الشرق الأوسط بين مطرقة الصراعات المسلحة وسندان التدخلات الخارجية

الشرق الأوسط بين مطرقة الصراعات المسلحة وسندان التدخلات الخارجية

الشرق الأوسط بين مطرقة الصراعات المسلحة وسندان التدخلات الخارجية

 لبنان اليوم -

الشرق الأوسط بين مطرقة الصراعات المسلحة وسندان التدخلات الخارجية

ليلى العمراني

يوم الثلاثاء 24 آذار/ مارس 2015، سرب موقع "ويكيليس" رسالة أرسلتها تركيا إلى الأمم المتحدة، تفيد بأن طائرات إف-16 تركية أقلعت نحو الحدود التركية السورية، وأرسلت 10 رسائل تحذيرية خلال 5 دقائق، مع تحذيرات بتغيير الاتجاه لطائرتي سوخوي-24 روسية، متهَمة بانتهاك الأجواء التركية لمدة 17 ثانية، هربت إحداهما، في حين تم إطلاق النار على الطائرة الأخرى داخل المجال الجوي التركي، قبل أن تسقط على الحدود السورية.

إلى هنا تنتهي رواية الحكومة التركية، الحكومة الروسية من جهتها، اعتبرت الحادثة "أمرا خطيرا"، وقطعت كافة الاتصالات العسكرية مع أنقرة، نافية أن تكون طائراتها قد اخترقت المجال التركي. مثل هذه الأحداث تكون، كما أظهرت التجارب السابقة، مقدمة لاشتباك عسكري، تنجرُّ إليه التحالفات المدفوعة بأطماع وطموحات مختلفة، تشعل نار ما يسمى "الحرب العالمية".

سورية..انقلاب الموازين

سورية، البقعة الأكثر التهابا بالشرق الأوسط، تعج بالتحالفات المختلفة، الداعمة لمعظم الأطراف المتحاربة بسورية، ما بين الدعم الروسي الإيراني لنظام الأسد، وقوات التحالف الغربية والقوى العربية السنية، التي تسلح المعارضة السورية وتمولها، مع ما قد يحمله هذا التعارض في المصالح، من "احتمالات مواجهة بين القوات الروسية وقوات التحالف ضد داعش"، وهي المخاوف التي سبق أن عبر عنها وزير الخارجية الأميركي، "جون كيري"، في تصريحات صحافية سابقة.

خطر قيام مواجهات بين أطراف أخرى متدخلة في النزاع السوري، يبقى احتمالا قائما، فالتدخل الإيراني لدعم نظام بشار الأسد عجّل بتحريك السعودية لأذرعها في المنطقة، وتقديم الدعم للائتلاف الوطني المعارض، كما سارعت الدول الغربية لإنعاش المعارضة، وضمان التوازن بين جبهات الصراع بسورية.

ويبدو أن الأسد "اختار" حلفاءه بشكل استراتيجي للغاية، إذ صار يعتمد على قوة إقليمية في الشرق الأوسط هي إيران، وقوة عالمية هي روسيا، الشيء الذي  خلخل الموازين لصالحه على الأرض، وأبرز دليل على ذلك هو تقهقر المعارضة في ضواحي دمشق، وانهزامها في معركة "القصير".

ورغم مغازلة الأطراف الثلاثة بعضها لبعض في بياناتها وتصريحاتها الإعلامية، إلا أن هذا التحالف الثلاثي، يبقى مهددا بالانهيار أكثر من غيره، فرغم أن مصلحة طهران وموسكو، على المدى القصير والمتوسط، تبقى هي الحفاظ على نظام الأسد قائما، فإن أهدافهما على المدى البعيد تبقى متباينة تماما، فإيران تريد استعمال سورية، كجسر لدعم "حزب الله" في لبنان، وحماس في قطاع غزة، بينما عين روسيا على تكوين حلف واسع، مع الدول الغربية ضد تنظيم الدولة، طمعا في كسر عزلتها الدولية ورفع العقوبات الاقتصادية التي طالتها، بسبب ضمها لجزيرة القرم. هذا في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون من أميركا ودول أوروبية، أن تمسك "بوتين" ببشار الأسد هو "تمسك مرحلي فقط"، رغم التصريحات المتتالية بـ "قوة ومتانة العلاقة بين البلدين".

ومع أن موسكو وطهران، أعلنتا عن اتفاقهما على تعزيز السلم والأمن بمنطقة الشرق الأوسط، وخصوصا روسيا، إلا أن المصالح والرؤى السياسية تختلف كثيرا بين البلدين، فقد تدخلهما في أتون منافسة سياسية واقتصادية طاحنة، في حال ما إذا توقف القتال في سورية، ابتداء بتعارض المصالح في سوق الطاقة العالمي، وعدم رضاها عن المخطط الإيراني الرامي لإضعاف دول سنية مجاورة.

ومن المحتمل أن تكون الهجمات التي شنها الروس على تنظيم "داعش"، أول مسمار يدق في نعش التحالف الإيراني الروسي في المنطقة، إذ يبدو أن روسيا، الطامعة إلى رفع العقوبات عنها، سوف تُليّن مواقفها تجاه الدول الغربية وتعزز التعاون معها، خصوصا أن العلاقات الفرنسية الروسية بدأت بالتحسن، في ظل قرار فرنسا تكثيف ضرباتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية بسورية، وهو ما استغلته روسيا، التي تعلل تواجدها على الأراضي السورية لدعم بشار الأسد، بمحاربة "داعش".

وترغب فرنسا، في الاستفادة من الخبرة التي راكمتها روسيا، في قصف معاقل تنظيم "داعش" بسورية، والتركيز على "محو" التنظيم من الأرض، وترك خلافاتهما جانبا، خصوصا حول الأزمة الأوكرانية، واختلاف مواقفهما من نظام بشار الأسد.

العراق..دمار وبلقنة

لعل أبرز خطوة قامت بها أميركا، في مسلسل مخططها لتقسيم العراق، هي إقدام الكونغرس الأميركي على مناقشة مشروع قانون، يتجاوز الحكومة العراقية ويشرعن تقديم الدعم المباشر لـ"البيشمركة" وقوات العشائر، إضافة إلى الحرس الوطني السني العراقي، لمحاربة التنظيمات المسلحة المتنامية بالمنطقة، على أساس أنها "دول".

وأعلنت الغالبية العظمى من القوى الفاعلة في العراق، خصوصا القوى السنية والشيعية الكبرى، رفضها بصريح العبارة لمخططات تقسيم العراق، وتمسكها بالوحدة الترابية للبلاد، إضافة إلى رفض دول الجوار لهذا التقسيم، منذ دعوة وزير الخارجية الأسبق، "هنري كيسنجر" سنة 2006، إلى تقسيم العراق لثلاثة كيانات، كردي في الشمال، ودويلة سنية في الوسط، وأخرى شيعية في الجنوب.

ويحاول دعاة فكرة تقسيم العراق، تقديم حجج تظهر حيوية هذا المقترح، من أجل ضمان المصالح الأميركية، والتسريع بالخروج بالمنطقة من دوامة العنف والصراعات، وفي هذا الصدد، قدم أستاذ القانون الأميركي في جامعة كالفورنيا "بيركلي"، "جون يو"،  أربع أفكار اعتبرها "فوائد" لتقسيم العراق، وهي "التقليص من دائرة الخلاف بين السنة والشيعة والأكراد على السلطة الحكومية"، و"التعجيل ببناء مؤسسات الدولة"، إلى جانب "زيادة احتمالات الوصول إلى إجماع حول قضايا الدين والقانون داخل كل فئة"، و"التعجيل في انسحاب الجيش الأميركي بشكل تام من العراق، بعد الحد من قدرتهم على شن الهجمات".

اليمن..حرب بالوكالة

لطالما كانت اليمن بعيدة عن تدخل النظام الإيراني، حتى تم التحالف  بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث سنحت الفرصة  لنظام الملالي، للعثور على موطئ قدم بالخليج العربي، ودخول نادي المتحكمين بتجارة النفط العالمية، عبر بسط سيطرته على مضيق باب المندب، الذي يعتبر نقطة العبور الوحيدة للسفن التي تحمل نفط دول الخليج، هذه الأخيرة لن تظل مكتوفة الأيدي حتى تُنزل إيران مخططها على أرض الواقع، ما يجعل اليمن مسرحا لـ"حرب بالوكالة"، بين القوى الإقليمية.

ومن أبرز الدلائل على أن ما يقع باليمن، هو "حرب بالوكالة"، الدعم الإيراني المتواصل لميليشيات المتمردين، وتحول السفارة الإيرانية باليمن، إلى مركز عمليات للحوثيين وقوات الرئيس السابق علي صالح، التي تواجه المقاومين اليمنيين وقوات التحالف العربي، الساعية لإعادة الحكم الشرعي لليمن.

بلدان حافظت على الاستقرار

مقابل الاضطرابات التي تعيشها معظم الدول في الشرق الأوسط، فإن بلدان الخليج العربي، تمثل واحة للاستقرار ونمو فرص الأعمال وتطوير البنى التحتية ومستوى المعيشة، في ظل محيط إقليمي متوتر، لا زال يجترُّ مخلفات الثورات العربية.

فإذا أخذنا دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، فإن أبرز ما يجعلها واحة للاستقرار وسط مناخ مضطرب، هو تفاعل قيادتها الدائم مع مطالب المواطنين، واعتبارهم أهم مورد للدولة، بالإضافة لوصولها لمرتبة مرموقة في مؤشر التنمية البشرية، و تربية المواطن الإماراتي على قيم الانفتاح والتسامح منذ نعومة أظافره، كل هذا إلى جانب تميُّز جهازها الأمني، واعتماده المعاييرالدولية في أساليب اشتغاله.

ورغم أن دول الخليج ترفل في رفاهية العيش، فإنها تأخذ بعين الاعتبار خطورة الوضع بالبلدان المجاورة، والتهديد الاستراتيجي الذي يشكله عدم الاستقرار، وهو ما حذا بوزراء دفاع الخليج، للاتفاق على زيادة التنسيق والتعاون العسكري بين القوات المسلحة، من أجل مواجهة كل محاولات النيل من أمنها واستقرارها، والمخاطر التي قد تواجه هذه البلدان.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط بين مطرقة الصراعات المسلحة وسندان التدخلات الخارجية الشرق الأوسط بين مطرقة الصراعات المسلحة وسندان التدخلات الخارجية



GMT 20:41 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 20:50 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:35 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 09:10 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 10:58 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

وذهب.. سوار الذهب!!

GMT 12:24 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

"عقار جودة" وتسريب الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنين

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon