل الاثنين الثلاثاء "لا نستطيع قبول آلية حساب السعر التي تقترحها غازبروم" وان اوكرانيا تريد "سعرا منصفا يرتكز على السوق".
وتطالب روسيا من جهتها قبل التوصل الى اي اتفاق شامل بان تدفع اوكرانيا مبلغ 1,47 مليار دولار عن فواتير مستحقة لشهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الاول/ديسمبر 2013.
وحذر الوزير الروسي الليل الماضي من انه اذا لم تتم تسوية هذه المسألة الثلاثاء فان روسيا ستطلب ايضا دفع 500 مليون دولار مستحقة لشحنات نيسان/ابريل وايار/مايو 2014.
ويفترض ايضا التوصل الى اتفاق حول سعر الغاز التي تبيعه غازبروم الى نفتوغاز وكذلك الكميات. وقالت روسيا انها ستواصل تزويد اوكرانيا بالغاز طالما ان المحادثات مستمرة.
الى ذلك يشكك فلاديميروف في الاهمية الاقتصادية التي يشكلها بناء ساوث ستريم بالنسبة لاوروبا. وقال في هذا الصدد "ان الطلب على الغاز الروسي يتراجع منذ 2009، بسبب وجود مصادر بديلة مثل الغاز المسيل ومصادر الطاقة الخضراء وحتى المحطات التي تعمل بالفحم الحجري".
وخلص الى القول "ان المسألة بالنسبة لاوروبا تكمن في تحديد ما اذا كانت مصالحها الجيوستراتيجية ستتغلب على المصالح الاقتصادية البحتة للشركاء الاوروبيين في ساوث ستريم، وخصوصا يني وايه ديه اف والمستهلكين الكبار للصناعة الكيميائية الالمانية".